بدأت القصة عندما سُربت وثيقتين رسميتين من مصلحة الجمارك التونسية، الأولى: في شكل رسالة من السفارة الإماراتية في تونس تحيي من خلالها مصلحة الجمارك التونسية وتطالبها بتسهيل دخول سيارتين فاخرتين حتى يتم إهداؤهما للباجي قائد السبسي، رئيس حزب نداء تونس، والثانية: في شكل وثيقة رسمية ببيانات السيارتين العائدة ملكيتهما حسب الوثيقة للباجي قائد السبسي.
الوثيقة الأولى:
الوثيقة الثانية:
وقبل صدور أي تعليق رسمي من مصلحة الجمارك أو من حزب نداء تونس، أعلنت مؤسسات مجتمع مدني، عن عزمها تتبع الباجي قائد السبسي قانونيًا بتهم عدة من بينها التمويل الأجنبي وقبول رشوة والعمالة، وقالت مبادرة سواعد في بيان لها: “المكتب القانوني لسواعد، يدرس حاليًا رفع عريضة لوكيل الجمهورية لمطالبته بعدم التهرب من واجبه وفتح تحقيق فوري وجدي في شبهات الرشوة، التمويل الخارجي لحزب نداء تونس، العمالة، مخالفة الدستور وقانون الأحزاب”.
ومع انتشار الخبر وكثرة الحديث عنه، أصدر حزب نداء تونس بيانًا توضيحيًا أكد من خلاله صحة الوثائق المسربة، مبررًا حصول السبسي على هذه السيارات بالتهديد الأمني الذي يتعرض له، مشيرًا إلى أن السيارتين مصفحتين وذلك لحماية السبسي من محاولات الاغتيال التي يمكن أن يتعرض إليها في الفترة القادمة.
ولكن ما يتناقض مع بيان نداء تونس، هو أن التهديد الأمني للباجي قائد سبسي ليس حديثًا ولا سرًا وإنما معلن منذ أكثر من سنة، عندما أعلنت وزارة الداخلية التونسية تكفلها بحماية السياسيين والشخصيات المعرضين للاغتيال وتكفلها بكل ما يلزم لحمايتهم من فرق أمنية ومعدات وتنسيق أمني مع باقي السلطات عند تحركهم، مع العلم أن من بين هذه الشخصيات السياسي الإسلامي الشيخ راشد الغنوشي، واليساري منجي الرحوي وغيرهم.
وأشار قانونيون تونسيون إلى أن تقديم الإمارات لهدية كهذه لرئيس حزب نداء تونس – مهما كانت الأسباب – يعتبر مخالفة للقانون التونسي الذي ينص الفصل 19 من القانون المنظم للأحزاب السياسية منه على المنع التام لكل “تمويل مباشر أو غير مباشر نقدي أو عيني صادر عن أية جهة أجنبية”، كما ينص نفس القانون على: “يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وخمس سنوات كل من خالف أحكام الفقرة الأولى والثانية من الفصل 19 أعلاه”.
ومع استمرار التفاعلات مع خبر السيارتين، عمل بعض النشطاء على تلقيب “الباجي قائد السبسي” بلقب جديد هو “الباجي قائد الانقلاب”، مشيرين بذلك إلى أنه لم يحصل على هذه الهدية دون سبب ودون مبررات وإلى أنه “يعمل لصالح أجندة إماراتية تهدف إلى إفشال العملية السياسية في تونس وتنفيذ انقلاب عسكري أو أمني شبيه بالذي نفذ في مصر يوم 3 يوليو الماضي”.
ويذكر أن الباجي القائد السبسي كان الشخصية الرئيسية التي قادت طيفًا من المعارضة التونسية في صيف 2013 ونادت بإسقاط العملية السياسية وكل المؤسسات الناتجة عن انتخابات 23 أكتوبر 2011، وبعد أيام من الإطاحة بالمسار الديمقراطي في مصر، دعا الباجي أنصاره للاحتشاد أمام المجلس التأسيسي التونسي (السلطة التشريعية) والمناداة بإسقاطه، كما صرح لوسائل الإعلام بأن “السيناريو المصري سيعاد في تونس في حال لم تستقل حكومة النهضة خلال أيام”.
وعاشت تونس في سنة 2013 أزمات سياسية حادة وقالت رئاسة الجمهورية على لسان الرئيس المنصف المرزوقي والمتحدث الرسمي، عدنان منصر، إن محاولات انقلابية عسكرية وأمنية تخللتها وكادت أن تنجح لولا “وقوف المؤسسة العسكرية التونسية سدًا منيعًا في وجهها”، وقد انتهت أزمات سنة 2013 بعودة المعارضة التي قادها الباجي قائد السبسي تحت كيان موحد سمي “جبهة الإنقاذ” (نسبة لجبهة الإنقاذ المصرية)، عبر عودة المعارضة التونسية للمجلس التأسيسي وقبولها بإتمام المسار السياسي لانتخابات 23 أكتوبر 2011 بعد جلسات حوار وطني دعت لها مؤسسات مدنية وطنية وشاركت فيها معظم الأحزاب.
ويتهم كثير من التونسيين دولة الإمارات بالعمل على إحباط التجربة الديمقراطية في تونس وعلى تكرار السيناريو المصري في تونس، حتى أن أحد الساسة التونسيين غير المنتمين للتيار الإسلامي ولا الثوري “كمال مرجان” رئيس حزب المبادرة ووزير الخارجية التونسي في أيام الرئيس زين العابدين بن علي، قال في تصريح لإحدى الإذاعات المحلية إن “رئيس الوزراء التونسي الحالي، مهدي جمعة، وخلال جولته الخليجية تلقى عروضًا من دولة الإمارات والسعودية للحصول على دعم قوي للاقتصاد التونسي في مقابل قيام حكومته بشن حرب على التيار السياسي الإسلامي الممثل في حركة النهضة”.