يتكشّف لنا، بعد موقف النظام المصري من العدوان الحالي على غزة، عددًا من الأسئلة يتوجب على المعنيين التعامل معها والاشتغال عليها؛ هل الغضب الكبير على صانعي القرار في مصر، يرجع إلى تغير ما في مقتضيات الاشتباك المعهودة أو المتوقعة من مصر تجاه الملف الفلسطيني، وهذا التغير – إن كان ثمة تغير – نوعي أم داخل اللون نفسه، ويتفرع على تغير أوسع داخل ما يسمّى بـ “محور الاعتدال” أم يخص القُطر المصري وحده؟ يسعى هذا المقال إلى تقدير الموقف في ضوء هذه الأسئلة، وذلك في أربع نقاط:
أولاً: على مدار التاريخ المصري المعاصر، حيكت مجموعة من المقولات التضليلية حول القضية الفلسطينية، بهدف التسويغ والتبرير لعدة مواقف أو إجراءات اتخذتها السلطات المصرية في فترات زمنية متفاوتة، مثل تمرير معاهدة 1978 أو دعم اتفاق أوسلو 1993 أو تأكيدًا على المسار التفاوضي أو دفعًا لأي اعتراض على الموقف الرسمي من العدوانات المتتالية على قطاع غزة…، وأُضيفت إلى هذه الضلالات، أثناء وبعد ثورة 25 يناير وبفعل القوى المناهضة للثورة، مقولتين هما: مشاركة حركة حماس في اقتحام السجون المصرية أيام الثورة؛ كون نفس الحركة ضليعة في عمليات قتل لجنود مصريين في سيناء بعد عزل الرئيس محمد مرسي، وبينما لم تصدُر إدانة واحدة من القضاء المصري تجاه أي حمساوي، في أي من الموضوعين أو في غيرهما، أخذَ الإعلام المصري على عاتقه – في اعتماد لأكثر تطرفات الأيديولوجيا والدوكسا – مهمة اجترار وحبك هذه المقولات، وذلك ضمن تكتيكات عدّة من أجل معاداة حكم مرسي والإسلام السياسي بوجه عام.
وقد أثّر اعتماد ورواج هاتين المقولتين، في الموقف الحالي، على الإعلام نفسه بشكل أساسي، فأكّد بكل سيكوباتية وتساقط أخلاقي على معادة “حماس الإخوانية” مستندًا إلى الضلالات إياها، كما طال اللعن والشتم الفلسطينيين أنفسهم.
ثانيًا: يأتي تمسّك السلطة المصرية، غير القابل للنقاش، بمبادرتها للتهدئة تحت تأثير العوامل التقليدية المعروفة التي من أبرزها صنمية التفاوض والتسفيه من المقاومة وسلاحها، زائد عاملين جديدين أو مصاغين على نحو جديد هما: الموقف الإماراتي – السعودي من قطر (التي تطرح مع تركيا مبادرة مغايرة)؛ نفوذ البروباغندا الإعلامية، وهو النفوذ الذي أخذ مداه بعد أن استشعر الإعلام قدرته على التأثير كما تجلّت في تحركات 30 يونيو، فهذه الأخيرة، رغم تأكيدنا على وجود عوامل أخرى ليست أقل أهمية أسهمت في اندلاعها، اعتمدت البروباغندا بشكل أساسي.
ثالثًا: بشكل عملي، يُعدّ موقف نظام مبارك من عدوان 2008 – 2009 هو نفسه موقف نظام السيسي مطروح منه الاحتقان الخليجي – الخليجي والسيكوباتية الإعلامية (وهي قليلاً ما كانت تظهر أيام مبارك، ومن مرّاتها مباراة مصر والجزائر في 2009).
رابعًا: وقوف النظام ضدّ أي حراك سياسي في الفضاء العام، ولو أخذ شكل التضامن الإنساني أو المنحى الإغاثي البحت، هذا الوقوف الذي يحول دون وصول الأدوية والأطعمة والمساعدات للمحاصرين في غزّة، زاد من حجم الكراهية للسلطة المصرية.
على وجه الإجمال، تم تلبيس حركة حماس كل الشرور التي تقع على الشعبين المصري والفلسطيني، وهو ما سوّق له الإعلام المصري، ووافق في الآن نفسه سلطة متحالفة مع ثنائي يتزعم الحملة على الإسلام السياسي، وإرادة تروم قتل السياسة بشكل عام.