مواطن أمريكي من ولاية فيرجينيا قرر أن يلبي رغبة ابنته بأن تصبح أميرة، عبر استعادة أمجاد المستعمرين والسفر إلى أفريقيا وتنصيب نفسه ملكا على أرض بين مصر والسودان، وبذلك تصبح ابنته أميرة بالتبعية. هذه ليست مزحة بل خبر نقلته معظم وكالات الأنباء، بإمكانك أن تجري بحثا بسيطا على “غوغل” كي تكتشف أن واشنطن بوست، وسي إن إن، وبي بي سي، وبيزنس إنسايدر، ومجلة تايم ذكروا قصة الرجل من بين المئات من المواقع الكبرى الأخرى.
يقول الرجل “جلست وعائلتي وبعد أن راجعنا الخريطة أدركت أن لدينا الحق في ادعاء ملكية الأرض هناك!”
الأرض التي يدعي الرجل سيطرته عليها تُدعى “بير طويل” وتبلغ مساحتها أكثر من 2000 كم مربع، وهي مساحة أكبر من مساحة دول مثل موريشيوس، وجزر القمر، وهونغ كونغ، والبحرين، وسنغافورة، ومالطة، وجزر المالديف والعديد من الدول الأخرى.
المنطقة عبارة عن أرض جبلية ظلت غير محكومة بواسطة الحكومات المتعاقبة في السودان ومصر منذ انفصال السودان عن مصر بعيد إعلان الجمهورية في الأخيرة. ولم تدع أي من الدولتين ملكيتها لتلك الأرض، نظرا لانعدام الموارد فيها ولقلة أهميتها الاستراتيحية، في حين تتنازع الخرطوم والقاهرة على منطقة حلايب وشلاتين القريبة من بير طويل.
الرجل الذي يُدعى جيريمي هيتون كان قد ترشح في انتخابات الكونغرس عن الدائرة التاسعة في ولاية فيرجينيا الأمريكية عام 2010، يقول أنه يسعى لجعل هذه المنطقة غير المرغوبة منطقة تمثل أحلام العلماء والسياسيين. وطبقا لبعض المصادر، يستطيع الرجل فعل ذلك ما لم تسحقه مصر أو السودان أو الأمم المتحدة بعد تحقيقه عددا من الشروط المحددة في القانون الدولي:
– يجب أن يضمن وجود شعب دائم يسكن المنطقة
– يجب أن يرسم حدود المنطقة
– يجب أن يعلن حكومة
– يجب أن تكون لديه القدرة على الدخول في المعاهدات الدولية أو في علاقات مع الدول الأخرى.
وهذا كله لا يعني شيئا لو لم يستطع الحصول على اعتراف الدول المجاورة، أي مصر والسودان في هذه الحالة. حتى هذه اللحظة، لا يمتلك هيتون سوى نقطة واحدة، وهي حدود واضحة للمنطقة التي يريد أن يحكمها.
وقد تواصل هيتون بالفعل مع وزارات الخارجية حكومات مصر والسودان، إلا أن الوزارتين لم يقوما بالرد عليه، وهو ما عزاه الرجل إلى انشغالهم بشهر رمضان، وأنه سيعاود الكرة بعد انتهاء الشهر.
يقول هيتون إنه سيحول الصحراء لأرض خضراء، وأنه يستطيع أن يفعل ذلك بزراعة محاصيل معينة يمكنها أن تنمو في ظروف شديدة القسوة مثل الظروف التي تعيشها شمال السودان وجنوب مصر.
وتواصل هيتون أيضا مع عدد من العلماء ويقول أنه بصدد إحضارهم إلى المنطقة حيث سيساعدونه في اختيار التكنولوجيا المناسبة لزراعة الصحراء واستغلال كل الموارد المتاحة للقيام بما تحتاجه تلك “الدولة”.
ويسعى هيتون لتمويل مشروعه بالتبرعات، التي ربما ستكون أكبر تبرعات لمشروع من هذا القبيل في التاريخ، فلدى الرجل رؤية لاستغلال 800 ميل مربع من الأرض الصحراوية، وهو يعتقد أن العديد من الناس حول العالم سيستثمرون في مشروعه.
