ازدادت المؤشرات في الساعات الـ24 الماضية الى احتمال تدخل الولايات المتحدة وحلفائها عسكرياً لضرب الآلة العسكرية لنظام الأسد بالرغم من تلميح الرئيس الاميركي باراك اوباما امس الى ان بلاده لن تقدم على التدخل الا بقرار من الامم المتحدة وبعد التثبت من ان الاسد قد استخدم فعلاً اسلحة كيميائية ضد مدنيين سوريين. وقال وزير الدفاع الاميركي تشاك هاغل السبت إن الجيش يستعد لتلقي أمر محتمل من الرئيس اوباما لضرب أهداف في سورية.
وقد اجتمع مستشارو الأمن القومي الأمريكي مع الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض يوم السبت لبحث الخيارات المتاحة للرد على مزاعم استخدام الحكومة السورية أسلحة كيماوية الأسبوع الماضي.
وعارض أوباما التدخل في الحرب الأهلية المستمرة منذ اكثر من عامين في سوريا والتي وصفها بانها “مشكلة طائفية معقدة”. غير أنه قال قبل عام إن الولايات المتحدة ستعتبر الأسلحة الكيماوية “خط أحمر” ويتعرض الآن لضغوط من أجل اتخاذ إجراء ضد الأسد.
وشارك كل من وزير الخارجية جون كيري ووزير الدفاع تشاك هاجل الموجودين في اسيا في الاجتماع عبر دائرة اتصال مغلقة.
وفيما اعلن رسمياً في العاصمة الاردنية عمان ان اجتماعا سيعقد في الايام المقبلة لرؤساء اركان جيوش دول غربية وعربية”لبحث أمن المنطقة وتداعيات النزاع السوري”، وردت امس تقارير عن تعزيز الاولايات المتحدة قواتها البحرية في البحر الابيض المتوسط فيما وصلت ممثلة الامم المتحدة العليا لنزع الاسلحة انجيلا كاين السبت الى دمشق للتفاوض حول سبل اجراء تحقيق بخصوص اتهامات المعارضة السورية للنظام باستخدام اسلحة كيميائية في منطقة غوطة دمشق فجر الاربعاءالماضي.
وفي مقال نشرته النيويورك تايمز بعنوان “المسؤولون في إدارة أوباما يزنون الرد في سوريا”، قالت الصحيفة أن الاجتماع انفض من دون اي قرار، وفقاً لمسؤولين كبار، وسط دلائل على انقسامات عميقة بين اولئك الذين ينادون بارسال رسالة قاسية الى الاسد واولئك الذين يقول بأن القيام بعمل عسكري الآن سيكون عملاً متهوراً وسيء التوقيت.
وكانت الولايات المتحدة قد اكدت للمرة الاولى في نيسان (ابريل) ان الحكومة السورية قد استخدمت اسلحة كيماوية، وتمثل رد فعل المسؤولين في ادارة اوباما باشارات الى انهم سيزودون الثوار باسلحة. ولكن لم يصل اي منها حتى الآن، كما يقول مسؤولون في المعارضة (السورية).
وقال مسؤولون أمريكيون ان الادارة تظل منقسمة حول المسيرة التي تتخذها. وقال احد كبار المسؤولين الذي طلب عدم الكشف عن هويته “هناك انقسام بين الذين يشعرون ان علينا ان نعمل الان، واولئك الذين يشعرون ان الوقت الحالي سيء للغاية لاتخاذ اجراء الان”.
وإزاء هذا الوضع تواجه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي سيناريوات مختلفة لتدخل عسكري في سورية تتراوح بين القضاء على ترسانة النظام من الأسلحة الكيماوية وإقامة منطقة حظر جوي، غير أنها تنطوي جميعها على عواقب ومخاطر تثنيها منذ أكثر من سنتين عن التدخل.
فيقترح بعض الخبراء إقامة مناطق عازلة على طول حدود سورية مع تركيا وربما الأردن أيضاً، تكون بمثابة مناطق آمنة للاجئين وقاعدة خلفية لمقاتلي المعارضة.
ومع هذا الخيار تبقى المنطقة التي سيترتب على القوات الدولية السيطرة عليها محدودة غير أن رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي حذر في رسالة إلى أحد النواب في الكونغرس الأميركي من أن هذه المهمة لن تكون سهلة، وقال أنه «سيكون من الضروري استخدام القوة القاتلة للدفاع عن المناطق من هجمات جوية وصاروخية وبرية».
وأضاف أن «هذا سيتطلب إقامة منطقة حظر جوي محدودة مع ما يرافقها من موارد ضرورية. وسنحتاج إلى إرسال آلاف العناصر من القوات على الأرض حتى لو تم نشرها خارج سورية، لمساندة الذين يدافعون عن المناطق».
وحذر الخبير في الشؤون الأمنية في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» أنتوني كوردسمان من أن مثل هذا التدخل قد لا يكون كافياً، وقال إن «هذا قد يعني هزيمة مقاتلي المعارضة أو إعطاء نظام الأسد السيطرة على القسم الأكبر من سورية بحيث لا يترك سوى القليل لمقاتلي المعارضة، يقتصر على ما يوازي مخيمات لاجئين مسلحة عند أطراف سورية أو حدودها» من دون تمكينهم من الانتصار. وأضاف: «قد ينتهي الأمر أيضاً بإيواء اللاجئين السوريين قرب منطقة الحدود من دون منحهم أي أمل حقيقي للمستقبل».
