في زمن يتحوّل فيه الربيع إلى خريف لا بدّ أن هناك من سيدفع فاتورة هذا التحوّل، مثلما دفعت الشعوب ثمن إسقاط حكامها هناك من سيدفع ثمن الأيادي المرتعشة والثورات المنتكسة.
فبعد أن أصبحت سوريا تعيش على وقع حرب أهلية بين أنصار نظام الأسد ومعارضيه. وبعد تمدد الإرهاب في اليمن إثر سقوط الرئيس علي عبد الله صالح وبقاء نظامه، حيث أنّ القاعدة تسعى إلى إيجاد موطن قدم في مقابل مزيد توسع الحوثيين المسلحين. ومع تنامي الصراع المسلح في ليبيا ما بعد القذافي خاصة أمام عجز المجلس الوطني في إدارة شؤون البلاد. وبعد انقسام الشارع المصري بين مساندين لحكم جماعة الإخوان المسلمين وآخرين مؤيدين للوزير الدفاع السابق الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي قام بتنحية الرئيس الإخواني محمد مرسي عن السلطة وتوليها بدلا عنه على إثر انتخابات لم تبلغ المؤمول في عدد الناخبين. وضع مصري لا يزال إلى اليوم متلبسا خاصة مع استمرار تعطل عجلة الاقتصاد وتتالي الأزمات، أمام اصرار مناصري الإخوان على التظاهر ورفض حكم السيسي. وأمام تعثر المسار التونسي من خلال اغتيالين سياسيين واستهداف قوات الأمن والجيش من قبل المتطرفين في بادرة لم تشهددها تونس ما قبل 14 جانفي 20014 زمن سقوط الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
ولا يمكن لمواطن عربي أن يغفل على وضع العراق الذي يتخبط في الانقسامات المذهبية والطائفية منذ سنة 2003 عقب اجتياح الولايات المتحدة للبلاد وإسقاط نظام صدام حسين على خلفية اتهامه بحيازة أسلحة دمار شامل. سقط النظام ودمّر العراق وبعد ما يزيد عن العشر سنوات ظهر بالبلاد تنظيم يطلق على نفسه تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام “داعش” كنتيجة حتمية لسنوات من تطرف حكومة نوري المالكي ذات التوجه الشيعي وإيغالها في اضطهاد السنة.
داعش تنظيم متشدد ذو توجه ديني سني سلفي يقوم على معاداة الشيعة ويعلن عدم العداوة مع إسرائيل. إعلان فسح المجال أمام إسرائيل لتشن حربا مفتوحة على غزة بدعوى حماية نفسها من صواريخ حماس الفرع الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين. تشن إسرائيل هجوما على غزة في زمن غياب موقف عربي موحد. قد لا يكون الموقف العربي رادع ولكنه سيكون حاسما خاصة مع تنامي مقاطعة الدول الأوروبية لإسرائيل بعد توزيع المفوضية الأوروبية في جوان 2013 تعليمات إلى جميع دول الاتحاد الأوروبي دخلت حيز التنفيذ منذ جوان 2014 تنص على منع دول الاتحاد من تقديم الهبات أو الجوائز أو القروض للمستوطنات في المناطق المحتلة، أو للمستوطنات الإسرائيلية داخل الخط الأخضر لها علاقة بالمستوطانات.
موقف عربي موحد قد يكون حاسما، فسابقا كان دعم سوريا لأهل القطاع ولحركة حماس يضج مراقد الصهاينة، وقد سبق بشار في دعم المقاومة الفلسطنية الرئيس العراقي صدام حسين الذي أعدم في يوم عيد الإضحى. خلف بشار وصدام في دعم قضية فلسطين حكومات مصر وتونس التي وصلت السلطة بعد ما سمي بثورات الربيع العربي.
دعم جاء من وفود وزارية يقودها رئيس الحكومة المصري زمن حكم محمد مرسي الدكتور أحمد قنديل ووزير الخاريجية التونسي صهر رئيس حركة النهضة الإسلامية رفيق عبد السلام، وفد تونسي ومصري يتجولان بأرض غزة تحت قصف الطائرات الإسرائيلية، هي بادرة في الصراع العربي الصهيوني، بادرة تؤكد بأن واقع الصراع تغيير وان لغزة ظهر تستند إليه. كل هؤلاء الذين خرج عن إرادة إسرائيل ودعموا حماس وغزة وجدوا أنفسهم ب؛ال أو بآخر خارج السلطة، ما عدى بشار الأسد الساعي للبقاء فيها.
