يمكنك الاطلاع على تفاصيل المذبحة بقراءة الجزء الأول من هذا المقال
“عمر ماسوفيتش” شخص عندما تراه قد تظن أنه يفتقد للنوم، فعلى مدار عقدين من الزمان، كانت وظيفة مسوفيتش هي أن يحدق في الأرض باحثًًا عن المقابر الجماعية التي تحتوي على الآلاف ممن اختفوا خلال حرب البوسنة، إنه عمل شديد الأهمية، وهو يعرف كيف يفعله جيدًا. صرح ماسوفيتش في صيف عام 2012 أنه وزملاؤه من الهيئة الحكومية البوسنية للأشخاص المفقودين قد استطاعوا العثور على أكثر من 700 مقبرة جماعية تضم رفات ما يقرب من 25 ألف شخص.
الصورة: عمر ماسوفيتش، نائب رئيس المعهد البوسني للأشخاص المفقودين بالقرب من جرف حيث طمر الصرب أكثر من 200 جثة لضحايا مسلمين.
في مقهى في القلب من سراييفو، كان ماسوفيتش يحدث أحد الصحفيين قائلاً إنه استطاع أن يعثر على العديد من المقابر الجماعية (وهي التي بحسب التعريف الحديث، تحتوي على رفات ثلاثة أشخاص أو أكثر)، استطاع أن يعثر عليها من خلال شهادات الناجين وبعد السماع للناس في قرى ومدن البوسنة، لقد استطاع أيضًا أن يعرف أماكن بعضها بالتخمين، “قد أرى بقعة ما وأقول إن هذا يصلح مكانًًا جيدًًا لقبر، وأحيانًًا كثيرة ما يكون كذلك فعلاً! .. إن بقايا الجثث في كل مكان، يمكنك أن تجدهم في كل مكان يخطر على بالك”.
ومن بين كل المذابح التي ارتُكبت في جميع أنحاء البوسنة بين عامي 1992 و1995، أكثر ما يؤرق ماسوفيتش هي مذبحة سريبرينيتشا، تلك المدينة التي تقع في واد صغير شرق البوسنة والهرسك، كانت ملجأ لأكثر من 40 ألف من اللاجئين المسلمين الذين هربوا من الحرب إليها، ظلوا في معظمهم محاصرين من قبل المقاتلين الصرب.
ولأكثر من نصف ذلك الوقت، كانت سربرنيتسا تحت الحماية العسكرية الدولية، أو هكذا كان يجب أن تكون، إذ كانت واحدة من ست مناطق حددتها الأمم المتحدة كـ “مناطق آمنة”، لكن ذلك لم يكن يعني شيئًا، فعندما شن الصرب هجمات في يوليو 1995 على الوادي والمدينة، وبدلاً من المقاومة، وقفت قوات الأمم المتحدة تشاهد عاجزة أو متواطئة، وخلال تلك الأيام من الثلث الثاني من شهر يوليو في صيف 1995، قتل الصرب أكثر من 8000 رجلاً وشابًا وطفلاً من مسلمي البوسنة، كان معظمهم يحاولون الفرار من الذبح سيرًا على الأقدام، لقد كانت تلك المذبحة هي أول عمل إجرامي صُنف على أنه إبادة جماعية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية قبل ذلك الوقت بخمسين عاماً.
بالنسبة لماسوفيتش، مجزرة سربرنيتسا تمثل تحديًا مهنيًا خاصًا، فمن بين القتلى، هناك حوالي ألف فقط ممن قُتلوا بطريقة مباشرة، لكن هناك أكثر من 7000 قُبض عليهم واقتيدوا للإعدام قبل أن تُلقى جثثهم في سلسلة من المقابر الجماعية قبل أن تُنقل الجثث لاحقًا بأوامر من قادة الجيش الصربي إلى مقابر جماعية أصغر بالقرب من حوض نهر درينا، وهي المنطقة التي تسمى “وادي الموت” ، حيث أراد الصرب ألا تُكتشف تلك الجثث.
ماسوفيتش كان أحد الرجال الذين عملوا ضمن فريق دولي وبجهد غير عادي لتحديد هوية الضحايا ومرتكبي جرائم حرب البوسنة، في 2012، صدر كتاب “الموتى البوسنيين” بتمويل نرويجي يوثق ما حدث، وقد وثق أن هناك أكثر من 43000 مدني قُتلوا نتيجة الحرب الطائفية، 82٪ منهم كانوا من المسلمين و 10٪ من الصرب، فيما بلغ عدد الضحايا بشكل عام أكثر من 100 ألف قتيل.
