على مدار سنوات طويلة، كان الشبان المسلمون في معظم دول العالم ينفرون إلى القتال بجانب الجهاديين في صراعات بعيدة للغاية عن مساقط رؤوسهم، لكن حتى وقت قريب، كان المسلمون في الهند منهمكين حتى النخاع في مشاكلهم السياسية الداخلية وحتى في حروبهم الإقليمية.
لذلك فقد كان غريبًا أن يشتعل الرأي العام بين المسلمين في الهند تعليقًا على أربعة شباب مسلمين قرروا السفر إلى العراق والانضمام للدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
الشبان الأربعة أتوا من الطبقة الوسطى العليا وقرروا أن يختفوا فورًا من بيوتهم في أواخر مايو الماضي مع ترك ملاحظة تقول إنهم قرروا القتال للدفاع عن الإسلام.
ومؤخرًا علم أهلهم أنهم يقاتلون الآن في الموصل بالعراق، ضمن جيش أبو بكر البغدادي الذي أعلن به الخلافة على أراضٍ تحتل مساحة تجاوز مساحة الأردن من بين أراضي سوريا والعراق.
الأمر تكرر في الهند أكثر من مرة، فقد اعتقلت السلطات أشخاصًا بتهمة نشر محتوى جهادي مؤيد لداعش على صفحات التواصل الاجتماعي من بينها صور لتجمع كبير من الشباب الهنود يرتدون أقمصة عليها شعارات داعش.
فعلى العكس من القاعدة التي اهتمت كثيرًا بضم المسلمين العرب بدرجة أولى، لا تسعى داعش إلى ذلك، فهي لا تخشى غضب حكومات الدول ذات الأقلية المسلمة مثل الهند.
الأمر نفسه حدث في مصر، فقد التفت المصريون على مدار الأيام الماضية إلى قصة الشاب المصري “إسلام يكن” أو كما كنى نفسه “أبو سلمة بن يكن” والذي خرج من رحم الطبقة الوسطى العليا ليحاول أن يجد مجالاً في العمل السياسي، قبل أن تنسد كل آفاق السياسة أمام الإسلاميين وقبل أن يسقط الساسة الإسلاميون في عدد كبير من الأخطاء الشنيعة، فيكن الذي انضم لحزب النور السلفي، الذي تحالف مع الجيش المصري للإطاحة بحكم حلفائهم السابقين “الإخوان المسلمين” من السلطة.
إسلام تخرج من إحدى المدارس الفرنسية الراقية، حصل على شهادته الجامعية في القانون من جامعة حكومية مرموقة ويعتد بنفسه وبجسده كثيرًا وهو ما يظهر من خلال الصور العديدة التي التقطها لنفسه قبل سفره إلى العراق للقتال مع داعش.
ربما كان يتوقع من قاموا بتنفيذ الانقلاب العسكري في مصر أو داعموهم في المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة أن الشعوب لن تلبث أن تتحول إلى الأحزاب السياسية الليبرالية أو غير المتصالحة مع الدين بعد أن تتخلص من حكم “الإسلاميين”.
لكن الحقيقة التي تعيشها المنطقة تثبت أن الإطاحة بالإسلاميين “المعتدلين” (بغض النظر عن الأوصاف التي تخلعها عليهم السلطات من كونهم إرهابيين أو ما شابه ذلك)، لم تأت إلا بإسلاميين أكثر تشددًا وأقل اعترافًا بالمجال السياسي وبالعمل السياسي المباشر، لصالح الاعتراف بالعمل المسلح والجهاد المعلن ضد الجميع!
سوريا ذاتها، لم يتحول فيها العمل السياسي السلمي المعارض إلى العنف إلا بعدما تم القضاء على كل منفذ للعمل السياسي السلمي، والأمر ذاته ينطبق على سياسات المالكي في العراق التي واصل بها الضغط على المسلمين السنة بدوافع طائفية إلى أن حدثت انتفاضة الرمادي، والتي كانت سلمية حتى نهايتها، نهايتها التي جاءت برصاص الشرطة والجيش العراقيين.
ولا تبتعد كثيرا عن ذلك حالات اليمن وليبيا والجزائر في “العشرية السوداء”.
المنطق نفسه ينطبق على الحالة الهندية، فلا يتوقع المراقبون أن تتسع دائرة المتأثرين بأفكار “داعش” بسبب اختلاف الوضع الهندي عن أوضاع الدول الديكتاتورية، فالمسلمون في الهند يعيشون في ظل دستور يكفل لهم حقوقًا متساوية عن أمثالهم من الهندوس أو من أي من أتباع الديانات الأخرى التي تكتظ بها البلاد، أحد ضباط الشرطة الهنود يقول في تصريح لنيويورك تايمز “لن يحدث ذلك أبدًا في الهند، لقد أصبحت الديمقراطية جزءًا من الحمض النووي للأمة الهندية”.
لكن الأمر ليس كذلك في حالة مصر والدول القمعية التي تشكل الشرق الأوسط، فجميع المراقبين يتوقعون أن تتسع الدائرة التي تضم “يكن” لتشمل العديدين من أبناء جيله الذين لم يروا أفقًا سياسيًا ولا حلاً يمكن من خلاله ممارسة نشاط يعبر عن طموحاتهم وآمالهم، ولعل البيعة التي أعلنها تنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء للدولة الإسلامية في العراق والشام تكون منفذًا للكثيرين الذين لن يضطروا لخوض معركة السفر إلى سوريا أو العراق، فـ “الجهاد” أصبح في المنزل هذه المرة.