ترجمة وتحرير نون بوست
تقترب الحملة الإسرائيلية على قطاع غزة “الجرف الصامد” من يومها 16، متسببة في استشهاد أكثر من 600 فلسطيني وجرح أكثر من 3000 وتشريد أكثر من 100.000 فلسطيني.
وفي ظل الظروف العادية، يعيش سكان غزة تحت الحصار الذي تفرضه إسرائيل والذي لا يقيّد حركتهم فقط بل يحرمهم أيضًا من فرص السفر والعمل والتعليم، كما تسيطر إسرائيل أيضًا على كل ما يمكن أن يدخل للمنطقة، فهي تقيد دخول المواد الأساسية مثل مواد البناء والمستلزمات الطبية، ويتفاقم هذا الضغط في أوقات الأزمات، لاسيما في القطاع الصحي.
تحدثنا مع السيدة “فكر شلتوت” وهي مكونة في مجال التمريض ومديرة لبرنامج المساعدات الطبية للفلسطينيين (MAP)، حول ظروف عمل الإطار الطبي في غزة مع الهجوم الحالي، وبدأنا بهذا السؤال:
– كيف يعمل الإطار الطبي في غزة في ظل الظروف العادية تحت الحصار الإسرائيلي؟
فكر شلتوت: إن قطاع غزة يعاني منذ فترة طويلة من الحصار المفروض عليه من إسرائيل، والقطاع الصحي هو واحد من أكثر القطاعات تضررًا، وخاصة في المستشفيات، ففي ظل الظروف العادية تحت الحصار، يعمل الفريق الطبي في ظل ظروف صعبة، مع نقص حاد في الأدوية، والمواد الاستهلاكية، وقطع الغيار للمعدات اللازمة.
– كيف تفاقمت هذه الظروف مع الغارات الجوية الإسرائيلية والغزو البري؟
خلال هذا العدوان، أصبح الوضع أسوأ بكثير، فنحن نحاول إنقاذ حياة الجرحى الذين يصلون إلى المستشفى كل دقيقة تقريبًا، وعلى الجميع التأقلم مع النقص الشديد في التجهيزات الطبية والأدوية.
– هل يمكن أن تعطيني مثالاً عن كيفية تأقلم الأطباء مع هذا النقص؟
سبق وأن تحدثت إلى أحد الأطباء، وقال لي إنه ليقوم بعملية جراحية على الأمعاء الدقيقة، فهو يحتاج إلى غرز ذات مقياس اثنين، ولكن باعتبار أن هذا المقياس لم يكن متاحًا، فإنه يضطر لاستخدام المقياس أربعة.
وعندما نقوم بعمليات جراحية على هذا النحو، فلن نكون متأكدين من تجاوب المريض مع هذا العلاج، أو ما إذا كان سيعاني من مضاعفات جانبية بعد ذلك، وفي كثير من الأحيان تنقصنا حتى هذه الحلول الترقيعية، فمثلاً المياه المالحة، واحدة من العناصر الأكثر أهمية والتي يجب أن تكون موجودة في كل مستشفى، هي ببساطة غير متوفرة.
– ما هي التحديات الأخرى التي تواجه الأطباء؟
الأطباء والممرضات يجب عليهم التعامل مع عدد كبير من المرضى الذين يصلون كل يوم، والعديد منهم في حالة حرجة، فالكثير منهم فقدوا أطرافهم، ولهم أنواع من الإصابات التي من الصعب التعامل معها.
هناك أعداد هائلة من الجرحى تصل إلى المستشفى، فيوم الأحد، وصل إلى مستشفى الشفاء (المستشفى الرئيسي في مدينة غزة) 400 جريح جراء إصابات تلقوها في شرق غزة والشجاعية.
وقليل هم المرضى الذين رجعوا لمنازلهم، فغالبيتهم يقيمون في المستشفيات لأنهم غير قادرين للعودة إلى ديارهم التي تم قصفها أو التي هي مهددة بالقصف.
