يعتبر الانقلاب هو البداية الحقيقية لهذه التحالفات على الأرض، وجاءت الحرب في غزة لتؤكد وتوضح ذلك، بعد الانقلاب في مصر والموقف الأمريكي منه، الذي رفض وصف ما حدث في مصر بأنه انقلاب رغم وضوحه للكافة ورغم أن مبعوثي الإدارة الأمريكية من أعضاء الكونجرس اللذين أرسلوا إلى مصر أعلنوا أنهم لا يمكنهم وصف ما حدث إلا أنه انقلابًا، ثم استمرار الأمريكان في إرسال المساعدات العسكرية الأمريكية إلى الإدارة المصرية.
والتطابق المصري الأمريكي في معظم وجهات النظر حول القضايا المهمة والملحة في المنطقة، كالوضع في العراق ودعم حكومة المالكي، والوضع في سوريا والاتفاق على أن يبقى الحال على ما هو عليه ورفض دعم المعارضة السورية ولو إعلاميًا كما حدث هذا الدعم في فترة حكم محمد مرسي، والتقارب الأمريكي الإيراني والذي صاحبه إن لم يكن تقاربًا مصريًا إيرانيًا فربما يكون هدوءًا في العلاقات.
وأخيرًا جاءت الحرب في غزة لتكشف تطابقًا فريدًا بين مصر وأمريكا، ربما لم يجرؤ حسني مبارك على الرغم من كونه “كنزًا استراتيجيًا لإسرائيل” على إظهار هذا التطابق الكامل في الموقف.
صمت الحكام الجدد في مصر عن العدوان في غزة حتى إذا تحدثوا أخرجوا ورقة مبادرة لحل الأزمة تساوي بين عدوان المحتل ومقاومة غزة لتصف ما يحدث على أنه أعمال عدائية، وتناسى الحكام الجدد في مصر أنهم شركاء في ما يحدث في غزة بمشاركتهم في حصار غزة بغلق معبر رفح، ومحاولة عزل غزة حتى من التضامن الإعلامي باستمرار الهجوم على المقاومة في منابرهم الإعلامية الموجهة وحصر الحرب في غزة بين حماس وبين إسرائيل.
حتى بعد خروج تلك الورقة إلى النور وموافقة إسرائيل عليها قولاً واحدًا فور الإعلان عنها “لك أن تستنتج ما تعنيه تلك الموافقة السريعة” ورفض المقاومه لها لأنها لا تتعاطى مع الحد الأدنى من شروط المقاومة التي دفع ثمنها من دماء الشعب الفلسطيني من رفع للحصار ووقف للعدوان وإطلاق سراح الأسرى الذين تم القبض عليهم مؤخرًا، إذا بالقاهرة تعلن من جديد رفضها أي تعديل على تلك المبادرة، وإصرار جون كيري بعد زيارته إلى القاهرة مؤخرًا على أنه لا حل إلا عن طريق تلك الورقة!
وأيضًا يتجلى الموقف المصري الجديد من غزة والمقاومة في منعهم للقوافل الشعبية والطبية التي نظمها النشطاء لمساندة شعب غزة ورفض إدخال الفلسطينيين من معبر رفح والسماح فقط لأصحاب الجنسيات الأجنبية بالدخول وإدخال مساعدات منتهية الصلاحيه ورديئة على أنها مساعدات من الشعب المصري لإخوانه في غزة.
من هنا يتضح أن الإدارة المصرية اختارت توطيد حُكمها عن طريق التماهي الكامل مع المواقف الأمريكية والإسرائيلية حتى وإن جاء هذا التوطيد على حساب قضية جوهرية كالقضية الفلسطينية.
وفي ظل هذا الضعف في النفوذ الأمريكي في المنطقة تشكلت تلك الرغبة الأمريكية في إعادة صياغة سلسله جديدة من التحالفات التي تضمن لأمريكا إعادة نفوذها عن طريق تحالف أمريكي إسرائيلي سعودي إماراتي انضمت مصر إليه أخيرًا، مقابل تراجع في النفوذ الأمريكي على تركيا، ويظهر هذا التراجع من موقف تركيا الأخير من إسرائيل وتوقف معظم الاتفاقيات العسكرية بينهما، وموقف تركيا الداعم لحق المقاومة الفلسطينية سياسيًا، وعمل تركيا مع قطر على صياغة مبادرة جديدة توفر انتصارًا سياسيًا واستراتيجيًا للمقاومة الفلسطينية في ضوء تلك الانتصارات العسكرية والاستراتيجية التي حققتها على الأرض، ويمكننا قراءة هذا التراجع في النفوذ الأمريكي على تركيا منذ فترة، منذ صراع الحكومة التركية مع جماعة فتح الله كولن المدعوم من أمريكا، وكذلك الصراع مع كبرى الشركات الأمريكية في ضوء التسريبات المتعلقة بالكيان الموازي الذي شُكل لإضعاف حكومة أردوغان قبل الانتخابات المحلية والتي فاز فيها حزب أردوغان بأغلبية والانتخابات الرئاسية التي يترشح فيها أردوغان لأول مرة.
ورغم كل ذلك استطاعت المقاومة في غزة الصمود بل وتحقيق انتصارات عسكرية واستراتيجية رغم التغيرات التي حدثت وتوقف الدعم الإيراني لها في ضوء موقف حماس من بشار الأسد ووقوفهم إلى جانب الشعب السوري، وصمت حزب الله اللبناني طوال الأيام الماضية، الذي أعلن أخيرًا أنه مستعد للتعاون مع المقاومة في غزة بعد أن أيقن أن المقاومة يمكنها الانتصار به أو بدونه، وهنا حاول أن يرتبط اسم حزب الله بنصر المقاومة في غزة ولو من بعيد.