(يمكنك الاطلاع على رسم توضيحي عن مرشحي الانتخابات الرئاسية التركية، ومعرفة نقاط القوة والضعف لكل منهم في نهاية المقال أو تحميله عبر الضغط هنا)
أجرى “نون بوست” حوارًا مع “غالب دالاي” الباحث السياسي بمركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية SETA والذي يعمل كمركز أبحاث لمساعدة صانع القرار في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، دالاي الذي درس في المملكة المتحدة ويدرس الدكتوراة حاليًا في جامعة الشرق الأوسط في أنقرة، يعمل بالقرب من الدوائر الحكومية التركية، ويشارك في العمل السياسي في إطار حزب العدالة والتنمية الحاكم، والذي يتجهز لخوض الانتخابات الرئاسية التعددية الأولى في تاريخ الجمهورية التركية، وبحسب دالاي فإنه يتجهز أيضًا للفوز بها.
الحملة الانتخابية التي ينظمها الحزب بمساعدة متطوعين تتوقع – بالاستعانة بمراكز استطلاع الرأي التركية – فوز رجب طيب أردوغان بمنصب الرئيس في تركيا من الجولة الأولى وبنسبة تجاوز 53٪ – 54٪ متغلبًا على منافسيه: أكمل الدين إحسان أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية والذي يتوقع له دالاي أن يحصل على 35٪ – 40٪ من الأصوات، وصلاح الدين ديمرتاش، المرشح الكردي، الذي يقول دالاي إنه لن تتجاوز عدد الأصوات التي سيحوز عليها 8٪ من عدد الأصوات الكلية.
وفي نفس السياق، وردًا على سؤال حول فرص مرشح العلمانيين الأتراك، يقول دالاي إن أكمل الدين إحسان أوغلو لا يعرف تركيا، ولا يعرف الشعب التركي ولا السياسة الداخلية في تركيا، “إذا تحدثنا عن الانتخابات وشئون الدولة الداخلية فإنه لا أمل له في الفوز على الإطلاق”.
إحسان أوغلو الذي يصفه غالب دالاي بأنه “لا يمكنه أن يمثل الأتراك” لم يعمل في السياسة الداخلية التركية على الإطلاق، كما أن داعميه لا يدعمونه على أساس الكفاءة وإنما بناء على دعم الأحزاب المضادة له، وهذا ما يعني – بحسب مراقبين – أنه في حالة فوز إحسان أوغلو فإن مساحة الاستقطاب ستزداد في تركيا بشكل غير مسبوق.
وعلى العكس من ذلك، فإنه طبقًا لاستطلاعات رأي مستقلة، فإن نسبة من بين من صوتوا لصالح أحزاب المعارضة في الانتخابات المحلية التركية الماضية، سيصوتون لصالح رجب طيب أردوغان في انتخابات الرئاسة، وهو ما يعكس ثقتهم في كفاءته أو قدرته على إدارة البلاد رغم عدم تأييدهم لمشروعه الفكري أو خطه السياسي العام.
وأثار إحسان أوغلو غضب العديدين من تصريحاته المتعلقة بالسياسة الخارجية التركية والتي أكد فيها أنه لم يكن ليستضيف السوريين لو كان في السلطة في تركيا.
وإحسان أوغلو الذي وُلد بمصر أثناء دراسة والده بالأزهر، درس بجامعة عين شمس القاهرية، وحصل على درجة الدكتوراة من تركيا قبل أن يُدرّس في جامعة إكستير البريطانية، ويبلغ من العمر 71 عامًا، في حين أن أردوغان أكمل عامه الستين قبل عدة أشهر، وقال إحسان أوغلو في تصريحات تبعت إعلان ترشحه إن على تركيا التزام الحياد تجاه الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، وعليها ألا تقف مع طرف ضد آخر لأن ذلك ”سيسيء للعملية السلمية”.
