تعرض السيسي قائد الانقلاب العسكري في مصر خلال كلمة ألقاها في خضم الاحتفالات بليلة القدر – وهي مراسم تقام سنويًا في مصر تقديرًا لهذه الليلة – للقضية الفلسطينية، مستهجنًا ما برأيه مزايدات على دور مصر تجاه ما يحدث في غزة ومدعيًا بأن “مصر قدمت لفلسطين ما يزيد عن 100000 ألف شهيد وربما أكثر”.
تلك العبارة التي تدعم وبشدة الادعاءات الأخرى القائلة بأن مصر خاضت حروبًا عدة من أجل فلسطين وأن هذا يكفي فليس لدينا المزيد لنقدمه.
السيسي بعبارته تلك أوغل نفسه أكثر في نفق الادعاءات الباطلة؛ فلقد تحدى السيسي كل من حوله في عدة جولات وظهر عليهم سواء بوسائل شريفة أو غير شريفة، ولكن تلك المرة لن يستطع الخروج من التحدى منتصرًا حين يتحدى تاريخًا عمره أضعاف عمر السيسي نفسه .. فهنا السيسي يخسر.
خلال السطور القادمة سنمر مرورًا سريعًا على حروب مصر في التاريخ الحديث لنرصد بأنفسنا زيف هذه الادعاءات.
حرب فلسطين 1948:
بعد انسحاب القوات البريطانية من فلسطين يوم 14 أيار/ مايو 1948 وانتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، سُلمت فلسطين لليهود تسليمًا بعد عام واحد من قرار تقسيم فلسطين الذي أصدرته الأمم المتحدة في 29 نوفمبر/ تشرين ثاني من العام 1947.
إبان هذا التسليم بدأت الحرب الحقيقة بين الدول المجاورة وهذا الكيان الدخيل، كانت الحرب بين جيش اليهود – وإن شئت فقل عصابات الصهاينة – وبين جيوش سبع دول عربية مجتمعة هي (مصر – سوريا – العراق – إمارة شرق الأردن – لبنان – اليمن – السعودية).
حرب فلسطين لم تكن حرب متكافئة إطلاقًا؛ فجيوش مهترئة ومهلهلة تقابل جيش مكون من عصابات مدربة ومسلحة بشدة تسبب في الهزيمة الساحقة، جدير بالذكر هنا أن الجيوش تحركت بلا خرائط حتى وصل الأمر لسيرهم بجوار “شريط القطار” كي يستطيعوا الوصول لنقاط اللقاء.
مصر كباقي الدول العربية لم تكن مستعدة أبدًا لخوض حرب أقرها البرلمان قبلها بيومين فقط وبسلاح فاسد بالٍ نتحدث عنه في السطور القليلة القادمة:
أولاً: تجميع الأسلحة والمعدات من مخلفات الحرب العالمية الثانية في الصحراء الغربية واختيار الصالح منها وإرساله للجيش، ولقد وصلت من هذه المعدات إلى أرض المعركة، ذخيرة مدافع عيار 20 رطلاً، والتي ثبت في التحقيق أنها كانت غير صالحة للاستعمال تسببت في انفجار أربعة مدافع يومي 7 و12 يوليو 1948م؛ مما أدي إلي مقتل جنديين وجرح ثمانية.
ثانيًا: كان الجيش المصري يحتاج إلى دبابات لاقتحام المواقع الحصينة التي أقامها اليهود في مستعمراتهم، ولكن بريطانيا كانت ترفض أن تبيع دبابات للجيش المصري خوفًا من أن يستخدمها ضد قواتها في القناة؛ لذلك قامت لجنة الاحتياجات بإرسال ضباط في زي مدني لشراء دبابات إنجليزية من طراز لوكاست تباع خردة في المزاد العلني في معسكرات الإنجليز بقناة السويس بعد نسف فوهات مدافعها، وبالتالي فكان مدى إطلاق كل مدفع يختلف حسب الطول المتبقي من الفوهة، ولقد أدى استخدام هذه المدافع في ميدان المعركة إلى سقوط قتلى كثيرين في الوقت الذي كان فيه الجيش الإسرائيلي مزود بأحدث الدبابات.
ثالثًا: تسببت قنابل يدوية إيطالية الصنع في جرح جندي واحد هو النقيب مختار الدسوقي يوم 4 يناير 1949م، وهي القنابل اليدوية التي وردها أحد سماسرة السلاح للجيش المصري، وهي تعد صفقة السلاح الوحيدة المشبوهة التي ظهر ضررها في أرض المعركة.
