تعتبر إسرائيل أكبر مستوعب للمساعدات الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، وقد تلقّت حتى هذا العام ما مجموعه 121 مليار دولار أمريكي من أموال دافعي الضرائب في الولايات المتّحدة الأمريكية، الجزء الأكبر منها يتم تقديمه على شكل مساعدات عسكريّة.
اذ تتلقى تل أبيب ضمن برنامج التمويل العسكري الخارجي الأمريكي 3.1 مليار دولار سنوياً، بالإضافة الى مساعدات عسكرية غير مباشرة ضمن برامج عسكريّة متعدّدة منها برامج الدفاع الصاروخي المختلفة.
وتشكّل المساعدات العسكريّة الأمريكيّة لتل أبيب حوالي 1.5% من الناتج المحليّ الاجمالي لإسرائيل وحوالي 21% من موازنة البلاد العسكرية أي اكثر من خمسها بقليل. وعلى عادته، قام الكونغرس في العام 2014 بإقرار المساعدة السنوية لإسرائيل بالإضافة الى 504 مليون دولار للقبة الحديدية ومخصصات أخرى لبرامج عسكرية مشتركة.
بالإضافة الى هذه المساعدات والتسهيلات، تودع الولايات المتّحدة في اسرائيل أسلحة وذخائر بقيمة مليار دولار يحق للجيش الاسرائيلي استخدامها فيما تسميه “وقت الأزمات”. وقد قامت تل أبيب على ما يبدو باستخدام جزء من المخزون في الهجوم على غزة بدليل أنّها وجّهت طلبا للادارة الأمريكية بتعويض النقص الحاصل في هذا المخزون الاستراتيجي من الأسلحة، وقد وافق البنتاغون على تلبية الطلب الاسرائيلي بالتزامن مع ارتفاع عدد ضحايا المدنيين الفلسطينيّن الى أكثر من 1300 شهيد.
هذا النوع من الدعم الأمريكي التقليدي لاسرائيل لا يخفى على أحد، لكنّ العدوان الإسرائيلي الأخير على الفلسطينيّن كشف بعدا آخر أيضا. في 20 يوليو الماضي، نجحت المقاومة الفلسطينية في القضاء على 13 جندي إسرائيلي من قوات النخبة “لواء غولاني”. وقد تبيّن ان من بين هؤلاء مقاتلين أمريكيّين هما ماكس ستينبرغ (24 سنة) ونسيم سيان كارميلي (21 سنة) انضما الى الجيش الاسرائيلي حديثا.
وعلى الرغم من انّ انضمام المقاتلين الأجانب للجيش الاسرائيلي ليس جديدا، لكن لم يسبق له أن وصل الى هذا الحجم. اذ ينضم سنويا الى الجيش الإسرائيلي ما بين 800 الى 100 مقاتل اجنبي يعرفون باسم (Lone Soldiers) على اعتبار أنّهم يتركون أهلهم في بلدانهم الأصليّة ويأتون وحيدين الى اسرائيل.
ويقدّر أحد هؤلاء الجنود الأجانب العدد الكلي لزملائه في الجيش الاسرائيلي بحوالي 4600 مقاتل، فيما يقدّر مدير مركز “الجندي الوحيد” جوش فلاستر العدد بنحو 6 ألاف مقاتل أجنبي حوالي ثلثهم من الولايات المتّحدة بينما يأتي الآخرون من روسيا وفرنسا والأرجنتين ودول أخرى، وهو ما يتطابق مع تصريحات للمتحدثة باسم القنصلية العامة الاسرائيلية في لوس أنجلس مارينا لوزهانسكي تقول فيها أنّ “هناك حوالي ألفي أمريكي يقاتلون في صفوف الجيش الإسرائيلي”، العنصر المشترك بينهم جميعا على ما يبدو هو أنّهم يهود.
ويحظى المقاتلون الأجانب في صفوف الجيش الاسرائيلي بمعاملة مميزة عن نظرائهم الاسرائيليين، فهم ينالون ضعف المرتّب الذي يحظى به المجنّد الاسرائيلي، وتذكرة سفر مجانيّة سنويا (ذهابا وايابا) لزيارة أهلهم في بلدهم الأم، والاذن بالاستراحة لمرة واحدة للسفر ، والاذن بالاستراحة في حال زيارة الأهل لهؤلاء الجنود في إسرائيل، بالإضافة الى بطاقات دعم للغذاء والاتصالات الخارجية وغيرها من الخدمات.
