الأمر بدأ بخبر من سطر واحد في الثاني من أغسطس الجاري، الخبر كان مفاده أن “الجيش اللبناني اعتقل أحد أمراء تنظيم الدولة الإسلامية وقائد لواء فجر الإسلام على الحدود مع سوريا”، الحدود المقصودة في الخبر هي حدود سوريا مع مدينة عرسال اللبنانية، والأمير المذكور هو أبو أحمد جمعة، أحد القادة الكبار في “التنظيمات الإرهابية السورية” حسبما سماه الجيش اللبناني.
الاستنفار كان فوريًا، وأفادت مصادر من الجيش اللبناني أن “مسلحين سوريين تابعين لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) قد قاموا بانتشار مسلح على الحدود الجنوبية الغربية من سوريا مقابل مواقع الجيش اللبناني”، لكن المصادر اللبنانية نفت حينها وجود تهديد مباشر لمواقع الجيش في المنطقة.
وفي تصريح في اليوم ذاته قال مدير التوجيه في الجيش اللبناني، العميد “علي قانصو” في تصريحات صحفية إن هناك “استنفارًا داخل عرسال للمسلحين”، مشيرًا الى أن الجيش ينتشر على أطراف البلدة وليس داخلها من دون أن ينفي إمكانية دخول مسلحين من القلمون السورية إلى داخل عرسال”.
الإمكانية أصبحت واقعًا، والاشتباكات التي اندلعت بعد ذلك التصريح بقليل أثبتت وجود تهديد مباشر للجيش؛ فقد أعلن الجيش اللبناني يوم الأحد، الثالث من أغسطس أن 8 من عناصره قتلوا خلال الاشتباكات مع “المجموعات المسلحة”، قبل أن يرتفع العدد إلى عشرة قتلى من الجانب اللبناني.
المسلحون كانوا قد شنوا في اليوم السابق هجومًا على مواقع الجيش والقوة الأمنية في بلدة عرسال ومحيطها وخطفوا عددًا من المواطنين والجنود.
السوريون الذين هربوا من جحيم نظام بشار الأسد إلى لبنان وجدوا أنفسهم محاصرين بين رصاص الجيش اللبناني وحزب الله من جهة، ورصاص جبهة النصرة ومسلحي المعارضة السورية من جهة أخرى؛ ولذلك فقد بدأت مئات العائلات في النزوح من بلدة عرسال إلى مناطق أخرى “أكثر أمنًا” مع استمرار الاشتباكات المسلحة.
وكان مصدر طبي في عرسال قد قال في وقت سابق من اليوم ذاته إن اتحاد الجمعيات الإغاثية اضطر إلى إخلاء ٥ من مخيماته في عرسال “بشكل عاجل بسبب القصف والاشتباكات الدائرة”، مشيرًا الى أن هذه المخيمات كانت تضم 500 عائلة سورية لاجئة،
وأضاف أنه تم إخلاء 5 مخيمات عشوائية في البلدة، لافتًا إلى أن مخيمًا عشوائيًا سادسًا كان فيه 60 خيمة قد احترق بالكامل بعد سقوط قذيفة عليه، دون وقوع قتلى أو جرحى.
ومساء الأحد قال عضو هيئة علماء المسلمين في لبنان ومنسق اتحاد الجمعيات الإغاثية الشيخ حسام الغالي، إن “هدنة إنسانية تم الاتفاق عليها بين الجيش اللبناني وحزب الله من جهة وتنظيم جبهة النصرة من جهة، لوقف الاشتباكات، وكشف الغالي حينها أن “مجزرة وقعت في مخيم الأمان التابع لاتحاد الجمعيات الإغاثية في بلدة عرسال بعد تعرضه للقصف والقنص دون تحديد عدد الضحايا”، مشيرًا إلى نقل 107 جرحى من الأهالي والمدنيين إلى مستشفى الرحمة ١٠ منهم بحالة خطرة جدًا.
لكن في اليوم التالي مباشرة، وفي ساعات مبكرة من الإثنين 4 أغسطس أكد مصدر عسكري رفيع، أن الجيش اللبناني “لا يلتزم بأي هدنة مع المسلحين والإرهابيين”، مشيرًا إلى أنه استعاد “كل مواقعه” في منطقة عرسال الحدودية ويستمر بالتصدي للهجمات من قبل المسلحين السوريين على مراكزه لليوم الثالث على التوالي.
ومن ناحيتها، اتهمت جبهة “النصرة” في تغريدات على حسابها على موقع “تويتر”، الجيش اللبناني بخرق “هدنة إنسانية” كان قد تم التوصل لها أمس الأحد، فيما لفت مصدر بارز من “النصرة” في القلمون إلى أن “الجبهة دخلت مضطرة معركة عرسال” ويقوم عناصرها حاليًا بالرد “على مصادر النيران” من قبل “الجيش وحزب الله”.
وفي ذلك اليوم قال مصدر طبي في عرسال إن عدد القتلى من المدنيين اللبنانيين والنازحين السوريين المقيمين في مخيمات البلدة وصل إلى 30 والجرحى إلى 205، ولاحقًا بدأت مفاوضات بين الجيش والمسلحين، عن طريق وفد وسيط من هيئة علماء المسلمين.
وقال عضو في الوفد أمس – الثلاثاء – إن الوفد تسلم 3 من عناصر القوى الأمنية المحتجزين لدى المسلحين، وقام بتسليمهم إلى الجيش، فيما قال مصدر رسمي إن انسحاب المسلحين من البلدة سيبدأ بعد ساعتين.
ولاحقًا وافق الجيش اللبناني على وقف إطلاق النار مع المسلحين في محيط بلدة عرسال على الحدود الشرقية مع سوريا لمدة أربعة وعشرين ساعة ضمن اتفاق يسمح بإدخال المساعدات للبلدة وإجلاء الجرحى ومن ثم الإفراج عن العناصر الأمنية اللبنانية المحتجزة وانسحاب المسلحين.
وبدأت الهدنة بالفعل يوم أمس، فيما قال مسئول بلدي محلي اليوم – الأربعاء – إن “قسمًا كبيرًا” من المجموعات المسلحة بدأ بالانسحاب من عرسال باتجاه “الجرد السوري”، في حين دخلت قافلة من سيارات الإسعاف إلى البلدة، وذلك في إطار تنفيذ بنود مبادرة وقف إطلاق النار.
وفي نفس السياق اعتصم العشرات من أهالي عرسال، اليوم، في وسط بيروت بعد أن نزحوا من بلدتهم حيث طالب الشبان والنسوة والفتيات الحكومة والمسئولين بالالتفات إلى أحوالهم وتأمين مساكن لهم بعدما تهجروا من منازلهم.
وبوجه غاضب، تساءلت إحدى النازحات عن سبب “التفاوض على 35 عنصرًا من الجيش اللبناني المحتجزين (لدى المسلحين) من دون الاهتمام بمصير 35 ألف نسمة من أهالي عرسال”، لكنها أكدت في تصريحاتها الصحفية لوكالة الأناضول أكثر من مرة بأن عناصر الجيش هم “أهلنا”.
وبحسب تقارير صحفية، مازالت المجموعات المسلحة في عرسال تحتجز ما بين 20 إلى 30 من عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي منذ بدء الاشتباكات يوم السبت الماضي، وظهر 20 منهم في فيديو بثه المسلحون على يوتيوب، في حين أعلن الجيش فقدان الاتصال مع 22 من عسكرييه على الأقل.