وبالتالي فيمكن القول إنه كانت هناك بالفعل صفقات أسلحة فاسدة لا تصلح لاستعمال الجيش قام سماسرة مصريون وأجانب بتوريدها للجيش المصري بمبالغ طائلة يفوق سعرها الأصلي بكثير، ولقد حقق من وراء هذه الصفقات سماسرة السلاح والحاشية الملكية والملك نفسه ثراءً غير مشروع.
ولكن هذه الأسلحة لم تستخدم في ميدان القتال، فقد ظل معظمها في صناديقها في المخازن، فيما عدا صفقة القنابل اليدوية الإيطالية التي ثبت بالفعل أن الجيش المصري استخدمها في المعارك وكانت غير صالحة للاستعمال وأحدثت إصابات.
أما باقي القتلى والإصابات التي حدثت من أسلحة غير صالحة للاستعمال فكان يرجع ذلك إلى استخدام أسلحة من مخلفات الحرب في الصحراء الغربية واستخدام أسلحة تباع خردة في معسكرات الإنجليز بمنطقة القناة.
وتلك هي الحرب الوحيدة التي نستطيع القول بأن مصر خاضتها من أجل فلسطين ولا نكون منصفين حين نقول مصر فقط فلا يجب تجاهل ست دول أخرى في هذه الحرب.
العدوان الثلاثي على مصر 1956:
ليلة 29 من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1956 كانت ضربة القوات الصهيونية في سيناء مصر التي آذنت ببدء العدوان الثلاثي تبعها اجتياح القوات البريطانية لبورسعيد في 5 نوفمبر/ تشرين ثاني لحق به – في نفس اليوم – هجوم القوات الفرنسية على بورفؤاد.
بريطانيا وفرنسا و”إسرائيل” في مواجهة مصر أين فلسطين إذن؟
ثلاث دول تهددت مصالحها بشكل مباشر بسبب بعض الإجراءات الدبلوماسية التي قامت بها مصر شكلت هذا العدوان عليها وليس لأي سبب آخر.
تسبب قرارتأميم قناة السويس الذي اتخذه الرئيس السابق جمال عبد الناصر في منع بريطانيا من الاستفادة من القناة التي كانت تديرها قبل التأميم، كما رأت “إسرائيل” أن توقيع مصر اتفاقية مع الاتحاد السوفييتي للتزود بالأسلحة المتطورة يهدد بقاءها، بينما فرنسا فلم يروقها أن تدعم مصر الثورة الجزائرية وأن تمدها بالإمدادات العسكرية.
حدث حراكًا دوليًا كبيرًا في هذا الشأن، نددت الأمم المتحدة بذلك العدوان وطالبت بانسحاب الدول المعتدية، ضغطت الولايات المتحدة على إنجلترا وفرنسا للانسحاب من الميدان؛ مما زاد الوضع تأزمًا عليهما بعد ثورة العمال في كلٍ منهما بسبب البطالة التي ساهمت الحرب في تفاقمها، وبذلك انتهى العدوان على “مصر” وليس “فلسطين”.
النكسة 1967 (حرب الأيام الستة):
اليوم: الخامس من يوينو/ حزيران 1967
التوقيت: السابعة والنصف صباحًا
الحدث: تشن القوات الصهيونية هجومًا على المحور الأوسط بسيناء بعد أن سبقها تحركات للعوجة في الليلة السابقة ولم يعلم بها قائد المنطقة الشرقية إلا ظهرًا بعد فوات الأوان.
عقب ذلك هجوم جوي صهيوني لمدة ثلاث ساعات بغارات جوية على مصر في سيناء والدلتا والقاهرة ووادي النيل في ثلاث موجات، الأولى 174 طائرة والثانية 161 والثالثة 157 بإجمالي 492 غارة دمرت فيها 25 مطارًا حربيًا وما لا يقل عن 85% من طائرات مصر وجعلتها ركامًا بعضه فوق بعض.
في المساء استطاعت إسرائيل بهجومها على ثلاثة محاور في سيناء الشمالي والأوسط والجنوبي تدمير فرقتي مشاة النسق الأول التي كان يرتكز عليها النظام الدفاعي لمصر.