وعلى عكس ظاهرة المقاتلين الأجانب في المنطقة، لم تحظ ظاهرة مشاركة مقاتلين أجانب في صفوف القوات الإسرائيلية بتغطيّة إعلاميّة كبيرة في وسائل الاعلام الامريكيّة أو العالمية، ولم يسلّط الضوء عليها. ورغم انّها من الخطورة بمكان بما لا يقل عن ظاهرة المقاتلين الأجانب أو المرتزقة (كبلاك ووتر أو الميليشيات الشيعية)، إلا أنّها مرّت بهدوء.
أما التغطيات الخجولة التي رافقت الحدث في الإعلام الامريكي فقد تبلورت حول اسئلة مثل هل من المسموح للأمريكيين المشاركة في صفوف القوات الإسرائيلية؟ نعم. هل هناك تناقض؟ لا، هل هناك ملاحقة؟ لا. وبهذا المعنى فقد كانت التغطيات التي نشرت في الصحف والمواقع الأمريكية أشبه بحملة تجنيد جديدة لمن يريد القتال في صفوف القوات الاسرائيلية.
لم يقتصر هذا الترويج على المستوى الإعلامي، بل حتى على المستوى الرسمي. السفير الأمريكي لدى إسرائيل دان شابيرو قال في تصريح له أثناء تشييع المقاتل الأمريكي في صفوف القوات الإسرائيلية: “ماكس ابن للولايات المتّحدة، وجندي لإسرائيل ، يمثّل أفضل ما في الدولتين. لقد وهب حياته لحماية هذا البلد والدفاع عنه، وقد شرّف كل من اسرائيل والولايات المتّحدة الأمريكية بخدمته هذه”!!
هل يحق للأمريكيّين الانضمام الى الجيش الاسرائيلي؟ كانت تلك أحدى الأسئلة التي وجّهت للمتحدّثة باسم الخارجيّة الأمريكية ماري هارف بعيد مقتل هذين الأمريكيّين، وقد كان جوابها: “أداء الخدمة في الجيش الاسرائيلي هو شيء يؤدّيه كثير من الأمريكيّين بفخر، وليس لدينا مشكلة”!! ولكنّ جوابها هذا يتناقض تماما مع سؤال مماثل وجّه اليها وأصابها بالارتباك “ماذا اذا كان الأمر يتعلّق بجيش كوريا الشمالية او الصين مثلا؟!”. وقد أظهرت هذه الأسئلة انّ ليس ثمّة قواعد أو اطر دقيقة تحكم هذا الموضوع في الولايات المتّحدة، وهي فرصة يجب استغلالها لمنع هؤلاء من التدفق الى إسرائيل.
في الجانب العربي، هناك تقصير في تسليط الضوء على هذه الظاهرة، وجعلها موضوعا لا يقل اهمية عن موضوع الدعم المالي والعسكري الذي تتلقاه اسرائيل من واشنطن، هناك حاجة الى تسليط الضوء على هذه الظاهرة وعلى مسؤولية امريكيين في الاشتراك في جرائم حرب يقوم بها جيش الاحتلال الاسرائيلي وتجدر ملاحقتهم ومحاسبتهم.
من الممكن تحقيق ذلك من خلال الصحافة المكتوبة (مقالات وتحقيقات ومقابلات) والاعلام (وثائقيات وأفلام قصيرة) بعدّة لغات، اذ لا يجب ان نقلل من فكرة أن يؤدي ذلك الى خلق نقاش في الداخل الامريكي وخلق راي عام ضاغط لا يتقبّل فكرة انضمام الامريكيين الى الجيش الاسرائيلي.
خلال الأيام القليلة الماضية، تابعت بعض الجهود الفرديّة الجميلة في محاولة نقل حقيقة ما يجري وتقريبه للعالم بالطريقة التي يفهمها. فقد شاهدت على سبيل المثال صورة مزدوجة في الجزء العلوي منها وضعت صورة لمدينة تل ابيب وكتب عليها “3 مليار دولار دعم سنوي”، وفي الأسفل صورة لمدينة ديترويت الامريكية في حالة يرثى لها وقد كتب عليها “صفر دولار دعم سنوي”.
كما شاهدت حملة لنشر صورة لخارطة الولايات المتّحدة وهي تتحوّل شيئا فشيئا خلال عام 1948 وعام 1967 وعام 2014 الى اسرائيل مع سؤال كتب على الصورة، ماذا كنت ستفعل؟ في تشبيه لخارطة فلسطين التي تحوّلت خلال تلك المراحل بفعل الاحتلال الى إسرائيل.
لا يجب التقليل من قوّة مثل هذه الحملات وتأثيرها على الرأي العام العالمي والامريكي، لكن المطلوب ان لا تكون فرديّة، واليوم وبفعل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات المتوافرة من الممكن من خلال وسائل بسيطة نسبيا القيام بأفعال مؤثّرة، ففي النهاية، هذا هو جوهر المقاومة الحقيقة لأي إحتلال.