وبينما يتحدث ماسوفيتش، سأله الصحفي “القتل على هذا النطاق، لابد أن يكون قد تم بواسطة الآلاف من الناس، وهناك بعضهم بالطبع عاد إلى أخ أو زوجة أو قس، وهذا يفترض أن بعضهم قد استيقظ ضميره لاحقًا، فكم نسبة من عادوا إلى رشدهم من الصرب؟” .. يجيب ماسوفيتش ساخرًا “ضمير؟! لقد وصلتني رسالة واحدة من شخص وقع الرسالة باسم (صربي من فوكا) أرشدنا فيها إلى مكان لمقبرة جماعية، لكن خلاف ذلك الصربي، لم يستيقظ ضمير شخص واحد! شخص واحد خلال كل تلك الأعوام”.
الصورة: في 2012، وبعد 17 عاما على المذبحة، دُفن 520 ضحية وُجدوا في مقبرة جماعية
كانت البوسنة والهرسك تُسمى “برميل بارود أوروبا” إذ أنها كانت تضم مسلمين وكروات كاثوليك وصرب أرثوذوكس، وأدت التوترات بينهم إلى نوبات متقطعة من العنف، لكن بدا أن الأمر سيختلف بعد أن وحد تيتو يوغوسلافيا بعد الحرب العالمية الثانية.
أما سربرنيتسا فهي قرية طولها يقارب سبعة أميال وعرضها نصف ميل تقريبًا، تقع في وادي جبال الألب، تحيطها غابات دائمة الخضرة كثيفتها، وبالقرب منها هناك وبراتوناتس، وعلى الطريق بينها وبين سربرنيتسا تقع بوتوتشاري، حيث كان يقع مجمع العسكريين التابعين للأمم المتحدة خلال الحرب.
وفي الطريق المؤدي إلى مجمع الأمم المتحدة مقبرة محفوظة لهؤلاء الذين ذُبحوا في صيف 1995، أكثر من 6000 قبر على التلال المتموجة، وبين شواهد قبور المسلمين التقليدية يبرز قبر عليه صليب لمسيحي قتيل، وبالقرب من المقبرة، يقف محل لبيع الهدايا الصغيرة والإكسسوارات المصنوعة من قبل قريبات القتلى، تشغل المحل امرأة مسلمة تبلغ من العمر 64 عامًًا تدعى فضيلة إفينديتش، دُفن ابنها وزوجها في قبر من تلك القبور التي تطل عليها من التل.
دُمر منزلها القديم في الحرب، تقول “خلال زمن تيتو، كنا نعيش في سلام جميعًا، لم تكن هناك أي تفرقة، لم أتصور أن يحدث كل ما حدث!”
لم تختف الكراهية العرقية بعد تيتو، لكنها كانت قد اختفت مؤقتًا وعادت مستعرة مرة أخرى عندما أعلنت البوسنة استقلالها عن الاتحاد اليوغوسلافي الذي تفكك في أبريل 1992، ومع الدعم العسكري والمالي من صربيا وكرواتيا، استولت الأقلية من صرب البوسنة وكروات البوسنة على مساحات كبيرة وأقاموا فيها جمهوريات صغيرة بعد أن رفضوا قرار الحكومة المركزية في سراييفو.
كان الصرب يريدون تطهير المنطقة من المسلمين، قتلوا عشرات الآلاف وهجروا آخرين من خلال حملة منظمة من الإرهاب والحرق والاغتصاب الجماعي.
لم تكن هناك وحشية أكثر مما كانت عليه في المنطقة بين براتوناتس وسربرنيتسا، حوصرت المساجد بالديناميت وجُرفت الأرض ودمرت مزارع المسلمين وعلى طول نهر درينا، امتد التدمير إلى آثار المسلمين ومقابرهم القديمة.
وبينما كانت تعيش في منزلها القديم في بوتوتشاري، سمعت فضيلة أشد القصص رعبًًا عن التعذيب والإعدام الجماعي من اللاجئين الذين بدأوا يتدفقون على وادي سربرنيتسا، تقول “في البداية لم أصدق ما يقولون، لقد كان شيئًا مثل ما حدث في العصور المظلمة”.
الصورة: السيدة فضيلة إفنديتش، بالقرب من قبري زوجها وابنها في نصب المذبحة ومقابر الضحايا.
