كانت الأنظمة العربية ما قبل الثورات العربية تشهد حالة من الإستقرار والرسوخ معتمدة على القوة والإستبداد مما جعل الكثر يشككون في إمكانية التغيير. لكن ما إن عصفت الثورات العربية بذلك الإستقرار حتى هوت أنظمة عديدة وزلزلت أخرى فشعرت بالخطر فتنادى بعض تلك الأنظمة المهددة لتكوين محور مضاد للثورات يعمل على إستعادة الأنظمة القديمة ودعم بقاياها ويشكك في المسار الديمقراطي مطلب الشعوب الثائرة.
فتكون بذلك محور شمل الإمارات والسعودية والأردن ومصر (بعد الإنقلاب).
وفي ليبيا .. لم نكن بمنأى عن تدخل هذا المحور في مجريات الأحداث الليبية بشكل ملحوظ..
فعلى المستوى الإعلامي يرى المشاهد لفضائيات المحور المضاد تركيزا على ترسيخ مفهومين أساسيين هما: الأول هوعدم جدوى الثورات العربية خاصة وأنها لم تجلب إلا الفوضى. والثاني تشويه المسار الديمقراطي وقنص كل فرصة للتشكيك في جدواه وإستغلال كل العقبات المتوقعة في مراحل إنتقالية وتوظيفها لإقناع الجميع بأن الإستقرار لا يأتي إلا عن طريق الديكتاتوريات في عملية تزييف للحقائق وفبركات إعلامية رخيصة.
ولن تجد كبير عناء في ملاحظة هذا الأداء والفلسفة الإعلامية المذكورة في قنوات العربية والإم بي سي والقنوات المصرية المضادة للثورة وهو ما إنسحب على الإعلام الليبي الناشئ حيث تبنت عدة قنوات نفس الأسلوب والأداء ونقلت نفس الولاءات والأفكار من المحور المضاد في عملية نسخ ممجوجة مستوردة لنفس الإشكاليات والعقد!.
وإمتد عمل المحور المضاد ليتجاوز العمل الإعلامي ليشمل بلورة توجه وشعارات سياسية واضحة تتم صناعتها وصياغتها في غرفة عمليات ذاك المحور وعلى رأسه الإمارات العربية المتحدة ليتم بعد ذلك تصديرها إلينا في ليبيا كنسخ جاهزة.
ونحن نرى الأمارات والسعودية والأردن ومصر تشن حملة لا هوادة فيها ضد قوى التغيير ومنها التيار الإسلامي فإنتقل نفس العداء المستحكم إلى الإعلام الليبي دونما محاولة حتى لتكييفه على الوضع الليبي فظهر إعلام عنيف إنتقامي في أدائه مصطنع في شعاراته كاذب في أسلوبه متناقض في مواقفه وبالتالي مطابق لأداء المحور الإماراتي السعودي الأردني المصري!. بل إن الأعداء الذين أعلن عنهم هذا المحور وشن ولايزال حملة شعواء لمحاربتهم مثل قطر وتركيا لدعمها ثورات الشعوب ؛ هؤلاء الأعداء تم نقلهم كأعداء معلنين في ليبيا أيضا بطريقة مدهشة رغم الدور الإيجابي الذي لعبته كل من هاتين الدولتين في الثورة الليبية وكذلك إتهام ومعاداة التيار الإسلامي وفي مقدمته الإخوان المسلمون لما يشكلونه من تهديد ومنافسة لهذه الأنظمة.