“وجود مرشح كردي للمنافسة على أعلى مناصب الدولة هو أمر غير عادي” يقول دالاي، ويضيف أنه لأول مرة تختفي تلك الفوارق بين المواطنين الأتراك، ويشارك الأكراد في العمل السياسي بهذه القوة وعلى هذا المستوى، فحتى وقت قريب، كان الحل الوحيد للممارسة السياسية للمواطنين الأكراد في تركيا هو العمل العنيف؛ ولذلك فقد حظي حزب العمال الكردستاني الانفصالي بدعم كبير في السابق، يؤكد دالاي أن وجود مرشح كردي يُحسب لحزب العدالة والتنمية وللسياسة التي اتخذها في عدم التفرقة بين الأتراك.
الأمر لا يتعلق فقط بالسياسات التركية بشكل عام، لكن أيضًا بالسياسات الداخلية للحزب الحاكم، فبحسب دالاي هناك العديد من الأكراد في المناصب القيادية في الحزب الحاكم، وهو لا يستغرب أن يقرر الحزب في مرحلة ما لاحقة تقديم أحد كوادره أو قيادييه الأكراد للمنافسة في الانتخابات الرئاسية.
أما عن الحملة الانتخابية في المناطق الكردية، يؤكد دالاي أن الحملة تستخدم رسائل خاصة بكل منطقة كما تستخدم الشعارات العامة للحملة؛ ففي المناطق الكردية تعمل الحملة الانتخابية على إذابة الفوارق بين الأكراد وبقية المواطنين، كما تعتمد على إرث من الإنجازات الذي حققها حزب العدالة والتنمية خلال فترة وجوده على رأس السلطة في تركيا والتي تجاوزت عقدًا من الزمان، فقد استطاع العدالة والتنمية أن يحقق العديد من المطالب التي كان يطالب بها الأكراد في تركيا، ومنها إلغاء حالة الطوارئ التي كانت تبرر للجيش وللسلطات الأمنية تجاوز القانون المدني عند التعامل مع المواطنين الأكراد، وأيضًا إعادة حقوق المواطنين الأكراد الذين سحبت منهم الجنسية التركية بسبب تبنيهم للملف الكردي ورفضهم لمحاولات الدولة التركية للقضاء على الهوية والثقافة الكردية، بالإضافة إلى إعادة الأسماء الكردية القديمة للقرى والبلدات الكردية التي غُيرت في السابق إلى أسماء تركية، كما أصدرت السلطات التركية قانونًا يعاقب بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات كل من يسخر من مواطن تركي على أساس العرق، وذلك لإنهاء ممارسة رسخت في المجتمع التركي تجعل فئات كثيرة منه تتخذ مواقف عنصرية تجاه العرق الكردي، وهذه كلها رسائل تصل إلى المواطنين الأكراد ويتم استقبالها بشكل إيجابي للغاية .. “تم تصفير المشكلة الكردية” يؤكد دالاي.
“ومن يحملون هذه الرسائل هم الشباب”، هذا ما يقوله غالب دالاي ردًا على سؤال حول دور الشباب داخل الحزب وفي الحملة الانتخابية، “طوال تاريخ الحزب كنا مهتمون بالشباب، وهم أساس الحملة الانتخابية وأساس العمل السياسي في تركيا” يقول دالاي، ويتابع “يمكنك ملاحظة نسبة المشاركة الشبابية بالنظر إلى نسبتهم في القيادة العليا للحزب”.
وكان حزب العدالة والتنمية التركي قد أسسه شبان منشقون عن حزب الفضيلة الذي كان يقوده الإسلامي نجم الدين أربكان وصديقه رجائي قوطان اللذان كانا يمثلان الحرس القديم واللذان أسسا لمشاركة الإسلاميين في العمل السياسي التركي منذ سبعينات القرن الماضي.
