في الخامس من يونيو عام 1967، احتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية والضفة الغربية وقطاع غزة من أرض فلسطين. قد تبدو تلك الجملة بسيطة، إلا أنها تحمل في طياتها الكثير، فقد احتلت إسرائيل قطاع غزة بينما كان تحت الحكم المصري، إذ أدار المصريون غزة لفترة امتدت من حرب فلسطين عام 1948 إلى الاحتلال الإسرائيلي في 67 عدا عدة أشهر عقب العدوان الثلاثي على مصر في 1956.
ففي عام 1917، سقطت غزة بيد الجيش الإنجليزي، ودخلت المدينة مع باقي مدن فلسطين مظلة الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1920، وأصبحت غزة مركزا لقضاء غزة في تلك الفترة حتى وقوع النكبة، أصبحت جزءا من فلسطين في فترة الانتداب البريطاني وتم اضافتها إلى الدولة الفلسطينية المقترحة عندما أصدرت الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية عام 1947، ولكن قامت مصر بدخول المدينة عام 1948. في فبراير عام 1949 وقعت كل من مصر وإسرائيل هدنة تقضي باحتفاظ مصر بالمدينة ولذلك كانت مأوى لكثير من اللاجئين الفلسطينيين عند خروجهم من ديارهم. وبقيت تحت الحكم المصري حتى النكسة.
في فترة العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 قامت إسرائيل باحتلال المدينة والسيطرة على شبه جزيرة سيناء المصرية، لكن الضغط العالمي على إسرائيل اضطرها للانسحاب منها.
ومع حرب أكتوبر 1973 كان يُتوقع أن يستمر الزحف المصري، أو حتى أن يتناول المفاوض المصري إعادة غزة مرة أخرى للإدارة المصرية بما أنها قد احتُلت وهي تحت الحماية المصرية، إلا أن شيئا من ذلك لم يكن.
وبحسب الناشط حسام الحملاوي فإن العداء للمقاومة الفلسطينية متأصل في السياسة المصرية، وليس وليد اللحظة تجاه حركة حماس، و “تواصلت هذه الحالة عبر حكم جميع الرؤساء في مصر، لكنها وصلت إلى ذروات جديدة تحت حكم السيسي”.
ورغم تحسن العلاقات المصرية الإسرائيلية على مدار عقود تبعت معاهدة كامب ديفيد، إلا أن المصريين لم يناقشوا على الإطلاق أوضاع الفلسطينين في غزة إلا بشكل هزيل، واختلف الأمر في السنوات اللاحقة للانتفاضة الثانية بحيث لعب نظام مبارك دورا متواطئا مع الإسرائيليين للضغط على أهالي غزة.
وبعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جاءت بحركة حماس إلى السلطة في فلسطين، والاقتتال الداخلي الفلسطيني الذي أشعلته حركة فتح، قبل أن تسيطر حماس على قطاع غزة في صيف عام 2007 قرر المصريون عقاب أهالي غزة بشكل جماعي، وبدأ الحصار الإسرائيلي المصري الذي تزايد بشكل شديد على مدار السنوات التالية.
ومع اعتماد أهالي قطاع غزة على الأنفاق في توفير احتياجاتهم الأساسية، قرر نظام مبارك إغلاق تلك الأنفاق بشكل كامل عبر إنشاء جدار فولاذي تحت الأرض لمنع أهالي القطاع من الوصول إلى سيناء.
الجدار الفولاذي كان فكرة إسرائيلية بالأساس، وبنظرة سريعة على إمكاناته يمكن ملاحظة التصميم الذي أبداه نظام مبارك في حصار الفلسطينيين، فالجدار الذي بدأ العمل في إنشائه في الربع الثاني من 2009 يمتد بطول 10 كم (يبلغ طول الحدود المصرية مع غزة 12-15 كم) وعمق يتراوح من 20 إلي 30 متر تحت سطح الأرض ويتكون من صفائح صلبة طول الواحدة 18 متر وسمكها 50 سم مقاومة للديناميت ومزودة بمجسات ضد الاختراق، كما يضمن ماسورة تمتد من البحر غرباً بطول 10 كم باتجاه الشرق يتفرع منها أنابيب مثقبة يفضل بين كل واحدة والأخرى 30 : 40 م تقوم بضخ الماء باستمرار بهدف إحداث تصدعات وانهيارات للأنفاق.
وقد نتج عن الحصار الطويل والخانق تعطل جميع المصانع وزيادة نسبة البطالة لتتجاوز ال 80% لتصبح أعلى نسبة بطالة في العالم، إضافة لنقص حاد في الأدوية والمواد الطبية كافة، ووفاة نحو 400 مريض خلال 9 أشهر فقط لعدم تمكنهم من السفر للعلاج في الدول الأخرى أو لنقص المعدات والادوية اللازمة لعلاجهم، كما أن حركة البناء تعطلت تماما، مما زاد ازمة اصحاب البيوت التي دمرت في الحرب على غزة في 2008 والتي يزيد عددها على 4100 بيتا وشقة سكنية.