وإذا بالمشهد السياسي الليبي أيضا يتبلور في نفس الإتجاه فبرزت شخصيات تحالفت فيما بينها لتشمل كل المتناقضين ؛ يجمعهم هدف الخوف من المسيرة الديمقراطية لكونها تهدد مستقبلهم السياسي أو مصالحهم الخاصة أو إستجابة لمطالب المحور الإماراتي فكانت تلك الشخصيات محط إهتمام وحفاوة بالغة من الأمارات وباقي دول المحور فدعمت تلك الشخصيات ومؤسساتها بسخاء وإلتزام كبيرين وساعدت في تكوين جبهة تشمل بقايا النظام السابق. ومن تلك الشخصيات محمود جبريل والعارف النايض وسالم جحا وفرحات بن قدارة حيث كان لهؤلاء زيارات منتظمة للإمارات أو أقاموا فيها أصلا ؛ كما يشمل المحور أيضا محمود شمام وجمعة عتيقة وجمعة الأسطى وحسن طاطاناكي وعبد الرحمن شلقم ونعمان بن عثمان و وإبراهيم الجضران وعلي زيدان والحبيب الأمين وصلاح المرغني وخليفة حفتر وعثمان وعبد المجيد مليقطة وغيرهم.
وإذا بنا نرى المعارض الراديكالي المخضرم شمام ينضم لنفس محور طاطاناكي مروج العلاقات العامة للقذافي ومنظم حفلات الفساد وجالب العاهرات ؛ ويلتقي جمعة عتيقة المثقف السياسي والمدني المتعلم مع حفتر سليل منظومة القتل والإجرام العسكرية القذافية ؛ ويتحول سالم جحا من مسيرة الثورة وأهدافها ببناء الدولة الديمقراطية ليخدم محورا فيه عميل إستخبارات النظام السابق نعمان بن عثمان .. وهكذا دواليك في مشهد مثير حقا حيث تلتقي المتناقضات لتخدم غرضا مشتركا قوامه عرقلة المسيرة الديمقراطية والتدخل لحرفها عن مسارها وإستبدالها بإستخدام كل أنواع التضليل والكذب والحرب النفسية والإعلامية التي كان من ضحاياها المؤتمر الوطني العام كهيئة إعتبارية أو كأشخاص مغضوب عليهم من هذا المحور.
وكان من أهم الأهداف التي نجحوا في عرقلتها هي قيام مؤسستي الجيش والشرطة على أساس وطني بعيد عن الولاءات الجهوية والتشرذم الحزبي فهاجموا كل وطني أراد بلوغ ذاك الهدف وشنوا عليه كل حملات التشويه لإقصائه وأسسوا قوى عسكرية وأمنية خارج مؤسسات الدولة على أساس جهوي منها جيش برقة والصواعق والقعقاع فسيطروا على المؤسسات منها الموانئ والمطارات وحقول النفط وإستمروا في تهديد الدولة في وقت مبكرحتى قبل الإنتخابات وتأسيس المؤتمر الوطني الإنتقالي وهذا عكس ما يدعونه من مبررات بعدم رضاهم عن المؤتمر. وفي ظل ضعف مؤسسات الأمن والدفاع دعم هذا المحور الأعمال العنيفة والعسكرية خارج إطار الشرعية.
وتجاوز الدعم الإماراتي لهذا المحور المضاد في ليبيا الدعم السياسي ليشمل الدعم العسكري للأجنحة الموالية له وعلى رأسها كتائب القعقاع والصواعق التي فاجأت الليبيين بإمتلاكها لترسانة أسلحة لم تكن لدى الجيش الليبي إستعرضتها في زهو وسط شوارع طرابلس فإندهش الجميع لعمق التورط الإماراتي في تسليح هذا المحور مسفرا عن وضع مخيف يشرك الإمارات في إزهاق الأرواح الليبية وإسالة الدم الليبي دون مبالاة أو تردد طالما أن تغليب الطرف الذي إختار الجناح المضاد يخدم المشروع الإماراتي السعودي الأردني المصري!. وأعلنت تلك الكتائب أمام الملأ في تحد سافر أنها تملك أحدث العتاد الذي حصلت عليه من الإمارات وأن لديها عشرة آلاف مقاتل محترف مدربين في الإمارات نفس تدريب المارينز!. كما إعترفت تلك الميليشيات بتوظيفها لأعداد كبيرة من بقايا اللواء 32 سئ السمعة وبقايا كتائب خميس والمقريف أيضا في تحد لمشاعر الليبيين موغلة بذلك في الإنتماء للثورة المضادة المكونة من أجنحة عسكرية غرب البلاد وشرقها لأذرع وشخصيات سياسية تناهض المسار الديمقراطي الطبيعي الحر تحت مختلف المبررات والعناوين التي أبدعوا في إختراعها لترويج أفكارهم. فكان من العناوين المستخدمة بنجاح محلي ودولي: محاربة الإرهاب!. ورغم أن الإرهاب معضلة عالمية [قلم] وأن كل الليبيين موحدون ضد المتطرفين تحت أي إسم وضد كل من رفع السلاح لفرض آرائه مهما كان عنوانه فإن هذا المحور المضاد وجد حجة ومطية في إستخدام هذا التهديد الأمني ليصل عن طريقه إلى نسف المسار الديمقراطي جملة وتفصيلا أو حرفه عن المسار الطبيعي بإقتراح وفرض كل فكرة أو إجراء من شأنه ترسيخ مواقعه وإضعاف من يعتبره مناهضا له.
