يقول معظم المحللين الغربيين إن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هي حركة أصولية، غير ديمقراطية، وحشية، لا تعترف بإسرائيل، تطلق النيران على المدنيين، وتخفي أسلحتها في المستشفيات والمدارس، وأنها لا تعمل من أجل حماية المدنيين في غزة، وبغض النظر عن كذب تلك الادعاءات أو خروجها أساسًا من فم العدو، إلا أن هناك محاولات جادة للاستماع إلى ما تقوله المقاومة الفلسطينية.
نشرت صحيفة هآرتز الإسرائيلية وموقع سي إن إن الأمريكي مقالات تناقش مطالب حركة حماس وتوقعات دولة الاحتلال الإسرائيلي، فيما وصف كاتب إسرائيلي تلك المطالب بالعادلة.
وفي مقال هآرتز المنشور يقول “جدعون ليفي”: إن إسرائيل تقول إنها لا تريد أن تسقط حماس، وهذه حقيقة إلى حد ما، لأن إسقاط حماس يعني “إحضار الصومال” على بوابات إسرائيل، ستكون منطقة مفككة شديدة الانهيار مليئة بالمسلحين الغاضبين ضد إسرائيل، وإذا كانت إسرائيل تستطيع أن تتفاوض اليوم مع حماس، فإنها إذا سقطت حماس لن تستطيع أن تفاوض أي أحد.
المقاومة نشرت عشر مطالب خلال الأسبوع الماضي بتوقيع حماس والجهاد الإسلامي، حركتا المقاومة الأكبر في فلسطين المحتلة تريدان هدنة مدتها عشر سنوات، وحرية لقطاع غزة، وهذه مطالب لا يمكن الحديث عنها بشكل سلبي! فحرية الحركة أمر بديهي، والهدنة أمر يستفيد منه كلا الطرفين.
يقول ليفي في هآرتز: إن عملية عسكرية برية وجوية وبحرية لن تنهي المأساة التي تشكلها غزة لإسرايل، لكن تغيرًا جذريًا في المواقف كالذي تطالب به حماس هو ما سيؤدي إلى تيسير التفاوض وإنهاء الحرب.
مطالب حماس هي مطالب شديدة الوضوح وشديدة البديهية وشديدة العدالة، حماس تريد للمزارعين أن يزرعوا أراضيهم حتى السور الفاصل، تريد أن يطلق سراح المعتقلين ممن اعتُقلوا بعد أن أُفرج عنهم في صفقة التبادل الأخيرة مقابل جلعاد شاليط، تريد حماس أيضًا أن تفتح المعابر مع العالم، وأن يُفتتح مطار وميناء بإشراف الأمم المتحدة، توسعة حيز الصيد رقابة دولية على معبر رفح، هدنة مدتها عشر سنوات وإغلاق مجال غزة الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية، السماح لسكان غزة بزيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى، وتعهد إسرائيلي بعدم التدخل في السياسة الداخلية الفلسطينية مثل تشكيل حكومة وحدة وطنية أو فتح منطقة صناعية حرة في غزة.
جميع تلك المطالب هي مطالب مدنية، تستخدم حماس وسائل حربية لتحقيقها، وهذا هو السبيل الوحيد في الحالة الفلسطينية، فإسرائيل، رغم محاولة “محمود عباس” فعل كل شيء من أجل السلام، إلا أن إسرائيل فعلت كل شيء للقضاء عليه، انظر إلى مصيره الآن، في الحقيقة، لا شيء يجدي غير القوة.
الإسرائيليون أنفسهم يعتقدون أن حماس لديها الحق في بدء الحرب، لكن إسرائيل هي من بدأتها، إيقاف المفاوضات مع الفلسطينيين بسبب حكومة الوحدة الوطنية، الحرب على حماس في الخليل وفي كل الضفة الغربية بعد مقتل الإسرائيليين الثلاثة في يونيو، الاعتقالات التي طالت أكثر من 500 من أعضاء حماس ونشطائها، وقف دفع الرواتب في غزة لموظفي السلطة، كل ذلك لا يختلف كثيرًا عن حرب فعلية بالنسبة لحماس.
يقول جدعون ليفي: إن المفاضلة الآن بالنسبة للإسرائيليين هي الرضوخ لحماس وتحقيق مصلحة الطرفين في هدنة طويلة، وميناء تُصدر منه غزة “الفراولة” الرائعة التي تشتهر بها، أو أن تُصدر غزة الدماء التي اشتهرت بها كذلك.
ورغم الاتفاق بين التقارير الغربية على ما تريده حماس، مع إضافة أهداف أخرى تتعلق برغبتها الحصول على دعم شعبي هائل في غزة وفي فلسطين اعتمادًا على كونها الطرف الأقوى في المعادلة الفلسطينية الآن، والقادر على التأثير بالفعل، إلا أن الخبراء يتفقون أن إسرائيل ليس لديها أي طموح محدد وطويل الأمد من هذه الحرب.
ربما يريد الإسرائيليون القضاء على الأنفاق بين غزة وبقية فلسطين المحتلة، هم بالفعل يريدون ذلك، لكن ما يحدث الآن سيجعل حماس تخرج من المعركة أقوى مما سبق، هذا ما يقوله الخبراء ومن بينهم إسرائيليون.
هناك حديث دائر أيضًا في بعض الدوائر البحثية من أنه إذا ازداد عدد القتلى الإسرائيليين كثيرًا، فإن ذلك سيؤثر بشكل جذري في موقف الحكومة، فمعظم الإسرائيليين حتى الآن يدعمون الحرب علي غزة، لكن إذا ارتفعت الخسائر فإن ذلك قد يغير الكثير لدى الإسرائيليين.
وإذا أراد الإسرائيليون شيئًا من هذه الحرب، فهو سلام مؤقت، وهذا السلام المؤقت هو ما تريده المقاومة الفلسطينية أيضًا، لكن التعنت الإسرائيلي والرغبة في تحقيق انتصار هي التي تسيطر على الساسة في تل أبيب، الخبراء الإسرائيليون الذين سألتهم سي إن إن يقولون إن نصرًا إسرائيليًا لن يتحقق، ولو تحقق ففي أحسن الأحوال سيكون “نصرًا فارغًا” خاصة وأنه لا أحد من الخبراء العسكريين يعتقد أن استمرار العمليات بوتيرة عالية سيوقف قصف الصواريخ على غزة.