العمل السياسي “الإسلامي” لايزال يمثل معضلة بالنسبة للساسة الأتراك، فقد قررت لجنة الانتخابات التركية، يوم أمس، أن تحظر إعلانًا تليفزيونيًا استخدم فيه حزب العدالة والتنمية مشاهد لسجادة صلاة وصوت يرفع الآذان ولوحة في منزل عليها لفظ الجلالة “الله” وامرأة تصلي، بعد أن أقام حزب الحركة القومية دعوى قضائية لوقف الإعلان الذي وصفته بأنه “يوظف الدين لأغراض سياسية”، رغم أن 99٪ من الأتراك ينتمون للدين الإسلامي.
“النساء في العمل السياسي ليس موضوعًا سهلاً، والأمر لا يتعلق فقط بتركيا، لكن في كل العالم” هذا ما يقوله غالب دالاي في إجابته عن دور المرأة في الحزب، ويتابع “الحزب صاحب الحصة الأكبر من عدد النساء في البرلمان هو حزب السلام والتنمية الكردي”، وأكد دالاي أن النساء جزء رئيسي من الحملة الانتخابية، وأن الحزب ومؤسسيه يعملون بجانب النساء على زيادة مشاركتهن في العمل السياسي منذ التسعينات.
وفيما يتعلق بالأتراك المقيمين بالخارج، يؤكد دالاي أن الحزب لديه برلماني مسئول عن هذا الملف، وأن هناك مسئول من الحزب في كل دولة أوروبية عن الأتراك في تلك الدول وهذا ما اعتمدت عليه حملة الحزب في التواصل مع أتراك الخارج، وهناك جالية تركية كبيرة في أوروبا، إذ يتجاوز عدد الأتراك في دولة مثل ألمانيا – على سبيل المثال – خمسة ملايين تركي.
وأنهى الأتراك في الخارج التصويت في الانتخابات في 3 أغسطس الجاري، وهناك حوالي 2 مليون و800 ألف تركي مقيم بالخارج لديه حق التصويت، صوت منهم 232 ألفًا في 54 دولة و103 قنصلية تركية، بينما يستطيع المقيمون خارج تركيا الذين لم يصوتوا حتى الآن التصويت في مطارات تركيا حين وصولهم إلى الأراضي التركية.
ويؤكد دالاي أن سياسات أردوغان لن تتأثر في حال فوزه، خاصة سياسته في الشرق الأوسط، لسبب رئيسي هو أن أردوغان ليس واضع السياسة الوحيد، وخطة الحزب السياسية التي تنفذها الحكومة، تم وضعها من قبل العديد من الفاعلين، من بينهم رجب طيب أردوغان”.
“تركيا تختلف عن بقية بلدان الشرق الأوسط” يقول غالب دالاي “الجميع هنا يعلم ما هي الوسائل وما هي الآلية التي يحتاجها الناس لتغيير النظام، لكن في الشرق الأوسط لا يبدو الأمر كذلك، هذه لعبة الديمقراطية ولا يمكن ممارستها من غير الصناديق الانتخابية، لكن مع الأسف الشديد الأمر ليس كذلك في دول الشرق الأوسط”.
وفي نهاية حديثه يقول دالاي “لا يمكن أن تتطور أمة بدون هذا النوع من الديمقراطية، في الشرق الأوسط، الديكتاتورية هي الواقع الآن، والوسائل غير الديمقراطية هي الوسائل التي يستخدمها الفاعلون السياسيون، وهذا الأمر يؤدي إلى تدمير الاستقرار والاقتصاد وتدمير الشرق الأوسط ذاته، لا يمكن أن تقوم الدولة على أشخاص يحكمون وحدهم لعشرين سنة وثلاثين سنة وحتى أربعين سنة! وتغيير النظام بأساليب مثل الحرب الأهلية أو الاحتلال الأجنبي أو الانقلاب العسكري لن يؤدي إلى أي استقرار”.
وتُعقد الانتخابات في العاشر من أغسطس الجاري، وفي حالة عدم حسم أي من المرشحين الانتخابات لصالحه من الجولة الأولى، سيتم عقد جولة ثانية في الرابع والعشرين من الشهر ذاته.