وظهر جليا دعم المحور العربي المضاد للثورات لعملية ما يسمى “الكرامة” من قبل ميليشيات تدعي زورا تمثيل الجيش الليبي بقيادة الجنرال الطامح في السلطة السيد حفتر حيث يبدو واضحا مدى الدعم والعتاد العسكري الذي يحصل عليه هذا الجنرال والميليشيا التابعة له. فلاريب أن الطائرات المختلفة التي تشحن مختلف العتاد العسكري له وما يحتاجه من دعم مادي ولوجيستي ودعم إعلامي واضح من قنوات ذلك المحور وعلى رأسها قناة العربية وفي ظل صمت دولي يشير لضغوط تمارسها دول ذلك المحور للصمت عن عمليات الجنرال المتمرد رغم بشاعتها ودمويتها وإصابتها لمدنيين كثر راحوا ضحية هذا العابث.
ووصل التماهي في الولاء للإمارات من قبل هذه الشريحة المتمردة في ليبيا إلى إستعداء كل من هو عدو للإمارات فكانت الشركات التركية آخر ضحايا التهديد الحفتري حيث أضطرت تلك الشركات لمغادرة البلاد بعد التهديد السافر من قبل الجنرال المستهتر. وإنه لغريب نسق هذا الجنرال الذي بدأ عملياته العسكرية بحجة الإنتقام للشهداء العسكريين الذين طالتهم أيدي الغدر في بنغازي لينتهي به المطاف إلى طرد المقاولين الأتراك في ممالأة ممجوجة للإمارات ومصر العدوتين اللدودين لتركيا. ولا يسع المرء إلا أن يتساءل: لم نتقاتل نحن في ليبيا على أرضنا خدمة لمشروع مشبوه لغيرنا؟!.
وتتوالى الأحداث ليجد ثوار الأمس ومناضلو ثورة فبراير أنفسهم في موقع الإتهام والإستهداف في عملية إنقلاب كاملة تحت ذرائع مصطنعة حتى إذا بلغ الأمر بالمحور المضاد إلى إستخدام السلاح بكافة أشكاله بما فيها الطيران وإستهداف المؤتمر الوطني العام بمهاجمته ومحاولة إختطاف رئيسه لم يجد الثوار بدا من المواجهة المسلحة التي نرى مشاهدها اليوم تسود الوطن شرقا وغربا.
وفي ظل مشهد مربك يراهن فيه المحور المضاد للثورة على تشويه الرأي العام وتزييف الوعي الجمعي للشعب بقدحه في كل مناضل وتلميع رموز المحور المضاد ؛ يبقى الوعي بفهم المشهد من قبل كل الليبيين والليبيات هو الضمان للوصول ببلدنا إلى بر الأمان … والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
نُشر المقال لأول مرة في موقع المنارة للإعلام