وعلى بعد ثلاثة أميال من منزلها، تسكن امرأة صربية تُدعى “رادوجكا فيليبوفيتش” تبلغ من العمر 48 عامًا لديها قصة تختلف كثيرًا، تقول إن هناك فظائع ارتكبتها الحكومة البوسنية المسلمة ضد صرب البوسنة، تقول “في 8 أغسطس 1992، قتل المسلمون رجلاً بقطع رأسه ثم أخذوها إلى سربرنيتسا ليلعبوا بها مثل كرة القدم .. لقد تأكدنا من ذلك!”.
وفقًا لمراكز التوثيق والبحوث، فإن غالبية من قُتل من الصرب في تلك المنطقة كانوا من المدنيين، إلا أن من بينهم 17 مدنيًا، وتوثق المراكز أن هناك 154 قتيلاً مدنيًا صربيًا طوال سنوات الحرب في تلك المنطقة، مقابل آلاف القتلى من المسلمين.
وبعد أن صعّد الصرب من لهجتهم، وبعد ضغطهم على قوة الحماية الهولندية لأن تتقهقر وبعد منع عودة الجنود الذين غادروا في أجازة، هاجم الصرب المنطقة التي كان قد وصلها آلاف اللاجئين، وكانت فضيلة إحدى الذين هربوا بعد أن هاجم الصرب سربرنيتسا وبورتوكاري في 11 يوليو.
“لقد كان الأمر جنونيًا .. كان الجميع يبكون ويصرخون، والأطفال المفقودون في كل مكان، وتسمع صوت إطلاق النار والانفجارات من التلال ومن كل مكان”.
زوج فضيلة “حامد”، وابنها “فيجزو” انضموا لآلاف الرجال الذين نزحوا على أقدامهم طلبًا للنجاة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المركزية في سراييفو.
وفي الأيام الثلاثة التي تلت، وبعد أن منع الهولنديون اللاجئين من الاحتماء بهم، بدأ الصرب في التقاط الفتيات واغتصابهن والتقاط الرجال وقتلهم، حيث كان هناك قرابة ألف شخص تتراوح أعمارهم بين الأطفال أو الفتيان في سن المراهقة إلى الرجال في الثمانينيات من عمرهم، وانطلق الصرب في مطاردة الرجال الذين نزحوا على الأقدام والذين بلغ عددهم 15 ألفًا، وقتلوا 1000 شخص وأسروا 6000 آخرين.
شخص آخر يعيش الآن بعد المذبحة، أراد زيارة موقع المذبحة في ذكراها السابعة عشرة في 2012، الجندوي الهولندي “روبرت زومر” كان من بين الجموع التي حضرت الذكرى صباح يوم 11 يوليو 2012 عند مدخل مصنع البطاريات القديم في بوتوتشاري.
الصورة: روبرت زومر
“لا يمكنك تخيل المشهد، في كل مكان هناك أشخاص يصرخون، يبكون، مرضى أو حتى يقاسون سكرات الموت، لم يكن هناك ما يمكننا فعله! كان يمكنك أن تشم رائحة الخوف، لم أعرف من قبل أن الخوف لديه رائحة”.
“كانت هناك امرأة شابة، تبكي بهيستيريا هنا” ويشير زومر إلى مكان ما بالقرب من المصنع، ويتابع “ذهبت إليها لأخفف عنها، لم أكن أعرف إن كانت تفهم ما كنت أقول أم لا، كنت أخبرها أن كل شيء سيكون على ما يرام، وفي تلك اللحظة قفزت قطة بالقرب منا، أخذت القطة ووضعتها بين يدي المرأة، وقلت لها أن هذه تعتمد عليك الآن، يجب أن تظلي على قيد الحياة”.
عاد زومر في نهاية 1995 إلى هولندا، ترك الجيش وحاول أن يندمج في الحياة الطبيعية، لقد تزوج وأنجب فتاة، لكنه لم يستطع أن يتجاوز ما حدث، كان يغضب لأقل الأسباب ولم يكن يستطيع التحكم في غضبه، فقد وظيفته المدنية الأولى بعد أن لكم رئيسه في العمل، لاحقًا عمل في صناعة الأقفال، وفي العام التالي عاد إلى البوسنة واشترى عشرة أفدنة على بعد نصف ميل من مقر البعثة الهولندية السابق.
وعندما سُئل عن مهمته في البوسنة قال “كان علينا أن نحمي اللاجئين، لكن من منظور عسكري، لم يكن هذا ممكنا، لقد أعطوا 20 رصاصة لكل منا، وكانت لدينا أوامر شديدة الوضوح ألا نطلق النار تجاه أي شخص!”.