اليوم الثاني:
السادس من يوينو/ حزيران 1967
سقطت العريش وأصبح الطريق ممهدًا عبر المحور الشمالي المصري للقوات الصهيونية.
أصدر بعدها نائب القائد الأعلى للقوات المصرية “عبد الحكيم عامر” في الساعة الخامسة بعد الظهر، أمرًا بالانسحاب العام لجميع قوات سيناء إلى غرب قناة السويس، على أن ينفذ على مراحل وخلال الأيام التالية، وهو القرار الذي أثر سلبًا على أداء الجيش المصري وعلى مسار الحرب بالنسبة له.
دبلوماسيًا قرر مجلس الأمن وقف إطلاق النار وهو ما كان يعني حينها إقرارًا دوليًا باحتلال إسرائيل أراضٍ مصرية وحرمان مصر من حقها في استعادتها.
اليوم الثالث:
السابع من يوينو/ حزيران 1967
كان على القوات المصرية صباحًا وفي وسط سيناء مواجهة ثلاث مجموعات عمليات، وظهرت في هذا اليوم الذي تركزت فيه العمليات على الجبهة المصرية مع وقف إطلاق النار على الجبهة الأردنية بوادر الانهيار التام للقوات المصرية وقرب وصول القوات الإسرائيلية إلى قناة السويس.
اليوم الرابع:
الثامن من يوينو/ حزيران 1967
أصبح وصول الصهاينة لقناة السويس وشيكًا؛ فبدأ في هذا اليوم التأهب للدفاع عن القاهرة من مدخلي السويس والإسماعيلية.
اليوم الخامس:
التاسع من يوينو/ حزيران 1967
بدون اشتباك قامت القوات الإسرائيلية في هدوء باحتلال سيناء كلها حتى شرم الشيخ باستثناء الخط من رأس العش شمالاً حتى شرق بورفؤاد الذي ظل تحت سيطرة القوات المصرية.
اليوم السادس:
العاشر من يونيو/ حزيران 1967
تنحي الرئيس عبد الناصر واستقال عبد الحكيم عامر ووزير الحربية شمس بدران، وخرجت مظاهرات شعبية ترفض قبول تنحي الرئيس وطالبت بعودته فوافق عبد الناصر على ذلك وعاد إلى الحكم.
بالمناسبة .. وبذكر النكسة كانت حصيلتها استيلاء الصهاينة على القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان، بالإضافة لانهيار تام في معنويات الجيوش العربية التي شاركت في هذه الحرب – الجيش السوري والجيش الأردني – والتي لم يختلف وضعها كثيرًا عن وضع الجيش المصري.
هذه هي النكسة لم تكن حربًا خاضتها مصر بخيارها إنما كانت هجومًا صدته مصر عن “نفسها” ولا ذكر لفلسطين في الأمر.
حرب أكتوبر 1973
بعد الخسائر الفادحة التي تكبدها الجيش المصري في نكسة يوليو/ حزيران، بدأت تحركات مصرية – سورية من أجل استعادة المناطق المحتلة التي سيطرت عليها إسرائيل إبان تلك النكسة.
بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 بتاريخ 22 نوفمبر 1967 الذي يقضي بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها وتجميد الوضع الراهن، عمد الصهاينة التهرب من تطبيق ذلك القرار بالتسويف والمماطلة أطول مدة ممكنة، بهدف تهويد أكبر مساحة من الأرض العربية، بعد وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر في سبتمبر 1970م، تولى الحكم الرئيس أنور السادات.
أدى رفض إسرائيل لمبادرة روجرز في 1970م والامتناع عن تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 إلى لجوء أنور السادات إلى الحرب لاسترداد الأرض التي خسرها العرب في حرب 1967، كانت الخطة ترمي إلى الاعتماد على جهاز المخابرات لعامة المصرية والمخابرات السورية في التخطيط للحرب وخداع أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية والإمريكية ومفاجأة الصهاينة بهجوم من كلا الجبهتين المصرية والسورية.
هدفت مصر وسورية إلى استرداد الأرض التي احتلتها اسرائيل بالقوة، بهجوم موحد مفاجئ، في يوم 6 أكتوبر الذي وافق عيد الغفران اليهودي، هاجمت القوات السورية تحصينات القوات الصهيونية في مرتفعات الجولان، بينما هاجمت القوات المصرية تحصينات الصهيونية بطول قناة السويس وفي عمق شبه جزيرة سيناء.