مساء أمس، كتب رئيس شرطة دبي “ضاحي خلفان تميم” على صفحته على موقع تويتر قائلاً: “حماس تعطي الزعامة لقطر ولتركيا”:
لو اعطيت الزعامة العربية والاسلامية لخادم الحرمين الشريفين لتغير الامر لكن حماس تعطي الزعامة لقطر ولتركيا..فماذا تنتظر !!!
— ضاحي خلفان تميم (@Dhahi_Khalfan) August 1, 2014
وتابع الرجل الذي يٌتهم عادة بدعم الثورات المضادة في المنطقة:
كل الدول العربية كانت تحت نير الاحتلال في الماضي ولم تحرر الا بعرب الجزيرة العربية. اتركوا الامر للملكة تنقذوا من التهلكة..اتباعكم لقطر خطر
— ضاحي خلفان تميم (@Dhahi_Khalfan) August 1, 2014
فيه عاقل يترك السعودية العملاقة ويتعلق بقطر الا تجار مقاومة حماس.!
— ضاحي خلفان تميم (@Dhahi_Khalfan) August 1, 2014
تصريحات خلفان جاءت معبرة عن المشهد العربي الحالي، فمع تصاعد الأحداث في فلسطين المحتلة بسبب الحصار المصري الإسرائيلي المدعوم من السعودية والإمارات لقطاع غزة، برز الدور القطري والتركي بشدة كممثل للحالة المقاومة في المنطقة، لاسيما بعد تحديد السعودية لانحيازاتها ودعمها المؤسس للنظام المصري المعادي للمقاومة والمؤيد لإسرائيل.
لم يبرز الدور القطري في القضية الفلسطينية إلا بعد غياب السعودية بشكل شبه كامل عن المشهد في فلسطين، بعد سنوات من توقيع اتفاق مكة لإنهاء الاقتتال الداخلي الفلسطيني في 2007، الذي رعاه الملك السعودي والذي لم تلتزم به حركة فتح ومن ثم تبعه “الحسم العسكري” الذي سلم السلطة في قطاع غزة لحركة حماس.
لكن هل كانت لحظة اتفاق مكة هي اللحظة الأصل في الموقف السعودي أم اللحظة الاستثناء؟
منذ العقد الأخير في القرن العشرين، كانت السعودية صاحبة موقف مشين من القضايا العربية، ففتحت أراضيها وأجواءها للاحتلال الأمريكي ولغزو العراق؛ وهو ما أثار موجة اعتراض هائلة في العالمين العربي والإسلامي، بما في ذلك العديد من الاعتراضات داخل السعودية، وهو ما تبعه قمع شديد لكل أطراف المعارضة السعودية، ولم تكن السعودية ذات توجه مختلف في القضية الفلسطينية، إذ كانت أكثر تعبيرًا عن العقلية الانهزامية التفاوضية التي تمثلها حركة فتح من عقلية تيار المقاومة الفلسطينية، وتجلى ذلك في مبادرة السلام العربية التي قدمها الملك عبد الله بن عبد العزيز في 2002 ونصت على قبول الدول العربية بتقسيم فلسطين وتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل إنشاء دولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية.
وكانت المبادرة السعودية بمثابة الانقطاع التاريخي في الدور السعودي في فلسطين.
السعودية التي استٌنزفت في مشكلاتها الداخلية وبعد الربيع العربي في التدخل في شئون مصر والعراق والبحرين وسوريا، لم تستطع الإبقاء على علاقاتها بالمقاومة، وبنظرة غير أخلاقية للصراع في سوريا، فإن الدعم السعودي اللامحدود لإسقاط النظام السوري، وحربها المعلنة ضد إيران، مع دعمها للتيار المؤيد لإسرائيل في مصر، بالإضافة إلى علاقتها بالطرف المعادي للمقاومة داخل فلسطين، كل تلك العوامل شكلت أسبابًا للمقاومة الفلسطينية لإزالة الرياض من قائمة الحلفاء وضمها لقوائم أخرى ليست بعيدة عن ذات القائمة التي تضع فيها إسرائيل أو الولايات المتحدة.
ومع الإطاحة بنظام مبارك في القاهرة، وجدت المقاومة الفلسطينية جوارًا يٌعتمد عليه، لا نتحدث هنا عن القاهرة فحسب، لكن عن محور جديد تشكل في هذه المرحلة، ولم يكن تشكل هذا المحور غير سر يعرفه الجميع، فبالإضافة للقاهرة، انضمت الدوحة وأنقرة وحتى طرابلس وتونس لمحور داعم للمقاومة ومؤيد لمطالبها.