لقد كانت مهمته هي المراقبة، يقول “لقد كانت لحظة رهيبة، كانت الأمهات تأتي ليعطين إلي صغارهم متضرعين أن أنقذهم، كنت أحمل الطفل لبعض الوقت قبل أن أضعه في إحدى السيارات التي تحاول المضي على الطريق”.
“يخشى أصدقائي من الحضور إلى هنا، يخشون أن يتعرض لهم أحد أقارب الضحايا بأذى .. يسألونني وأخبرهم أن كل شيء على ما يرام”.
عندما دخل زومر ورأى النعوش التي تمتد .. استند برأسه إلى الجدار محدقًا إلى النعوش، قائلا: “عندها لم نكن نعلم ذلك، عندما عدت إلى هولندا كان الناس يقولون إننا فعلنا شيئًا سيئًا، وأننا سمحنا بذلك، لكن كيف كان لنا أن نتوقع أن يحدث ذلك؟! عندما تعرف أنه عليك فعل شيء ما .. يكون الوقت قد فات”.
توابيت القتلى الذين وُجدوا حوالي الذكرى السابعة عشرة للمذبحة
الآن، تبدو مدينة سربرنيتسا في حالة أفضل، عدد من المساجد الصغيرة أُعيد بناؤه بدلاً من تلك التي دُمرت في الحرب، رممت ثقوب الرصاص التي كانت تملأ الجدران والمنازل، المسلمون الذين كانوا أغلبية قبل الحرب، أصبحوا أقلية بعد أن أصبحت المنطقة جزءًا من الإقليم الصربي التابع للبوسنة (جمهورية صربسكا).
قبل عشر سنوات، وفي 2004 أصدرت حكومة صربسكا نسختها عن الذي حدث، وأثبتت حجم المجازر ومسئولية الصرب عنها، وأصدر رئيس الإقليم اعتذارًا رسميًا لعائلات الضحايا، وهناك تقدم في قضية المصالحة في العديد من الأماكن، بينما تتعثر تلك المصالحة في أماكن أخرى.
لكن في 2010، ومع تغير الحكومة، صدر تقرير آخر اعتبر أن ما حدث في سربرنيتسا لم يكن إبادة جماعية، كما أنه نفى ما ورد في تقرير 2004 وادعى أن أعداد الضحايا مبالغ فيها بشدة.
البوشناق المسلمون يحفرون في الذكرى السابعة عشرة لدفن نعوش لضحايا اكتُشفوا حديثا
في مساء أحد الأيام في مونتنيجرو، جلس “نيناد”، يدير شركة خدمات أمنية خاصة تعمل في عدد من الدول بينها قبرص ولبنان، لكنه كان قبل عشرين عامًا أحد جنود النخبة في الجيش الصربي الذي نفذ المذبحة، كان فخورًا بانتمائه لجيش الصرب، وكان يحمل الباريه الأحمر (القبعة العسكرية) معه في سيارته، ويقول “إن هذا شيء أساسي من هويتي كرجل”.
يقول الرجل إن البوشناق المسلمين لن يقولوا “الحقيقة”، فالأعداد مبالغ بها، ورغم فخر الرجل بما فعل، إلا أنه رفض قول لقب عائلته، لأنه يخشى من أن يتم إحضاره للمثول أمام محكمة جرائم حرب البوسنة في لاهاي.
نيناد كان في التاسعة عشرة من عمره عندما بدأت الحرب، يقول إنه كان فخورًا بالمشاركة في القتال، “لقد كانت لعبة قط وفأر، في معظم الحالات كنا الصيادين وكان المسلمون هم الفريسة، كنا أكثر منهم عددًا وعتادًا، لقد أردناهم أن يستسلموا، لكنهم كيف كان يمكن لأحد أن يستسلم في حرب من هذا النوع؟ كنا نجوعهم حتى الموت، لقد علمنا لاحقًا أن ما يتم تهريبه إليهم ليس أسلحة لكن طعام، لقد كانوا يرسلون بعضهم ليسرقوا الماشية أو جمع محاصيل، وكان عملنا هو إيجاد هؤلاء وقتلهم”.
ويتابع نيناد، أحد القتلة الصرب “كنا نتبع سياسة (لا يوجد سجناء)، كنا نبقي على البعض منهم بعض الوقت إذا ظننا أنه ستكون هناك معلومات مفيدة سنحصل عليها، لكن في النهاية: لا سجناء”.
