عمرو خالد الذي قطع آلاف الخطوات للتعايش مع نظام حسني مبارك ولتجنب الصدام معه، لم يقطع خطوة واحدة للتعايش مع من اختارهم الشعب ليحكموا مصر.. وإن افترضنا أن وعيه السياسي جعله يظهر دوما في الصف المقابل للصف الذي يقف فيه الإسلاميون، فكيف لنا أن نفسر وقوفه الآن في صف القاتل؟ وكيف لنا أن نفسر حماسة عمرو خالد في فيديو الشؤون المعنوية للجيش وهو يشجع الجنود ويحرضهم ويشد عليهم قبل ساعات من ارتكاب مجزرتي رابعة والنهضة؟
https://www.youtube.com/watch?v=DI8GmNRqURg
تفسير منطقي واحد، هو أن إدارة الشؤون المعنوية وعدت عمرو خالد بأن كلماته ستصل فقط للجنود المشاركين في فض الاعتصامات ولن تصل أبدا إلى عامة الناس، وكان عمرو خالد مطمإنا طيلة الأيام التي تلت المجازر الدموية التي قتل فيها مئات الأبرياء لأنه متأكد بأن ربه الذي يعبد -أي الجمهور- لن يكتشفوا جريمته، لن يكتشفوا أنه شريك في قتل أسماء وغيرها من خيرة شباب مصر.
عمرو خالد لم يكتفي بتشجيع الجنود وتحريضهم على القتل بل هدّدهم صراحة أنهم إن لم يطيعوا أوامر فض الاعتصام فإن ربهم وربه – أي السيسي- سيذهبهم ويستبدل غيرهم.
ورغم فداحة الجرم فإنه لا يمكن لأحد اليوم أن ينكر أن عمرو خالد وغيره من الدعاة والوعاظ كان لهم دور كبير في بعث الفكر النهضوي في الأمة وأنهم نجحوا في اختراق دنيا الميوعة والتدجين الفكري بخطاب واعٍ محمل بقيم نبيلة وأهداف سامية جعلت آلاف وملايين الشباب يخرجون من منطق العيش إلى فكرة النهضة و طموحات صناعة الحضارة.
ولكن أهذه هي الحضارة التي نريد؟
أنريد حضارة تقودها بيادة العسكر؟
أنريد نهضة على دبابة وتعايشا مع القتلة ومحبة بالغدر؟
أليست دعوة عمرو خالد لمعارضي الانقلاب للتعايش وتحريضه للجنود على القتل ترجمة عملية للمقولة التاريخية للعسكر: “ارفع رأسك يا أخي.. لأقطعه”؟
وهنا يجب أن لا نغفل عن تاريخ الرجل المتأصل في التعايش مع القتلة والظلمة والفاسدين، فعمرو خالد كان شاهد زور في انتخابات 2010 التي شهد العالم بأسره على زورها وقاد الحملة الانتخابية لأبرز مرشحي حسني مبارك في الاسكندرية في الوقت الذي كان فيه حلفاء حسني مبارك الفسدة يديرون أظهرهم له بسبب نظامه فاحش الفاسد الذي حول مصر إلى “عزبة” يحكمها عرّابو مبارك.
ورغم فداحة المصاب من ضربة في الظهر ممن كنا نعيب عليه الحياد فاكتشفنا أنه يكن لنا العداء ويعمل في الخفاء بكل جدية وحماسة للفتك بنا، فيجب أن ننتبه إلى نقطة محورية وتغير جوهري، فالفيديو وصلنا ولم يكن له أن يصلنا إلا في حالتين، إما أن العسكر سربوه عمدا أو أنه تسرب في غفلة من العسكر، وفي الحالتين هذا دليل على انغلاق السبل أما العسكر وعجزهم أمام تصاعد الرفض الشعبي للانقلاب.
فإن كان العسكر هم من سربوا الفيديو عمدا فذلك يعني أنهم شعروا بالعزلة ويريدون ايهام رافضيهم بأنهم ليسوا بمفردهم وبأن هناك آخرين يقفون في صفهم، وإن كان الفيديو تسرب في غفلة من العسكر فذلك دليل على أن هناك قوة داخل الجيش ترفض توجهات السيسي وتريد فضحه وفضح الأساليب التي يعتمد عليها لإرضاخ الجيش المصري لأوامره.