الحرب على غزة ذاتها تم إعلانها، بحسب مراقبين، من القاهرة أثناء لقاء رئيسة الوزراء الإسرائيلية تسيبي ليفني مع أحمد أبوالغيط وزير الخارجية المصري.
استمرار الحصار أدى إلى تزايد الغضب الشعبي حول العالم تجاه إسرائيل ومصر، وهو ما أدى إلى تسيير قوافل إغاثية عدة، منع النظام المصري وصول معظمها إلى فلسطين، فيما منعت إسرائيل وصول أي قوافل عبر الأراضي المحتلة، وحتى عبر البحار، حيث هاجمت سفينة المساعدات التركية “مافي مرمرة” وقتلت تسعة أتراك من بين من كانوا على متنها.
وبعد حادثة السفينة التركية أمر الرئيس المخلوع حسني مبارك بفتح المعبر بشكل دائم. وبعد الثورة المصرية وسقوط نظام مبارك تم فتح المعبر بشكل كامل دون اي قيود وسُهلت حركة المسافرين بشكل سلس وألغي نظام الترحيل التعسفي للمسافرين الفلسطينيين، ما أثار حفيظة الحكومة الإسرائيلية فبعث الاحتلال بمدير المخابرات الإسرائيلية عاموس جلعاد ليلتقي مدير المخابرات المصرية، وبعد لقائهما تم اغلاق المعبر لمدة اربعة أيام ووضع اعمدة خشبية عملاقة ونشر عشرات الجنود المصريين لمنع المسافرين المقهورين من اقتحام بوابة المعبر بحجة اعمال الصيانة. وبعدها فتح المعبر ولكن بشكل جزئي حيث لا يسمح الجانب المصري بمرور أكثر من 250 شخص يوميا بالإضافة إلى تحديده قائمة كبيرة من الممنوعين من سكان القطاع من دخول الاراضي المصرية أو المرور عبرها بحجج واهية أو لدواعي أمنية، وهو ما لم يتغير بشكل كبير إبان فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي.
وبعد الانقلاب العسكري الذي كان لحظة هزيمة للثورة المصرية، أعاد الجيش المصري إغلاق المعبر بشكل كامل، كما حارب الأنفاق التي تنقل الحياة إلى غزة، وساعد الإسرائيليين في عملياتهم المستمرة ضد القطاع.
وبعد أيام من بدء الحرب على غزة، ووسط تجاهل رسمي من الرئيس العسكري الجديد للبلاد، قدم المصريون مبادرة وافقت عليها إسرائيل “في سبيل نزع سلاح قطاع غزة من الصواريخ والانفاق عبر السبل الدبلوماسية” بحسب تعبير بنيامين نتنياهو.
المبادرة التي صاغتها إسرائيل في غياب فلسطيني كامل، عرضها المصريون بينما كان الإعلام المصري يدعو الإسرائيليين لقتل المزيد من أهالي غزة وسحق المقاومة الفلسطينية.
التحالف المصري الإسرائيلي وصل ذروته إذ نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية مقالا للأكاديمي الأمريكي ستيفن كوك يقول فيه ” إن مصر لم تكن أبدًا وسيطًا للتهدئة في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وأن النظام المصري الحالي مستفيد من الاجتياح البري لقوات الاحتلال على قطاع غزة.”
وأردفت المجلة بالقول: “نظرًا للدعاية المعادية لكل من جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس في مصر، والتي تقوم عليها شرعية الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بشكل جزئي، فإن العنف الدائر في غزة يخدم مصالحه السياسية وأهدافه عمومًا”.
جدير بالذكر أن الإعلام المصري بدأ في اجترار العديد من المقولات التي تبرر التخاذل المصري، بما فيها العديد من المقولات المغلوطة، مثل الحديث عن بيع الفلسطينيين لأراضيهم أو أن مصر تضررت طوال تاريخها بسبب دعمها للفلسطينيين، وهو الأمر الذي يثبت خطأه بنظرة غير متفحصة للتاريخ.
ولا يمكن القول إن المواقف الرسمية المصرية دوما ما كانت معبرة عن المزاج الشعبي، المزاج الشعبي ظهر على الأرض عقب الثورة المصرية من تسهيل لتعامل المصريين مع الفلسطينيين، وخلال العديد من المشاهد مثل مشهد دخول قافلة ضخمة تجاوز عدد المشاركين فيها أكثر من 500 شخص خلال الحرب الإسرائيلية على غزة في 2012.