– ضرب مستشفى الأقصى بنيران إسرائيلية يوم الإثنين .. هل يمكن أن تخبريني عن هذا؟
يوجد مستشفى الأقصى وسط قطاع غزة، وهو المستشفى الوحيد في المنطقة، ويوم الإثنين ضربت صواريخ إسرائيلية الطابقين الثاني والثالث للمستشفى، فضُرب قسم الجراحة وغرفة انتظار المرضى كما قتل أحد المرضى، وتوفي ثلاثة أشخاص على الفور، كما أن العديد ممن تواجد بالمستشفى أُصيب بجروح متفاوتة بما في ذلك الفريق الطبي.
– ماذا يعني هذا بالنسبة لعمل الفريق الطبي؟
هذا يعني أن الفريق الطبي أصبح لا يعرف متى سيتمكن من العودة إلى العمل بعد هذا القصف.
– ما كيفية عمله في مستشفى غير آمن؟
لا توجد منطقة آمنة في غزة، ولكن العديد من الناس يذهبون إلى المستشفى لأنهم يعتقدون أنه هو المكان الأكثر أمانًا، وعلى ما يبدو، فإنه ليس كذلك.
– كيف يتم تعامل الأطباء، مع هذا العدد الهائل من المرضى في مستشفيات محدودة الإمكانيات مع عدم وجود علامات لتوقف هذا العنف؟
أعلنت وزارة الصحة حالة الطوارئ، ومعظم الفرق الطبية تعمل على مدار 24 ساعة، وهم يحاولون بذل قصارى جهدهم للحصول على القليل من الراحة قدر الإمكان مع العمل بشكل مستمر، في بعض الأيام نتلقى قرابة 100 حالة يوميًا، وفي الأيام الأخرى، مثل الأحد الفارط نتلقى 400 حالة، وفي كل الحالات يجب التعامل مع النقص الكبير في المعدات والأدوية.
ليست هذه هي الحرب الأولى في غزة، بل للأسف هي الثالثة في غضون خمس سنوات؛ لذلك وجد الأطباء والممرضات آليات التعامل مع هذه الظروف الصعبة، وهم يعرفون ما لديهم في متناول اليد، وكيف يمكن استخدامها بالرغم من أن ذلك ليس دائمًا أفضل الحلول، أو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله، ولكن للأسف، لا يوجد لديهم أي خيارات أخرى.
– هل هناك بعض المرضى ممن يعالج خارج غزة؟
حاول الطاقم الطبي إرسال بعض المرضى للعلاج بمستشفيات خارج قطاع غزة، ولكن فقط تمكن عدد محدود جدًا أن يحيل بنجاح، في حين بقي عدد هائل من الجرحى (أكثر من 3000) للعلاج في مستشفيات قطاع غزة.
– ماذا عن المساعدات الإنسانية؟
تدخل العاملون في المجال الطبي لدى المنظمات الدولية لشرح احتياجات المرضى لهذه المنظمات، مثل منظمة الصحة العالمية، الذين بإمكانهم المساعدة، ولكن للأسف، ما نتلقاه لا يزال قليلاً جدًا بالمقارنة مع الاحتياجات على أرض الواقع، خلفيتي كممرضة، تمكنني من التعرف عن كثب على معاناة الطاقم الطبي بالمستشفى، في محاولة لإنقاذ حياة المرضى المصابين من دون توفر الأدوية والمعدات اللازمتين.
– كيف يأتي الدعم الإنساني؟
معبر كيرم شالوم في غزة لا يزال مفتوحًا، ومع ذلك فإنه لا يعمل بشكل طبيعي، ذلك يعتمد على الإسرائيليين، وعدد الساعات التي يبقى فيها مفتوح في اليوم الواحد، بعد شراء الأدوية، عادة ما يستغرق بضعة أيام قبل وصوله غزة، والأطباء هم بحاجة لهذه الحاجيات في غضون ساعات قليلة، وليس بضعة أيام.
ما هو أكثر من ذلك، فإن شراء هذه الإمدادات الطبية لا ينبغي أن يستغرق سوى بضع ساعات طالما أنها متوفرة في الضفة الغربية أو القدس وهي مسافة ساعة بالسيارة إلى غزة، ولكن التنسيق للحصول على هذه الإمدادات إلى غزة يستغرق بضعة أيام.
