بمجرد لمحة سريعة للأخبار، وأعمدة الصحافة اليومية، والتعليقات المنشورة في وسائط التواصل الاجتماعي الواردة من الدوائر الصهيونية والمؤيدة لإسرائيل يمكن للمرء أن يلاحظ نمطاً مثيراً للاهتمام.
فكلها تقريباً تلفت النظر إلى ثلاث نقاط. أما الأولى فتتعلق بالمحور الجديد الذي نشأ في المنطقة بعد المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في غزة. وأما الثانية فتتعلق بقصور إدارة أوباما. وأما الثالثة فتتعلق بتركيا.
نفس هذه الديناميكيات الثلاث تظهر أيضاً ومن خلال عبارات تهيمن عليها المبالغات في وسائل الإعلام الغربية الرئيسية. فقد أصبحت تشكل معاً “خطاباً معبأً” جاهزاً للاستهلاك تنتجه وتوزعه آلة الدعاية الإسرائيلية. إنها كليشيهات صهيونية أقل ما يقال فيها إنها أهانة للأخلاق واستخفاف بالعقول تقدم على أنها “تحليل استراتيجي” لفصول الكارثة التي تجري أحداثها الآن.
دعونا نبدأ بالملاحظة “الاستراتيجية” الأولى. فطبقاً لهذا التحليل، أنشأت إسرائيل من خلال مذابحها في غزة محوراً جديداً يتشكل من الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمة التحرير الفلسطينية ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن. لا يظنن أحد أن هذا خطأ مطبعي، لا، ثم لا. بل تقدم هذه التشكيلة فعلياً بوصفها محوراً جديداً. لقد اكتشفوا لتوهم محوراً طالما كان معروفاً لدى كل من كان لديه أدنى اهتمام بالمنطقة على مدى ما لا يقل عن ثلاثين عاماً مضت.
ولو أنهم ضموا إلى هذه المجموعة كلاً من الأسد والمالكي وإيران وحتى حزب الله، لأمكننا على الأقل القول بأنهم يضيفون بعداً جديداً. الجديد الوحيد المتعلق بمحور إسرائيل هو سوريا كبلد لم يعد بإمكان حماس البقاء فيها، وطهران المتوحشة التي تدعمها ضمنياً والدور المدمر الذي لعبته إدارة بغداد على مدى الأعوام الأربعة الماضية.
والموضوع هنا لا يتعلق بالعداء لإسرائيل، فمن الواضح أن بعض الحكومات الواردة أسماؤها في قائمة محور إسرائيل، وخاصة سوريا وإيران، مناهضة لإسرائيل، بمعنى آخر، أن تكون ضد إسرائيل لا يعني بالضرورة استثناءك من “المحور الجديد” الذي شكلته إسرائيل.
فالعامل الأهم الذي يجمع شمل أعضاء “محور إسرائيل الجديد” هو أن ما من أحد من هؤلاء الأعضاء يتردد في شن حروب دموية لكسر إرادة الشعوب في التغيير. أما المحور المقابل هلذا “المحور الإسرائيلي الجديد” فيتشكل من تركيا والمقاومة السورية والإخوان المسلمين وحماس وقطر.
ما يسمى بالتحليل الاستراتيجي الثاني يتعلق بإدارة أوباما. مازال من الممكن تلمس آثار التوتر الذي ساد العلاقة بين نتنياهو وأوباما حتى عام 2013.
تعليقات المعسكر المؤيد لإسرائيل لا ترى ما يكفي في دعم أمريكا للمذابح الإسرائيلية في غزة، ولا في غض أمريكا الطرف عن انقلاب السيسي، ولا في صمتها على ما يجري في سوريا، ووقوفها موقف المتفرج إزاء ما يقترفه نظام المالكي الدكتاتوري في العراق. ليس لدى مثل هؤلاء المعلقين من المنطق ما يسمح لهم باعتبار حماس طرفاً في عملية البحث بجهود تركية عن وقف لإطلاق النار.
ولا يملكون منع أنفسهم من المطالبة بأن تكون عملية إسرائيل القادمة “حاملة لاسم كيري” بينما يمطرونه باللعنات.
بينما لا يستوعب الغزيون لماذا اختارت الولايات المتحدة الأمريكية الاكتفاء بدور المتفرج إزاء المجازر، لا تعترف إسرائيل بحقيقة أن حماس ستكون الطرف المقابل لها في أي وقف لإطلاق النار. والديناميكية الأخرى التي تؤخذ بعين الاعتبار فيما يتعلق بعملية وقف إطلاق النار التي تأخرت هي محاولة منع مصر، الشريك الأكثر نشاطاً في محور إسرائيل الجديد، من التقهقر إلى ما دون الحد الذي رسمه وقف إطلاق النار الذي تحقق بجهود تركيا ومرسي معاً عام 2012.
العامل التركي
والملاحظة الاستراتيجية الأخيرة تتعلق بتركيا. إذ يستمر المعلقون المؤيدون لإسرائيل في تذكير الرأي العام بأن تركيا اتخذت باستمرار موقفاً معارضاً لإسرائيل كلما ارتكبت مذبحة في غزة منذ عام 2008. ليس هذا فحسب، بل كثيراً ما يذكر أن تركيا هي العقبة الوحيدة التي تحول بين إسرائيل والموافقة الكاملة من قبل جميع الفاعلين في المحور الجديد.
بمعنى آخر، لولا تركيا – التي اضطرت إسرائيل إلي الاعتذار إليها – لذهبت إسرائيل بكل حرية تفعل في المنطقة ما تشاء وكما تحب. فعلى الأقل، كانت الولايات المتحدة في هذه الحالة ستلتزم السلبية بينما لا تشعر الحكومات العربية بالضغط التركي.
لذلك، على إسرائيل أن تواجه العامل التركي – وهو العامل الذي تدخل في دافوس أثناء عدوان إسرائيل على غزة عام 2008، وتدخل مع مرسي في عام 2012، وتدخل من خلال إشراك حماس بشكل مباشر في عام 2014.
لا يوجد جديد بشأن دور محور إسرائيل الجديد الذي صمم لضمان دعم إسرائيل والذي يتوقع منه أن يلعب الدور المناط به في هذا الخصوص. وهذا “المحور الجديد” موجود بغض النظر عن الفظاعات التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، والذي وحد أعضاء “المحور الجديد” ليس إسرائيل ولا غزة.
بل إن الحافز الحقيقي لهم ليعملوا معاً هو التمسك بالوضع القائم في المنطقة، وهذا يمكن ترجمته إلى حالة تعمد فيها إسرائيل إلى نهش أكثر مما تستطيع مضغه في المنطقة. بمعني آخر، على إسرائيل أن تحمي “المحور الجديد” الذي تفتخر به كواحد من نجاحاتها وأن تحمي في نفس الوقت كافة مكوناته.
وكل من استوعب معنى “الثلاثة إسرائيل والأمريكتين” التي ظهرت خلال السنوات الأربع مع الأسد والسيسي والمالكي سيكون بإمكانه فهم ما يعنيه ذلك حقيقة بالنسبة للمنطقة.