في الواقع، كان هناك استثناءات لهذه القاعدة، فالصرب “المدنيون” استاؤوا من هذه السياسة، لقد أرادوا الحصول على أحد البوشناق المسلمين على قيد الحياة كي يتسلوا به، يقول نيناد “كانوا يريدون الانتقام من البوسنويين، وكنا نحافظ على شخص ما على قيد الحياة لنعطيه لهم، فقط لإشباعهم أو جعلهم سعداء”.
وبحلول وقت المذبحة في يوليو 1995، يدعي نيناد أنه لم يكن في أرض المعركة لكنه كان في أحد مقرات القيادة، كما يدعي أن هذا الموقع لم يسمح له بالقتل مثل رفاقه، لكنه وضعه بالقرب من دائرة اتخاذ قرار المذبحة.
“خلال يومين (أي بحلول 13 يوليو 1995)، كان لدينا مشكلة كبيرة في أيدينا، كان لدينا أكثر من 7000 سجين، لا يمكنك أن تحتفظ بهذا العدد من السجناء، لقد كانوا يستطيعون أن يشنوا علينا حربًا بهذا العدد، لذلك جاءت الأوامر السياسية بقتل جميع من في أيدينا ويبلغ من العمر 15 عامًا فما فوق”.
“الجانب السياسي يعني أنه من رئيس صربسكا، رادوفان كارادزيتش، مع الحكومة الصربية التي يقودها سلوبودان ميلوسيفيتش، مجرم الحرب الشهير الذي كان ينسق كل شيء مع صرب البوسنة.
في ليلة 13 يوليو، زار نيناد بلدة صغيرة في كرافيتشا،حيث قتل زملاؤه قبل ساعات فقط أكثر من ألف أسير في أحد المخازن الزراعية، يقول نيناد “لقد استخدموا القنابل اليدوية في قتل المسلمين، كانت هناك دماء وأشلاء في كل مكان، وكانت عندنا أزمة أن نتخلص من هذه الجثث، لكنها لم تكن مشكلتنا، كانت مشكلة المهندسين في الجيش”.
صلاة في الذكرى الثامنة عشرة للمذبحة، يوليو 2013
بعد أن تحدث نيناد، الغريب أنه لم يظهر ندمًا على المذابح التي ارتكبها ورفاقه وقت الحرب، لقد كان يصف القتل كما لو كان يتحدث عن أمر عادي وبسيط، يقول إنه لم يتحدث عن أي من هذا من قبل، لكنه الآن يتحدث لأنه يشعر أنه لم يحصل على شيء من هذه الحرب، لقد حصل السياسيون والجنرالات على الملايين من هذه الحرب، لكن الجنود، ونيناد شخصيًا كان على حافة الموت جوعًا في أوقات كثيرة.
عمر ماسوفيتش، قابلته مرة أخرى لاحقًا، هذه المرة في فندق في سراييفو، كان لديه أخبار جديدة، فقد عقدت اجتماعات مع عدد من الصرب في 2013 وهذا ما قاده إلى مقبرة جماعية جديدة في توماسيتشا.
“لقد وجدنا حوالي 30 في ذلك المكان، لكن الصرب أخبرونا أن نعود ونبحث مرة أخرى، لاحقًا استخرجنا مئات الجثث، لقد كانت المقبرة عميقة جدًا، أكثر من 25 قدمًا في الأرض، كانت المناظر تشير إلى أن الضحايا تحللوا بشكل طفيف مقارنة بالبقية إذ أن الأرض طينية في هذا المكان، لقد شكلت الجثث لوحة كابوسية”.
من المقبرة الجماعية في توماسيتشا، الصورة في 2014
جثة من مقبرة توماسيتشا
كان ماسوفيتش في المرة الأخيرة متشائمًا بشكل كبير، فسلسلة من مجرمي الحرب من الصرب قد تم إطلاقهم بسبب شكليات قانونية، فيما خُفضت عقوبات الآخرين، حتى الآن ما زالت هناك محاكمات لرادوفان كاراديتش وراتكو ملاديتش، ولا يُتوقع أن يكون هناك أي حكم بحقهما قبل 2015 على أقل تقدير، بالمقارنة مع ذلك، فإن محاكم نورمبرج للمجرم النازي قد استمرت لـ11 شهرا فقط.
مقابر بوتوتشاري ونصب المذبحة في الذكرى السابعة عشرة
الكاتب: سكوت آنديرسون
المصور: باولو باليجرين
المصدر: نيويورك تايمز