قلق سياسي في تونس بعد استقالة قائد أركان الجيش

عند الحديث عن قائد الأركان في جيوش العالم الثالث، يذهب ذهن القارئ إلى أمرين مصيريين: الأول هو الدور الدفاعي للجيش وأهمية الاستقرار داخل هذه المؤسسة السيادية، والثاني هو الدور السياسي للجيوش العربية التي دأبت على تنفيذ انقلابات عسكرية ناجحة وفاشلة في موريتانيا ومصر وتركيا والجزائر وحتى إندونيسيا وغيرها من دول الشرق والغرب.
وإن كانت تونس لم تعش إلى الآن انقلابات عسكرية كتلك التي عاشتها تركيا ومصر والجزائر وغيرها من دول المنطقة، فإن قائد الأركان فيها كان له دور حاسم في السنوات الأخيرة، عبر الجنرال “رشيد عمار” الذي يقال إنه رفض إنقاذ الرئيس الهارب “زين العابدين بن علي” من مأزق الثورة التي أطاحت به وفتحت الطريق أمام الربيع العربي، أو عبر الجنرال “محمد الحامدي” الذي خلف الجنرال عمار وقال عنه الرئيس التونسي الحالي “المنصف المرزوقي” إنه ومؤسسته وقفوا سدًا منيعًا في وجه محاولات انقلابية استهدفت قلب نظام الحكم في تونس خلال سنة 2013.
والخبر الذي شغل وسائل الإعلام التونسية طيلة الأيام العشرة الماضية، هو خبر استقالة قائد أركان جيش البر “محمد الحامدي” الذي مضى أقل من سنتين على تعيينه؛ حيث فُسر الخبر وأُول إلى روايات مختلفة تراوحت ما بين القول بأنه استقال بإرادته أو أُقيل بانقلاب من داخل المؤسسة العسكرية أو أُبعد بأمر من المؤسسة العسكرية الجزائرية.
والتأويل الأول – وهو الأكثر هدوءًا – ذهب إلى أن الجنرال الحامدي استقال بسبب خلاف قائم بين رئيس الجمهورية – القائد الأعلى للقوات المسلحة – ووزير الدفاع في حكومة التكنوقراط التي تشكلت قبل أشهر، وذلك بسبب تضارب التعيينات والأوامر الواردة من المرزوقي مع تلك الواردة من وزير الدفاع، مما جعل الجنرال الحامدي يختار “النأي بالنفس” عن هذه الخلافات التي قد تؤثر سلبًا على المؤسسة العسكرية.
وأما التأويل الثاني والذي لاقى رواجًا أكبر، فقد استند إلى حقيقة أن الحامدي عُين من قبل المرزوقي من خارج الخيارات التي كانت مطروحة أمامه إثر استقالة الجنرال عمار، محبطًا بذلك خطة انقلابية عسكرية كانت تهدف – حسب أصحاب هذا التأويل – إلى تصعيد جنرال جديد على المشهد السياسي على عكس الجنرال عمار الذي كثر تداول اسمه سلبًا وإيجابًا خلال السنوات الماضية، ليقوم في وقت لاحق بتنفيذ “انقلاب عسكري” مطابق للانقلاب الذي عاشته مصر بعد “الإطاحة” المزعومة بالجنرال محمد طنطاوي وتعيين الجنرال عبد الفتاح السيسي.
ويمضي أصحاب هذا التأويل في القول بأن تصعيد المرزوقي للجنرال الحامدي من ملحق عسكري في بنغازي الليبية إلى قائد لأركان جيش البر، أفسد المخطط الانقلابي وجعل الساعين إليه يعملون على إفشال الجنرال الحامدي منذ اليوم الأول لوصوله لقيادة الأركان، وذلك بهدف إقصائه وتصعيد جنرال آخر لا يقف “سدًا منيعًا” في وجهة محاولات انقلابية جديدة ربما تكون من داخل الجيش وربما تكون من خارجه.
وأما التأويل الثالث، فيذهب إلى أن قرار إبعاد الجنرال الحامدي اُتخذ في الجزائر بعد زيارة رئيس الحكومة الحالي “مهدي جمعة” للعاصمة الجزائرية؛ حيث يقول أصحاب هذا التأويل إن الجزائر ضغطت بكل قوتها على الجمهورية التونسية لإجبارها على التخلي عن الجنرال الحامدي بعد حصوله على دلائل تدين مؤسسات تابعة للجيش الجزائري بتحريك مجموعات إرهابية مسلحة في شمال البلاد وبتسهيل حركتها بين الحدود الجزائرية والتونسية حتى تنفذ عمليات إرهابية تربك المسار السياسي في تونس وتُشرعِن الإطاحة الأمنية أو العسكرية بالمسار الانتقالي السياسي، حسب أصحاب هذا التأويل.
وإذ اكتفت وزارة الدفاع بالإعلان عن قبول استقالة الجنرال الحامدي بعد أسبوع من تقديمها، قالت رئاسة الجمهورية التونسية على لسان المتحدث الرسمي “عدنان منصر” إن الاستقالة قُبلت وما كانت لتُقبل لولا إصرار الجنرال الحامدي عليها، وأن الأسباب الصحية المذكورة في نص الاستقالة لا علاقة لها بالأسباب الحقيقية التي دفعت الجنرال الحامدي إلى الاستقالة وعلى الإصرار على الاستقالة.
كما أشار عدنان منصر إلى أن رئاسة الوزراء تعلم جيدًا الأسباب الحقيقية لاستقالة الحامدي وأنها تمتنع حاليًا عن الكشف عن هذه الأسباب لأنها ترى أن مصلحة البلاد تقتضي هذا التكتم.
تصريح رئاسة الجمهورية:
وبغض النظر عن صحة التأويلات الثلاثة وغيرها من التأويلات التي لم تُذكر في هذا التقرير، تبقى نتائج هذه التأويلات كلها معلقة بالخطوة القادمة التي يجب أن يتخذها رئيس الجمهورية والمتمثلة في تعيين قائد جديد لأركان جيش البر، حيث قال بيان رسمي لرئاسة الجمهورية إنه سيُختار حسب المعايير التالية: “الخبرة والأقدمية والحياد السياسي ونظافة اليد”.