ومع سقوط حكم مرسي ومغادرة النهضة للسلطة تجد غزة نفسها تواجه إسرائيل منفردة خاصة مع قيام النظام الجديد في مصر القائم على معادات أي فكر إخواني. ظروف متظافرة ضدّ حركة حماس دفعتها إلى الاعتماد على قدراتها الذاتية مما خوّل لها تطوير قدراتها الصاروخية بحيث أصبحت قادرة على بلوغ حيفا وتل أبيب. صواريخ الـ “أم 75” استطاعت أن تصل إل تل أبيب ومطار بن غوريون. بل أكثر من ذلك تنامت قوة حماس الصاروخية لتصل إلى حد إطلاق معدل 200 صاروخ في اليوم مجاوزة بذلك قدرة حزب الله التي بلغت معدل 130 صاروخ في اليوم خلال حرب تموز 2006.
صواريخ القسام وصواريخ “أم 75″و صواريخ “آر 160” وصواريخ “جي 80” إلى جانب صواريخ “غراد” وصواريخ “فجر “5 الإيرانية، صواريخ متنوعة لم تتوقف عندها القدرات الدفاعية لحركة حماس، حيث قامت فرقة الأذرع البحرية للحركة بالتسلل واقتحام قاعدة “زكيم” العسكرية جنوب تل أبيب قبالة سواحل عسقلان. وذكرت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس أنها فجرت نفقا تحت معبر كرم أبو سالم جنوب شرقي رفح جنوب القطاع وهو المعبر التجاري الوحيد بين القطاع وأراضي 48.
وتجدر الإشارة أن حماس قامت باختطاف 3 مستوطنين يهود تسعى إسرائيل إلى تحريرهم. في المقابل قام مستوطنين يهود باختطاف طفل فلسطيني وإحراقه ما أدى إلى تنامي الغضب الشعبي وتفجير موجة من الاحتجاجات الشعبية في الضفة والقطاع على حدّ سواء.
يبدو أن هذه المواجهة تختلف عن سابقاتها إذ أن حماس تدرك ضرورة اعتمادها على طاقاتها خاصة في ظل دعم دولي لإسرائيل يؤكد مرارا حقها في الدفاع عن النفس، وصمت عربي في ظل غياب موقف موحد، وتراجع الدور الإقليمي لمصر التي فقدت تأثيرها على القطاع وعلى القضية الفلسطنية برمتها، خاصة مع رفض حماس لوساطة مصر وتأكيدها على ثقتها في تركيا أو قطر للعب دور الوسيط. قرار حمساوي جعل مصر تخسر مكانها كلاعب أساسي في التطورات الإقليمية وكرقم صعب في الصراع والسلام العربي الإسرائيلي. خاصة بعد رفض حماس للمبادرة التي تقدمت بها مصر معتبرة على لسان المتحدث باسمها سامي أبو زهري أن المبادرة تهدف إلى إنهاء المقاومة ونزع سلاحها. مبادرة رفضتها أيضا حركة الجهادي الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين معتبرين أنها تأتي خارج سياق وقف العدوان. مبادرة تنص على الوقف الفوري لإطلاق النار من الجانبين وفتح جميع المعابر والانطلاق في المفاوضات برعاية مصرية.
أمام القدرة الدفاعية المتنامية لحماس كثفت إسرائيل غاراتها على القطاع ما أدى إلى سقوط 191 شهيدا و 1400 جريحا، وتشير بعض التقارير إلى استعمال إسرائيل لأسلحة محرمة دوليا مما تسبب في وجود إصابات تعجز الطواقم الطبية على معالجتها. هذا وأوضحت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية إلى أن 80 بالمائة من الضحايا في غزة هم مدنيون مشيرة إلى أن هذا الإحصاء صادر عم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
حرب مفتوحة بكل المقاييس وقودها مدنيين فلسطنيين يسعى إلى استغلالها العديدين، بين ما يريد استرجاع الدور الإقليمي لبلاده (السيسي) وبين من يريد فرض نصر مزعوم على الأرض (نتانياهو) وبين من يريد أن يؤكد للعالم بأنه رقم صعب في المعادلة على الأرض (حماس) من خلال امتدادها الشعبي ودعم أهالي القطاع ثم من خلال تهديدها للإسرائيل برغم قدراتها العسكرية الهائلة، وأسلحتها المتطورة بل وربما أحيانا تحقيق انتصارات ولو جزئية عليها.