ظهر ذلك مبكرًا في اتفاق القاهرة الذي تم توقيعه بعد قرابة الشهرين من الإطاحة بمبارك، بعد محادثات شارك فيها الفلسطينيون بعد أقل من شهر من الإطاحة بالديكتاتور المصري، وفي 27 أبريل 2011 تم الاتفاق على اتفاق مصالحة شامل، تبعه في فبراير 2012 اتفاق آخر برز فيه الدور القطري هذه المرة.
ففي 6 فبراير 2012 جرى توقيع اتفاق بين حركتي فتح وحماس بحضور أمير قطر في العاصمة القطرية الدوحة ووقعه محمود عباس نيابة عن حركة فتح وخالد مشعل نيابة عن حركة حماس بهدف تسريع وتيرة المصالحة الوطنية الفلسطينية.
ولم تتغير معادلة التحالفات تلك، بل ازدادت صلابة مع الموقف المصري الذي رافق الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في نوفمبر 2012، وهو الموقف الذي يمكنك أن تلحظ أثره في الشارع الفلسطيني إذا ما زرت غزة في الفترة اللاحقة للحرب الإسرائيلية، إذ اعتبر الغزيون أن الرئيس المصري محمد مرسي قد استطاع أن يضغط على الأطراف جميعها من أجل الوصول إلى حل مرض لجميع الأطراف، وهو موقف لم يقبله الإسرائيليون بسهولة.
واجتمع الفلسطينيون مرة أخرى في القاهرة في يناير 2013 عقب انتهاء الحرب، وأكدوا جميعًا على التزامهم باتفاقات القاهرة والدوحة.
وبينما كان ذلك التحالف يزدهر، كان هناك تحالف آخر يتشكل وينمو كذلك، يضم الرياض وأبوظبي وأطرافًا مصرية وفلسطينية بالإضافة إلى مباركة إسرائيلية واضحة، ولم يمض وقت طويل حتى شارك العسكر المصريون السعودية وأبوظبي في الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب وأعاد مصر من جديد إلى دائرة تحالفاتها القديمة، منذ الأيام الأولى للانقلاب العسكري قرر الحاكم العسكري الجديد أن يغلق قطاع غزة على أهله تمامًا، وقرر التحالف مع الإسرائيليين للقضاء على شرايين الحياة الواصلة لمقاومي غزة ومدنييها على حد سواء، سمحت تل أبيب للجيش المصري أن يدخل إلى سيناء للتخلص من الجهاديين ولإحكام إغلاق غزة، لكن المحور الذي كان قد تشكل لم ينهزم بسهولة، فمع ظهور تركيا كقطب في المنطقة، وبديل لإيران بسبب غيابها في الوحل السوري وموقف المقاومة منها، استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تعتمد على الأتراك والقطريين في الحصول على الدعم المادي والسياسي.
يمكن القول إنه مع الفراغ الذي أحدثه الغياب السعودي المصري عن المشهد، كان الباب مفتوحًا أمام قوى مختلفة للصعود، ليس من المستغرب أبدًا بالنسبة لأي متابع أن يشهد الصعود القطري التركي على حساب الدور السعودي، فلم تعد لدى الرياض أي ميزة نسبية بتحالفها مع إسرائيل، فالذي تقدمه الرياض لن يختلف كثيرًا عن الضغط الذي ستقوم به مصر على المقاومة، بل إن المقاومة هي ذات اليد العليا في الوقت الحالي، إذ أن بيديها أوراق ضغط تتمثل في إعادة الدور الإيراني للمنطقة أو تفعيل النفوذ التركي والقطري أكثر، أو حتى الضغط على إسرائيل وهو ما سيؤدي للضغط على المصريين بشكل مباشر.
إذا كانت السعودية – بالفعل – تبحث عن دور أكبر في القضية، فإن عليها أن تبحث عن ميزة نسبية تمكنها من العودة مرة أخرى، ومع سلسلة التحالفات تلك، لا يبدو أن دور الرياض سيختلف كثيرًا عن أي دور ناعم أو قوي تقوم به القوى الحليفة لها في القاهرة أو في تل أبيب.