بعد نحو 40 عامًا من استقالة ريتشارد نيكسون لتجنب سحب الثقة الذي كان متوقعًا من قبل مجلس النواب الأمريكي، تتحدث واشنطن عن سحب الثقة مرة أخرى .. من أوباما هذه المرة.
أعضاء في الكونغرس يستنكرون ازدراء الرئيس الأمريكي للقانون الدستوري، بينما يجمع الرئيس أموالاً لحملة مناهضة لعزله، لكن تلك الأموال التي يجمعها أوباما تبدو كما لو كانت أموالاً للدفاع عن أمريكا من العنقاء أو من الغول، فطبقًا للخبراء، الأمر يخضع للأكاذيب والأساطير أكثر مما يخضع للمعايير الدستورية.
هنا خمسة أساطير أوردتها صحيفة واشنطن بوست والرد عليها بخصوص إمكانية عزل أوباما أو سحب الثقة منه بواسطة الكونغرس:
1- أي اتهام يعتبره الكونغرس كافيًا لعزل الثقة يكون كافيًا!
هناك العديدون داخل الولايات المتحدة يطالبون بمحاكمة باراك أوباما وسحب الثقة عنه وعزله لأسباب كثيرة من بينها أزمة بنغازي، واتهامه بـ”تفكيك الجمهورية الدستورية”، واستهانته بالأمن القومي أو بالنظام الانتخابي أو بسبب مشروعه الصحي “أوباما كير” أو لأسباب أخرى، بعبارة أخرى: أي شيء سيصلح! لكن الأمر ليس كذلك.
هذه الاتهامات تتماشى مع ما فعله جيرالد فورد، زعيم الأقلية في الكونغرس عام 1970 والذي قال “الاتهام الذي يستحق سحب الثقة هو الاتهام الذي تقرر الأغلبية أنه كذلك”، وصلح ذلك التفسير فعلاً لعزل قاضي المحكمة العليا بسبب تبنيه أراء ليبرالية تتعلق بفيلم سويدي اعتٌبر إباحيًا!
لكن سلطة الكونغرس الحصرية لسحب الثقة لا تخوله باستغلال تلك السلطة .. هناك حدود واضحة للتهم التي يمكن بسببها عزل الرئيس أو إقالته، من بينها “الخيانة العظمى، الرشوة، أو الجرائم الشبيهة”، لكن أشخاصًا في الكونغرس يريدون أن يخضعوا الأمر لنزواتهم، لقد رفض واضعو القانون أن يضيفوا كلمة “سوء الإدارة” إلى التهم لسبب مثل ذلك تمامًا! وحقيقة أنه خلال تاريخ الولايات المتحدة فإنه ليس هناك سوى رئيسين فقط سُحبت منهما الثقة فإن ذلك يعني أن أعضاء الكونغرس يعرفون قيمة القوة التي بأيديهم وكيف يستخدمونها.
2- يجب أن تشمل الجريمة التي تستوجب العزل على انتهاك للقانون الجنائي
رغم أن هناك سقفًا عاليًا لأسباب الإقالة، إلا أن سبب سحب الثقة لا يجب أن يكون جنائيًا، فيمكن أن يكون سلوكًا جسيمًا أو انتهاكًا لثقة الجمهور بشكل ضخم، الآباء المؤسسون للولايات المتحدة رأوا من ضمن تلك الجرائم، الجرائم السياسية، والتي تستوجب كذلك عقوبات سياسية، بنأي النظر عن الجرائم الجنائية.
مثلاً، لو كان أوباما استخدم أموال قانون الرعاية الصحية في اتجاه آخر خلاف موافقة الكونغرس، فإن ذلك سيعني أن الرئيس يتحدى السلطات الاتحادية بشكل واضح ويأمر بأوامر غير قانونية؛ حينها ينتقل فعل الرئيس من حيز التفسيرات المقبولة إلى كونه أصبح خطرًا على النظام ككل.
3- التاريخ يوضح سوابق لسحب الثقة
للأسف، هذا غير صحيح؛ بل كلينتون سُحبت منه الثقة بسبب جريمة جنائية تعلقت بالكذب تحت القسم وتضليل هيئة المحلفين الكبرى بخصوص علاقته مع مونيكا لينوكس، نيكسون كان ليعُزل بسبب مجموعة واسعة من الأعمال الإجرامية فضلاً عن إساءته استعمال السلطة.
الرئيس أندرو جونسون تمت إقالته في 1868، وحالته شبيهة بحالة أوباما، فقد اتهم جونسون بتنفيذ تعيينات غير دستورية وإساءة استخدام الأموال العامة وانتهاك القانون الفيدرالي، والأهم من ذلك أنه عزل وزير الحرب (الدفاع في ذلك الوقت) إدوين ستانتون وعين نفسه بدلاً منه في تحدٍ سافر للقانون وبقانون اعترضت عليه المحكمة العليا، في النهاية عُزل الرجل طبقًا للمادة العاشرة من القانون والتي اتُهم جونسون على أساسها بعدم احترام الكونغرس في ثلاث من خطبه.
4- عزل الرئيس مثل إعادة الانتخابات في ولاية ما
كثير من الناس يعتقدون أن مناقشة سحب الثقة هي مجرد وسيلة للتعبير عن عدم الرضا أو باعتبارها آلية لتغيير القيادة، وهو ما تحدث عنه بعض الكتاب المحافظين “فلويد وماري بيث براون” حيث كتبا يقولان إن “أوباما يستحق الاستدعاء أكثر مما حدث لحكام الولايات مثل جاري دافيس أو ارنولد شوارزينجر”.
لكن الأمر ليس كذلك في الولايات المتحدة، حيث إن في بريطانيا يكفي تصويت سحب الثقة لعزل الحكومة، لكن أمريكا رفضت ذلك منذ البداية لصالح مزيد من الاستقرار السياسي والقدرة على إكمال الرؤساء فتراتهم الرئاسية.
لا يهم إن كانت استطلاعات الرأي تُظهر أن أكثر من 50% من الأمريكيين لا يوافقون على ما يقوم به أوباما، عدم الشعبية ليست جريمة تستوجب العزل، وسحب الثقة ليست مصممة لمعالجة ندم الناخبين!
5- أوباما يواجه خطر سحب الثقة
صوت الجمهوريون في مجلس النواب يوم الأربعاء الماضي لرفع دعوى قضائية ضد أوباما بتهمة تجاوز سلطته الدستورية، الجمهوريون يريدون أن تكون الدعوى القضائية مقدمة لعزل الرئيس، لكن من غير المرجح أن يحدث ذلك، رغم أن الرئيس قد انتهك القوانين الفيدرالية بالفعل، وقام بتعيين غير دستوري لمسئولين تنفيذيين ونقل الأموال بشكل غير صحيح، هناك العديد من النزاعات التي سينقسم القضاة حولها بخصوص الوقائع الموضوعية، الرؤساء مسموح لهم بتحدي الكونغرس في مثل هذه الصراعات دون الخضوع للمساءلة القانونية، وحتى يمكنهم أن يتجاهلوا أحكامًا قضائية نهائية وحينها يختلف الوضع، لكن أوباما لم يفعل ذلك.
ورغم ذلك، فإن أوباما أثار تساؤلات كثيرة تتعلق بالنظام الرئاسي ككل، وهذه أزمة حقيقية تستحق الاهتمام والنقاش، وحتى ذلك الوقت، يمكن للغول أو للعنقاء أن تخيف من تشاء، إنها أسطورة في النهاية.
المصدر: واشنطن بوست