في 26 سبتمبر 1962 قامت الثورة اليمنية المطالبة بإعلان الجمهورية ضد النظام الملكي في البلاد، سقط رأس النظام سريعًا وهرب إلى الجارة الشمالية “المملكة العربية السعودية”، التي دعمته بشكل ضخم بجانب عدد من القوى الدولية الأخرى.
بعد ثلاثة أيام فقط، وفي الثلاثين من سبتمبر أرسل المشير “عبد الحكيم عامر” القائد العام للقوات المسلحة المصرية، اللواء أركان حرب “علي عبد الخبير” ومعه بعض ضباط الصاعقة والمظلات وغيرهم إلي اليمن لمقابلة أعضاء مجلس قيادة الثورة اليمنية، ثم بدأت مصر في إرسال بعض الوحدات الفرعية من الصاعقة والمظلات للمعاونة في حماية الثورة، ثم تطور الأمر سريعًا حيث ذهب المشير عامر ومعه الفريق أنور القاضي رئيس هيئة العمليات المصرية إلي اليمن وكلفوا بمساعدة الثورة اليمنية بلا حدود، تدفقت القوات المصرية يوميًا من القاهرة إلى صنعاء، وبدأت مصر في إنشاء جسر جوي وبحري ضخم عبر آلاف الكيلو مترات لنقل الرجال والعتاد والأسلحة والمهمات والتعيينات بل والذهب إلي أرض اليمن.
بعد عدة أشهر وصل حجم القوات المصرية في اليمن إلي 130 ألف جندي، ناهيك عن عشرات الآلاف من المعدات والذخائر؛ حتى وصل عدد الذخائر المستهلكة 20 مليون طلقه ذخيرة.
كانت معركة خاسرة تمامًا، أدت في نهاية المطاف إلى أن تصبح سببًا رئيسيًا في هزيمة مذلة للجيش المصري ولجمال عبدالناصر في 1967، واحتلال كامل لأرض فلسطين ولأجزاء من الأردن وسوريا ومصر.
تحولت حرب اليمن إلي حرب استنزاف مفتوحة وقاسية ليس فقط للاقتصاديات المصرية ولكن أيضًا لقواتها المسلحة، إذ سرعان ما نسيت القوات المسلحة المصرية قتال الجيوش وفنون الحروب المعروفة لتنغمس لمدة ست سنوات كاملة في حرب عصابات .. وكر وفر .. وهجوم وتعقب .. وقبض وتحقيق وتعذيب لا يصلح للجيش .. وبذلك فقدت كفاءتها العسكرية وقدرتها القتالية وعادت إلي مصر بعد هزيمة يونيه سنة 1967 لتحتاج إلي إعادة تدريبها وتأهيلها من جديد للحروب الحقيقية وتكتيكاتها مع الجيوش.
وفي النهاية قام عبدالناصر بعقد اتفاق مع الملك فيصل بن عبد العزيز لسحب القوات المصرية من اليمن وتسوية النزاع بين الدولتين، لقد كانت حرب اليمن كابوسًا حقيقيًا للساسة المصريين وللعسكريين كذلك، إلا أن الدرس اليمني يبدو أنه قد نُسي من قبل قادة الانقلاب العسكري الحاكمين في مصر الآن، أو أن مغريات الدخول في حرب جديدة قد أعمت الحاكم العسكري عبد الفتاح السيسي عن مخاطر الحرب والدروس الاستراتيجية التي تعلمها الجيش في حرب اليمن.
فبعد فشل الانقلاب العسكري في ليبيا، وفشل الجنرال خليفة حفتر في تنفيذ ثورة مضادة بدعم مصري إماراتي ضد المؤسسات الليبية المنتخبة، كتب عمرو موسى، أحد المدنيين القلائل المقربين من الرئيس العسكري في مصر على صفحته على موقع تويتر يدعو لتهيئة الرأي العام المصري لخوض معركة “للدفاع عن النفس”:
الوضع في ليبيا مصدر قلق كبير لمصر ودول الجوار الليبي وللعالم العربي على اتساعه.
— Amre Moussa (@amremoussa) August 3, 2014
الدويلات والطوائف والفصائل المتطرفة في ليبيا تهدد أمن مصر القومي تهديدا مباشرا
— Amre Moussa (@amremoussa) August 3, 2014
أدعو إلى نقاش مصري واسع لتوعية الرأي العام بالمخاطر القائمة، ولبناء التأييد اللازم في حالة اضطررنا لاستخدام حق الدفاع عن النفس
— Amre Moussa (@amremoussa) August 3, 2014
وفي السياق، وضع خبراء ومراقبون تصريحات السياسي المصري عمرو موسى، بشأن إمكانية التدخل العسكري المصري في ليبيا، في خانة جس نبض لردود الأفعال الداخلية والخارجية على المستويين الإقليمي والدولي.