– كم هو عدد المستشفيات في قطاع غزة؟
يوجد 13 مستشفى في قطاع غزة، مع بعض المرافق للمنظمات غير الحكومية الأخرى، بطاقة استيعاب تقدر بحوالي 2000 سريرًا، وأكبرها هو مستشفى الشفاء، بطاقة استيعاب بحوالي 560 سريرًا، مع وجود مستشفى كبير نسبيًا في خان يونس، ولكن على خلاف ذلك فالبقية صغيرة جدًا، بما في ذلك المستشفى الذي تعرض للقصف يوم الإثنين.
– هل هذا الاعتداء مختلف عن غيره من بين الاعتداءات التي شهدتها غزة في السنوات السابقة؟ إذا كان الأمر كذلك، فكيف ذلك؟
إنه مختلف بالتأكيد، صحيح فالحرب هي الحرب، في كل مرة، ولكن هذه هي الحرب الثالثة التي أشهدها بعد عام 2008، 2009 و 2012 ، بصراحة، أود أن أقول لقد كنت خائفة، مثل أي شخص آخر في غزة، إذ لا يوجد مكان آمن هنا، وهي الطريقة التي يفكر بها الجميع في غزة، ففي هذه الحرب، استطيع أن أقول إن هناك الكثير من استهداف للمدنيين، فغالبية الضربات الجوية تستهدف منازل المدنيين.
إنهم يستهدفون أيضًا المنظمات غير الحكومية والمستشفيات والمساجد، الناس يتفهمون إن كانت الأهداف المعنية بالقصف لدواعٍ أمنية، لكنهم لا يفهمون إذا كان الهدف هو مستشفى، مثل مستشفى الوفاء، كما أنهم لا يفهمون الهجوم على المنظمات غير الحكومية حيث توفي ثلاثة أطفال معوقين في الأنقاض. هذه الأمور مختلفة عما جرى في عام 2012.
أيضًا، فإن المجزرة في الشجاعية أظهرت وكأن القوات الإسرائيلية على استعداد لقتل أكبر عدد من المدنيين من دون أن تشعر بالقلق تجاه قتلهم، فقد مات كثير من الناس في الشجاعية بينما كانوا يحاولون العثور على ملجأ، فقد قتلوا حين كانوا في الشارع، نحن في القرن 21، والناس لم يفكروا في إمكانية حدوث هذا، أن يتعرض الحي كله لهجمات واسعة النطاق؛ مما أدى إلى أكثر من 70 حالة وفاة و400 إصابة في غضون ساعات قليلة وهذا الجنون بعينه.
– وهل هذا ما يجعل عدد المدنيين المستهدفين يتفاقم؟
غزة هي صغيرة جدًا، معزولة، واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، لا يوجد مكان في غزة يتم استهدافه من دون التأثير على المدنيين، إذ هناك 1.8 مليون شخص يعيشون في 139 كيلومتر مربع، ونصفهم من الأطفال دون سن 15 سنة، فكيف سيكون أي هدف في هذه المنطقة الصغيرة ليس له تأثير على السكان ككل؟
– إذا كان هناك وقف لإطلاق النار في وقت قريب، ما ستكون تأثيرات هذا العدوان على الناس في غزة؟
أعتقد أن كل الناس في غزة سوف يحتاجون إلى الدعم النفسي الفوري بعد هذا العدوان.
بالنسبة للطاقم الطبي، وحتى إذا كان هناك وقف لإطلاق النار، سيحتاج إلى بعض الوقت للاسترخاء، والعودة إلى ديارهم، ورؤية عائلاتهم، وأنا أعلم أن الكثير منهم يعملون في المستشفيات ولم يروا أطفالهم لأكثر من أسبوعين، ولكن سيكون عليهم مواصلة العمل حتى إذا كان هناك غدًا وقف لإطلاق النار، وهذا لا يعني أن المستشفيات سوف تكون فارغة، وسوف تكون هناك إصابات، وكثير منها سوف يحتاج لعلاج طويل الأمد.
وأعتقد أيضًا أن الفرق الطبية ستحتاج إلى دعم نفسي نتيجة تعاملهم مع كل هذه الحالات الحرجة، في محاولة منهم لإنقاذ أرواح الناس مع ظروف عمل صعبة للغاية.
المصدر: vice