في 22 يوليو الماضي، اعتقلت الشرطة التركية أكثر من 100 شخص من أعضاء الأجهزة الأمنية في إطار التحقيق الجاري بشأن التنصت غير القانوني والذي تم على نطاق واسع في اختراق لخصوصية كبار رجال الدولة التركية دون سبب قضائي.
التحقيق يعود إلى فضيحة التنصت التي كشفتها السلطات في فبراير الماضي والمتعلقة بالتجسس ومراقبة الآلاف من الصحفيين والأكاديميين والسياسيين وكبار المسئولين الحكوميين، وعلى الرغم من أن عشرات من ضباط الشرطة والقضاة تم تكليفهم منذ فبراير بالتحقيق واتخاذ الإجراءات القانونية، إلا أن عملية 22 يوليو تُعد أول استجابة ملموسة من القضاء التركي للطلبات الحكومية والقانونية.
وكانت محكمة في إسطنبول قد قررت اعتقال ضباط شرطة بارزين بتهم التجسس والتزوير، وبهذا القرار، تصل الدولة الموازية التي أنشأها فتح الله غولن إلى نحو غير مسبوق من التدقيق على المستويين العام والخاص.
وعلى مدى العقود القليلة الماضية، تشعبت حركة غولن وشكلت دولة موازية للدولة التركية في قطاعات القانون والقضاء والبيروقراطية الحكومية، وفي السنوات الأخيرة، بدأت هذه المجموعة من المسئولين المنتمين للحركة في تولي مسئولية مؤسسات الدولة بأكملها وتوجيهها بما يخدم مصالح حركة غولن بدلاً من اتباع الطريقة الأمثل للدولة ذاتها.
هذه القوة ظهرت بشدة في أمر للنيابة العامة وجهته للشرطة باعتقال “هاكان فيدان” الذي يشغل منصب رئيس المخابرات الوطنية التركية، ومنذ ذلك الحين، انتقل النزاع بين غولن والحكومة التركية إلى مستوى مختلف، ورغم أن حركة غولن دومًا ما امتنعت عن ربط نفسها بالقضايا الجدلية السابقة مثل قضية أرغنكون وقضايا أخرى، لكن في هذه القضية، هرعت الحركة للدفاع عن أعضائها لمنع الدولة من اتخاذ أي إجراء قانوني ضد المكونات الأخرى من دولتهم الموازية.
وبعد فوزه بأغلبية المقاعد في الانتخابات المحلية الأخيرة قبل أربعة أشهر، أكد حزب العدالة والتنمية الحاكم عبر تصريحات العديد من قياداته نيتهم وتصميمهم على محاسبة حركة فتح الله غولن على الجرائم التي ارتكبوها.
وفي الوقت نفسه، شنت الحركة حملة ضد الحكومة التركية المنتخبة وهو ما أدى إلى تزايد الغضب ضد الحركة في معظم الأراضي التركية بما فيها معاقل الحركة.
الحكومة من جانبها أعلنت عن الحركة أنها حركة سرية تعمل ضد المصالح الوطنية في البلاد، وأصدرت تحذيرًا لأصدقاء غولن في الساحة الدولية، بما في ذلك إدارة الولايات المتحدة حيث يعمل غولن هناك ويتخذ من ولاية بنسلفانيا مقرًا لإقامته حيث يقود الحركة.
تركيا خاطبت الولايات المتحدة كما أن واشنطن تتابع الإجراءات القانونية عن كثب، ولن يكون هناك سبب لمقاومة قرار باعتقال وتسليم فتح الله غولن إذا قامت تركيا بمخاطبة الإنتربول من أجل ذلك، خاصة أن الحركة تعمل بما يضر مصالح الولايات المتحدة في تركيا.
معالجة إشكالية دولة الظل داخل تركيا يمثل عنصرًا حاسمًا في تعزيز سيادة القانون والمساءلة في الحكومة، وفي هذا الصدد فإن الإجراءات الحكومية التركية ستتجاوز حركة غولن لتشمل التشريعات في سبيل تحقيق توازن صحي بين الحريات الفردية والحق في الخصوصية من جانب، وبين جهود منع الجريمة من جانب آخر.
ومن نافلة القول إن الشعب التركي يجب أن يطالب بتطبيق العدالة الناجزة في واحدة من أسوأ انتهاكات الخصوصية في تاريخ البلاد، وفي الوقت نفسه فإن الحكومة لديها الحق في اتخاذ التدابير اللازمة لضمان الأمن القومي ومنع أعمال التجسس، السلطات بدورها يجب أن تقدم أدلة ملموسة وأن تتحقق في المحاكمة شروط المحاكمة العادلة وأن تتأكد من عدم حدوث أخطاء إجرائية قد تقوض مصداقية المحاكمة ككل.
إن 22 يوليو يمثل نهاية الطريق بالنسبة لدولة غولن الموازية، كما يرسل رسالة قوية للبقية عن عواقب الأفعال المشابهة.
المصدر: جريدة صباح