وأوضح مراقبون أن “العلاقة الوثيقة بين النظام المصري الحالي، وموسى، باعتباره أحد أهم الأبواق التي تروّج للنظام، تؤكد أن السياسي المصري المخضرم لا يعبّر عن نفسه”.
وأثار بيان موسى، علامات استفهام حول إمكانية قيام مصر بعملية عسكرية هناك، ورأى الخبير السياسي، ياسر البحيري، في تصريحات صحفية، أن “ما قاله موسى يؤكد الشائعات التي كانت تتحدث عن وجود نية لدى النظام المصري الحالي بالتدخل العسكري في شرق ليبيا، والحديث عن إمكانية حدوث ذلك بدأت تزيد بعد الهزيمة التي لحقت باللواء المتقاعد، خليفة حفتر”.
وفور كتابة موسى لهذه التغريدات، بدأت وسائل الإعلام المصرية والمعروفة بوقوعها تحت سيطرة الأجهزة الأمنية المصرية لاسيما أجهزة المخابرات بفروعها العامة والحربية، بدأت في التحريض لخوض حرب في ليبيا.
صحيفة المصري اليوم الخاصة كتبت بعنوان عريض “ليبيا تشتعل .. ومصر تقترب من الحل العسكري”، فيما خرجت صحيفة أخري بمانشيت: “مصر جاهزة للحرب علي الإرهاب الليبي”.
صحيفة “البوابة” التي يديرها أحد الصحفيين الأمنيين سيئي السمعة “عبد الرحيم علي” كتبت تقول نقلاً عن وزير الخارجية الليبي: “إن ليبيا في طريقها إلى التحول إلى إمارة إسلامية تسيطر عليها التنظيمات المتشددة في حال عدم إنقاذها”، وقال الوزير الذي نشرت الصحيفة تصريحاته “إن ليبيا لا يمكنها مواجهة تلك المجموعات في غياب الجيش والشرطة وجهاز استخباراتي فاعل”، وتابع “الوضع الأمني في ليبيا ليس مسئولية ليبية فقط بل مسئولية إقليمية ودولية”.
وفي نفس السياق ذكرت صحيفة “الوطن” الجزائرية، في افتتاحيتها أمس أن القاهرة والجزائر تدرسان خوض عملية عسكرية في ليبيا وذلك لمواجهة أي احتمال لظهور تنظيم “داعش” على الأراضي الليبية.
المصريون بدأوا في الشعور بالخطر وبالدخول في أجواء الحرب بالفعل، إلى حد تصاعد الهيستيريا ضد المصريين العائدين من ليبيا، فقد قال العميد حسين حمودة، الخبير في شئون مكافحة الإرهاب الدولي، “إن المصريين القادمون من ليبيا يشكلون مصدر قلق للأجهزة الأمنية التي يجب عليه فحص الأسماء التي تدخل مصر بشكل جيد؛ لأنه من الممكن دخول عناصر مسلحة يكون قد تم تدريبها في ليبيا، وتدخل مصر ويتم استخدامهم في تنفيذ عمليات إرهابية”.
وأوضح خبير أمني آخر في تصريحات أن “العائدين من ليبيا سواء المصريين أو غيرهم من الأخوة العرب، يجب وضعهم تحت الرقابة ومعرفة تحركاتهم جيدًا”.
وجاءت العديد من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص الأخبار حول نية مصر غزو ليبيا:
https://www.facebook.com/malek.sultan.9/posts/10152640815971660
https://www.facebook.com/gahidaa/posts/10202688709558561
https://www.facebook.com/anas.madarat/posts/1465479757042344
وانتشرت قبل حوالي أسبوع أنباء عن هروب اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذى يشن حملة “الكرامة” العسكرية بدعم إماراتي مصري سعودي بهدف القضاء على الثورة الليبية والتخلص من الإسلاميين.
وكانت مصادر خليجية قد أشارت إلى أن عبد الفتاح السيسي وبإيعاز من محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي وافق على تدريب وتمويل عصابات حفتر في مصر وذلك بتمويل إماراتي سعودي، فيما انتشرت معلومات على وسائل التواصل الاجتماعي عن مشاركة طائرات مصرية في قصف بنغازي في بداية انقلاب حفتر.
الظروف تتشابه كثيرًا بين اليمن في ستينات القرن الماضي وليبيا في 2014، والجيش المصري وقيادته والأوضاع المعيشية في مصر تتشابه كذلك، هزيمة الجيش المصري إذا دخل ليبيا مؤكدة إذن، لكن هل يحتمل عبدالفتاح السيسي بانعدام مشروعه وتهافت مواضع قوته، هزيمة ناء بثقلها زعيم بحجم عبدالناصر؟