يهدف الخيار الثاني إلى إقامة منطقة حظر جوي فوق سوريا، الخيار الذي اقترحه عدد من أنصار تدخل عسكري، يرمي إلى منع النظام من استخدام طائراته ومروحياته لقصف المعارضة والسكان المدنيين وإمداد قواته.
وقال السناتور الأميركي الجمهوري جون ماكين إن هذا الخيار يمكن تطبيقه بسهولة نسبياً، غير أن خبراء آخرين حذروا من أنه لا يخلو من المخاطر.
وأوضحت دراسة لسلاح الجو الأميركي أن «شبكة الدفاعات الجوية السورية عند اندلاع الحرب الأهلية كانت تعد من الأكثر قدرة وحجماً، ربما بعد كوريا الشمالية وروسيا فقط».
وجاء في الدراسة أن «المدى الذي تغطيه الصواريخ والرادارات يقدر بنحو 650 موقعاً للدفاع الجوي، يؤوي الأكثر خطورة منها صواريخ «غامون أس أيه-5» البالغ مداها 300 كلم والقادرة على الارتفاع إلى مسافة 30 ألف متر».
ويفترض هذا الخيار أيضاً قصف المطارات والبنى التحتية المساندة ويتطلب استخدام «مئات» القاذفات وطائرات التموين والاستطلاع والحرب الإلكترونية للتشويش على رادارات العدو، بحسبما أوضح الجنرال ديمبسي.
وبحسب دراسة أجراها «معهد الدراسات الحربية» فان الضربات الأولى وحدها تتطلب نحو 72 صاروخ كروز للقضاء على القواعد الجوية الرئيسية لنظام دمشق.
وقال أنتوني كوردسمان إن خيار التدخل هذا يفترض استخدام قواعد جوية في دول قريبة لسورية ومشاركة البريطانيين والفرنسيين والسعوديين والإماراتيين والقطريين لإضفاء شرعية دولية أكبر في مواجهة معارضة روسيا والصين.
وعلى الرغم أن معظم ضحايا النزاع في سورية الذين تخطى عددهم مئة ألف قتلوا بالأسلحة التقليدية، إلا أن شن هجوم كيماوي الأربعاء في ريف دمشق أثار موجة استنكار شديد في العالم.
ويعتقد الخبراء أن النظام السوري يخزن مئات الأطنان من غازات «سارين» و «في. اكس» والخردل، وارتفعت أصوات تدعو واشنطن إلى قيادة عملية للقضاء على هذا المخزون أو ضبطه ومنع استخدامه ضد المدنيين أو وقوعه بأيدي إرهابيين.
غير أن الجنرال ديمبسي لم يبد تأييداً لمثل هذه العملية. وقال إن «هذا الخيار يفترض كحد أدنى إقامة منطقة حظر جوي وتسديد ضربات جوية وصاروخية تشارك فيها مئات الطائرات والبوارج والغواصات وغيرها».
كما أضاف أنها «تتطلب إرسال الآلاف من عناصر القوات الخاصة وغيرها من القوات على الأرض لمهاجمة المواقع الحرجة وضمان أمنها»، مشيرا إلى أنه حتى بمشاركة مثل هذه القوات فإن النتيجة غير مضمونة.
وكانت نيويورك تايمز قد نقلت عن مسؤول رفيع في الادارة الاميركية قوله إن سابقة كوسوفو هي احد الخيارات التي تُناقش خلال الاجتماعات المتواصلة في البيت الأبيض بشأن الأزمة السورية. كما يناقش المسؤولون ما إذا كانت نتائج غير مقصودة ستترتب على توجيه ضربة عسكرية، بما في ذلك زعزعة استقرار دول مجاورة مثل لبنان، أو التسبب في نزوح حتى أكبر للاجئين إلى الاردن وتركيا.
وقال المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إنه من السابق لأوانه القول إننا نعد المسوغات القانونية للتحرك، نظرًا إلى أن الرئيس لم يتخذ قرارًا حتى الآن، “لكن كوسوفو هي بالطبع سابقة لشيء ربما كان مألوفًا”.
ويرى مراقبون أن كوسوفو سابقة بديهية يمكن أن يستند اليها أوباما، لأن مدنيين قُتلوا هناك كما في سوريا، ولأن لروسيا علاقات متينة مع النظام المتهم بقتلهم. وفي العام 1999، استخدم الرئيس بيل كلنتون موافقة حلف الأطلسي وحماية سكان عزل لتبرير 78 يومًا من الغارات الجوية على القوات الصربية.
ويقول محللون ان من المحتمل ان يكون هناك خطر سياسي بالنسبة لمصداقية اوباما، في حال عدم رده على انتهاكات الأسد، وذلك بسبب وضعه خطا احمر الصيف الماضي يحظر على الاسد استخدام اسلحة كيميائية.
فبحسب الورقة التي نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فإن الولايات المتحدة تعاني من التركيز على مخاطر التدخل العسكري في سوريا بدون حساب المخاطر من عدم التدخل.
وكان أوباما قد قال في مقابلة مع شبكة “سي ان ان” بثت الجمعة إن الوقت يقترب بشأن اتخاذ رد محدد على “الاعمال الوحشية” من جانب الحكومة السورية. وسئل اوباما عما اذا كانت الحكومة الأميركية تواجه الآن إطارا زمنيا أكثر قصرا بشأن اتخاذ قرارات مهمة تتعلق بسورية، فرد مرارا بقوله “نعم”.