بعد أشهر من استمرار الصراع الدائر في ليبيا على جميع المستويات؛ على المستوى العسكري بين القوات التابعة للجنرال خليفة حفتر والقوات التابعة لهيئة الأركان، وعلى المستوى السياسي بين مؤيدين للمسار الانتقالي السياسي ورافضين له، وعلى المستوى الدبلوماسي بين قوى دولية وإقليمية مؤيدة للثورة وأخرى مؤيدة للثورة المضادة؛ اجتمع ممثلو مؤسسات المجتمع المدني والنشطاء الليبيين من المنطقة الشرقية بليبيا في ندوة تشاورية بمدينة بنغازي لدراسة الأوضاع الحرجة ودور مكاتب المؤسسات الدولية والهيئات والبعثات الدبلوماسية في ليبيا.
وصدر عن الاجتماع مجموعة توصيات وملاحظات كان أبرزها تخلي “السفارات والهيئات الدبلوماسية والمنظمات الدولية” عن الدور الذي كان يجدر بها أن تمارسه لدعم الانتقال السياسي الديمقراطي في ليبيا، ولعبها لـ “دور سلبي من خلال دعم أطراف على حساب الاستقرار في ليبيا”.
وأبدى المجتمعون استغرابهم من “مواقف وتصريحات وتحركات السفارات والهيئات الدبلوماسية التي كانت أحد الأسباب في ما آلت إليه الأمور في ليبيا”، مشيرين إلى أن بعض هذه المؤسسات الدولية دعمت وشاركت في وقت مبكر من الثورة الليبية في لقاءات ودعمت تجمعات مشبوهة مثل مشروع تأسيس إقليم برقة وتكوين جيش برقة”.
ورأى المجتمعون أن الدعم الذي لقيته هذه المؤسسات الانفصالية الخارجة عن الدولة، كان من أهم عوائق “تكوين مؤسسات الجيش والشرطة في ليبيا الجديدة”، إذ لم يمكن بإمكان ليبيا بناء دولتها في ظل “وجود مجموعات مسلحة منظمة أنشئت على أساس جهوي وقبلي ولها مواقف عملية معلنة لتخريب الانتخابات وعرقلة المؤسسات الشرعية وقراراتها والسيطرة على المؤسسات الحيوية منها المطارات والموانئ”.
ولم يكتف المجتمعون بتوجيه التهم لجهات غير محددة، وإنما قالوا: “تم هذا بدعم خارجي واضح ومعلن عنه من دول مثل الإمارات والسعودية ومصر .. تمثل في دعم سياسي وإعلامي وإرسال عتاد عسكري بما فيها آليات وأسلحة وذخائر دون اعتراض من المنظمات الدولية التي يتوقع منها منع مثل هذا التدخل السافر، بل على العكس نرى أن لها علاقات وطيدة بهذه المجموعات المسلحة وعلى رأسها جيش برقة والصواعق والقعقاع وغيرها”.
مع العلم أن مجموعات الصواعق والقعقاع كانت تابعة لهيئة الأركان قبل أن تتمرد عليها، وهي قوات متوسطة التسليح والتكوين مكونة على أساس قبلي، قبيلة الزنتان، وكانت مكلفة بمهام عسكرية مثل تأمين الحدود الخارجية، في حين تأسس جيش برقة على أساس جهوي، المنطقة الشرقية، وضم عددًا من المجموعات المسلحة التي تشكلت في أيام الثورة.
وقال البيان الصادر من مدينة بنغازي: “إن اختراق ميليشيات مشبوهة بقيادة شخصيات عسكرية وأمنية متمردة لمؤسسات الجيش والشرطة وبدعم من شخصيات حكومية وسياسية في ليبيا ومن محور الإمارات والسعودية ومصر والأردن وبصمت دولي ملحوظ؛ أدى إلى فقدان الثقة في هذه المؤسسات وهذا لا يخدم الاستقرار ولا يشجع على الانتقال من الثورة إلى الدولة كما لا يشجع المجموعات المسلحة على تسليم أسلحتها”.
متابعًا: “عندما أعلنت ميليشيات مسلحة بقيادة عسكريين متمردين وبإمرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر عما يسمى (عملية الكرامة) وباشرت في عمل مسلح شمل القصف بالطائرات والصواريخ متسببًا في قتل الكثير من المدنيين والقيام بعمليات خطف واغتيال وإقامة سجون سرية؛ مما جعل هذه العملية أخطر انقسام في مؤسسة الجيش الليبي، عندها كان وصف المؤسسات الشرعية في الدولة لهذه العملية بأنها خروج عن الشرعية وانقلاب عسكري وهذا كان واضحًا في تصريحات رئيس المؤتمر الوطني العام ورئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان، إلا أن تصريحات الهيئات والمؤسسات الدولية كانت بأنها تقف على مسافة متساوية من الجميع وبذلك أعطت غطاء لاستمرار هذه العملية بدل تجريمها ومحاصرتها”.
وتوجه النشطاء بخطاب مباشر للمجتمع الدولي مطالبين إياه، بالتحقيق في “المعلومات المعلنة عن دور الإمارات ومصر والسعودية في التدخل وتقديم أسلحة ومعدات عسكرية وتدريب مجموعات مسلحة غيرشرعية مسئولة عن جرائم قتل واختطاف واستيلاء على المؤسسات الحيوية للدولة”، ومطالبين كذلك “بالضغط على حكومات دول الإمارات والسعودية ومصر والأردن التي تأوي أعدادًا كبيرة من بقايا النظام السابق ممن لهم دور كبير في دعم وقيادة وتمويل الأعمال التخريبية لإجهاض الثورة في ليبيا”.
ويعتقد كثيرون أن الحلف الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات والذي دعم الجنرال عبد الفتاح السيسي، يريد تكرار السيناريو المصري في ليبيا عبر دعم الجنرال خليفة حفتر، غير أنه يجد عوائق كثيرة أهمها وقوف المؤسسة العسكرية الرسمية المسماة برئاسة الأركان ضد الانقلاب، والتفاف معظم كتائب الثوار حول هذه المؤسسة.
المصدر: نون بوست + المنارة