الصورة: أربعة أطفال فلسطينيين على شاطئ غزة يحاولون الفرار من طائرة للاحتلال قبل أن تطلق عليهم صاروخًا وترديهم جميعًا
ترجمة وتحرير نون بوست
ظُهر أمس، وصلت الأخبار أن طائرة تحطمت في أوكرانيا، وفي المساء تسمع الأخبار عن غزو دولة الاحتلال الإسرائيلي لغزة، ربما بالنسبة للكثيرين، تحطم طائرة يبدو تجربة أقرب للتصور من غزو عسكري، فجميعنا تساءلنا كيف ستبدو اللحظات الأخيرة التي نعيشها ونحن نوقن أننا سنموت بعد قليل، وكذلك التعاطف، فالأقرب للتصور هو الأجدر بالتعاطف عند الكثيرين.
نحن لا نعرف بشكل مؤكد ما الذي حدث للطائرة أو عن تفاصيل الاجتياح الإسرائيلي لغزة، لكن مهمة مراكز البحث هي أن تجد منطقًا فيما يبدو ألا منطق له، ولذلك فهناك نقطتين تجدر الإشارة لهما في هذا الإطار، أولاً: بغض النظر عن المأساة في الحالتين، حادث تحطم الطائرة له علاقة بالنضال الأوكراني للتخلص من الهيمنة الروسية، وبحق روسيا في أن تكون آمنة من حدودها الغربية، وحق الأوكرانيين في تقرير مصيرهم، وحق الغرب في إقحام أنفسهم في هذه المسألة، أما غزة، فتتعلق بحق اليهود في أن يكون لهم دولة في مكان ما، وحق الفلسطينيين في دولة، وحق الدول الغربية في إقحام أنفسهم في المسألة.
اليوم مثلاً، انتقدت صحيفة إندبندنت البريطانية تحليق طائرة ركاب فوق منطقة صراع في أوكرانيا، وقالت إن خسارة الطائرة إم إتش17 بركابها البالغ عددهم 295 يوضح أن الثقة المفترضة في حصانة طائرات الركاب بمناطق النزاع كانت في غير محلها بطريقة تبعث على الأسى.
من جانبها، علقت افتتاحية صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” على إسقاط طائرة الركاب الماليزية فوق أوكرانيا التي يسيطر عليها المتمردون الروس بأنه قد يبدو عامل تغيير للصراع الذي أثار التوترات الغربية الروسية في الأشهر الأخيرة، لكنها أردفت أن هذه المأساة المرعبة وغير المقبولة قد لا تثبت أنها لحظة فاصلة.
وعلقت افتتاحية صحيفة “نيويورك تايمز” على إسقاط الطائرة بأنها دعوة لإنهاء الصراع في أوكرانيا، وترى الصحيفة أن باستطاعة رجل واحد فقط وقف هذا الصراع الذي أصبح خطيرًا جدًا وطال أمده، ألا وهو الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” وذلك بحض الانفصاليين المدعومين من قبل روسيا في شرق أوكرانيا على إنهاء تمردهم ووقف تدفق المال والأسلحة الثقيلة لهذه الجماعات.
ونشرت صحيفة واشنطن بوست أن جهاز المخابرات الأوكرانية زعم أمس أنه اعترض تسجيلاً لبعض الانفصاليين وضابط استخبارات روسي وهم يتحاورون بشأن الطائرة الماليزية التي أسقطت، وألمحت الصحيفة إلى أن أحد الأصوات في التسجيل -ويدعى صاحبه إيغور بزلر والذي حددت هويته وكالة المخابرات الأوكرانية بأنه أحد قادة الحركة الانفصالية المدعومة من روسيا في شرق أوكرانيا – قال: “إما أننا قد أسقطنا طائرة للتو أو أنهم قد أسقطوا طائرة للتو”.
بالنسبة للروس، الأمر يتعلق بالحقوق الوطنية، شهد الروس هجمات عديدة من الغرب، وكان من بين تلك الهجمات بعض من أوكرانيا، ورغم أنها أرض حرة، إلا أن موسكو لا تراها إلا أرض حدودية يجب أن تسيطر عليها، إنها منطقة عازلة بين الغرب وروسيا، ورغم أنه لا تهديد مباشر لروسيا، إلا أنهم يعلمون كيف تتغير النوايا والقدرات بسرعة، ويتساءلون عن السبب الذي يجعل الأمريكيين وغيرهم مهتمين للغاية بوجود حكومة موالية للغرب في كييف.
بالنسبة للأوكرانيين، هذه المعركة هي فرصتهم لرسم مسارهم الخاص بعيدًا عن روسيا، وبالنسبة لهم، حاجة روسيا إلى منطقة عازلة من بلدهم هي كلمة أخرى للاستعمار، الأوكرانيون الشرقيون، المقربون من روسيا، بالنسبة للغربيين هم بلطجية يحاولون تدمير البلاد، وبالنسبة للشرقيين فإنه من النفاق أن يحترم العالم رغبة الأوكرانيين الغربيين في تقرير مصيرهم، وألا يستمع للأوكرانيين الشرقيين الذين يريدون الانضمام لروسيا.
الإشكالية الأساسية إذن هي الحق في تقرير المصير، لا تملك روسيا حق تقرير مصير الأوكرانيين، كما أن الغرب ليس له الحق في تقرير مصير الأوكرانيين كذلك.
ونتيجة لهذه الإشكالية، يطلق متمردون النار على الطائرة الماليزية ليسقطوها ويُقتل نحو 300 شخص، إنه من الصعب فعلاً أن نرسم خطًا يصل بين الحقوق الوطنية في تقرير المصير وبين الحطام والأرواح التي تُزهق بدم بارد، لكن هناك اتصال بالفعل، الطائرة التي تحطمت لم تكن لتتحطم لو لم يكن سؤال تقرير المصير مهمًا عند الكثير من الناس.
هذه الإشكالية أيضًا هي ما تجعل الإسرائيليين يطلقون قذيفة مورتر على أربعة أطفال على شاطئ غزة، اليهود يدعون أن لهم وطنًا في فلسطين، إنهم محتلون، لكن جميع دول العالم بدأت كذلك، كل أمة وُلدت ببعض الظلم الذي لحق بالـ “آخرين”.
إن ما يربط الأوكرانيين والفلسطينيين والروس والإسرائيليين معًا هو أنهم جميعًا يقاتلون من أجل حياتهم ومن أجل مصالحهم التي لن يمكنهم العيش من دونها، إنهم يقاتلون من أجل أمة ما، ومن أجل حق تقرير مصيرهم، لا يوجد تكافؤ أخلاقي بالطبع، لكن المعركة تظل واحدة.
وهكذا، تحطمت طائرة حملت 23 أمريكيًا، سيتضامن الأمريكيون أكثر مع ضحاياهم، وسيتضامن الروس أكثر مع ضحاياهم، وكذلك سيفعل الفلسطينيون والأوكرانيون والإسرائيليون، الجميع سيحزن على مصالحه وعلى بلده أكثر، هذا هو ما تفعله السياسة، وهذا تحديدًا هو أثر الجغرافيا السياسية.
المصدر: ستراتفور + وكالات