إنه مشروع عائلي إذن، محمل بنكهة استعمارية قديمة.
ورغم غياب الردود من سفارات القاهرة والخرطوم في واشنطن أو في وزارات الخارجية، إلا أن هيتون كتب يقول على صفحته قبل عدة أيام
“اليوم، وبمساعدة كاملة من الحكومة المصرية، سافرت لمدة 14 ساعة مخترقا الصحراء المفتوحة إلى أن وصلت إلى بير طويل. وهناك زرعت علما صممه أطفالي وأعلنت ملكيتي لهذه الأرض. وبناء على ذلك، فإني أعلن أن هذه المنطقة منذ يوم 16 يونيو من عام 2014 ستسمى مملكة شمال السودان. المملكة ستكون ملكية ذات سيادة، وسأكون أنا رأس الدولة، وإميلي ابنتي ستكون أميرة حقيقية. ولذلك أطالبكم عندما ترون إميلي أن تخاطبوها بالاسم الرسمي: الأميرة إميلي”
وطبقا لعدد من المواقع، فإن الأمر رغم كونه يبدو عبثيا، إلا أن لديه سندا قانونيا من التاريخ الاستعماري أكثر مما يجب، فالممالك الاستعمارية القديمة كانت تستعمل حججا مماثلة للاستيلاء على الأراضي. كما أن هذه المنطقة تحديدا تُركت بدون ترسيم واضح لحدودها (تم ترسيم الحدود مرتين، واحدة في 1899 وضمت حلايب لمصر، وأخرى في 1902 وضمتها للسودان) بسبب الاستعمار البريطاني. وكان يبدو من الاتفاقات في القرن الماضي أن من يحصل على بير طويل من الدولتين لن يحصل على حلايب، وهو مثلث من الأرض مليء بالموارد والمعادن.
وفي القانون الدولي الحالي، هناك ما يعرف باسم تيرا نوليو Terra Nullius، وهو لفظ يُطلق على المناطق غير المسيطر عليها من قبل أي دولة، والقانون الذي تعترف به محكمة العدل الدولية ويقضي بأن من حق الدول أن تقول بحها في تيرا نوليو إذا أرادت ذلك.
ورغم سخافة الفكرة، إلا أن القانون الذي يقضي بأحقية الدول في امتلاك مساحات غير مأهولة من الأرض، هو قانون غير مكتوب لكنه راسخ في العلاقات الدولية منذ القرن السادس عشر. الدول الاستعمارية في القرون السابقة كانت تستعمل مبدأ تيرا نوليو للسيطرة على المستعمرات، وهذا ما يعني بشكل أو بآخر عدم اعترافها بإنسانية قاطني تلك المناطق، لأن ذلك يعني أن المناطق غير مأهولة، وحتى لو أنها مأهولة فإن سكانها غير مؤهلين لحكمها.
وفي التاريخ الحديث هناك العديد من النزاعات التي نشبت بسبب ذلك المبدأ، مثل النزاع بين الصين واليابان على جزر سيكاكو وديايو، وهناك نزاعات مشابهة بين نيكاراغوا وهندوراس، وبين إندونيسيا وماليزيا، حول ما إذا كانت تلك الجزر المتنازع عليها تقع تحت تصنيف تيرا نوليو أو لا. وحدث الأمر نفسه بين النرويج والدنمارك على جرينلاند، وقد استخدمت المملكة المغربية القانون ذاته للتأكيد على أحقيتها في “الصحراء الغربية”.
هذا كله يمكن أن يقدم دعما قانونيا لهيتون إذا أراد أن يستمر في محاولته تلك ما دامت السودان ومصر لم تدعيان ملكيتها حتى الآن. لكن لأن هيتون لا يعيش هناك، ولأنه يريد إعلانها مملكة، فإنه لا أحد سيوافق على الاعتراف بتلك الدولة الوليدة.
لكن بغض النظر عن واقعية الأمر، الغريب في محاولة هيتون أنها -طبقا للقانون الدولي- محاولة قانونية بنسبة كبيرة للغاية!