بقلم ديكلان ووالش
هل عاد عصر رجل الجيش الكبير مرة أخرى؟ في مصر، حيث قاد الجنرال عبد الفتاح السيسي عصيان شعبي مسلح ضد الرئيس المنتخب، أبواب السجن تتأرجح.
محمد مرسي، الزعيم في جماعة الإخوان المسلمين، و الذي عُزِلَ مؤخراً، يقبع في زنزانة السجن بينما حسني مبارك الديكتاتور المستبد الذي قاد مصر لمدة 30 عاما قد تم إطلاق صراحه من سجن آخر.
الاضطرابات تسلط الضوء على الدور المركزي للجيش في بعض البلدان الإسلامية في عصر ما بعد الاستعمار، والتي تكون على الأقل في المراحل الأولى المتشنجة في المراحل الأولى للديمقراطية، تلك الدور التي تم فرضه بالقوة باعتبار أن الجيش نصب نفسه الحاكم للسلطة و الحارس للهوية الوطنية.
ولكن بالنظر إلى البلدان المسلمة الأخرى التي ناضلت من خلال التحولات الديمقراطية، ومن بينها دولتان اسلاميان كبيرتان وهما باكستان وتركيا، ينبغي على الجنرال السيسي أن يكون حذراً لأن هناك جنرالات يواجهون الآن المحاكم في تلك الدول.
الأسبوع الماضي وجهت محكمة باكستانية للقائد العسكري السابق الجنرال برويز مشرف تهمة اغتيال رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو وذلك لأول مرة، في تاريخ باكستان الملئ بالانقلابات، لواء عسكري يواجه المحاكمة الجنائية. وفي تركيا قامت المحكمة مؤخراً بسجن عشرات من كبار ضباط الجيش بتهمة التآمر للإطاحة بالحكومة، و هذا تذكيراً عقابياً للجيش الذي اعتاد على تمكين سلطته من خلال الانقلابات.
إن الجنرال السيسي يركب موجة شعبية لدى المصريين لدى بعض البلدان المجاوة، لا سيما المملكة العربية السعودية وإسرائيل، و ذلك بسبب ضرب الإسلاميين، و لكن الأحداث في تركيا وباكستان أثبتت أن للقوة العسكرية حدود. و في مصر سيكون في نهاية المطاف دور حقيقي للإسلاميين في الحياة العامة.
يقول فالي نصر، عميد الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكنز و مستشار رفيع سابق بوزارة الخارجية: “إن الجنرال السيسي يحتاج الآن إلى مخرج آمن”. وأضاف “وبدون المخرج يمكن أن ينتهي به المطاف مثل مشرف، وبلده أيضا يمكن أن تبقى أسوأ حالا في نهاية حكمه العسكري “.
القادة العسكريين والمدنيين في تركيا وباكستان ومصر تنافسوا على السلطة لعدة عقود. ومارس الجيش الحكم بقوة العضلات في جميع البلدان الثلاثة، علنا أو من وراء الكواليس، و ذلك بسبب ضعف الحكم المدني في مؤسسات البلدان، وذلك في محاولة لتطويق نفوذ الإسلاميين.
جنرالات مصر خلعوا النظام الملكي وأسسوا الجمهورية في عام 1952. الرئيس التركي الأول مصطفى كمال أتاتورك، وهو عسكري ثوري قاد العلمانية الشرسة في عام 1920. الجيش الباكستاني ساعد في توحيد البلاد بعد تقسيمه الصادم من الهند في عام 1947، وسارع بتأسيس نفسه بسرعة كأقوى ذراع لدولة ضعيفة.
الجنرالات الباكستانية والأتراك والمصريين يعلنون حبهم للديمقراطية ولكنهم يمارسونها مع درجات متفاوتة من التردد. بعد استيلائه على السلطة في باكستان في عام 1999، وعد الجنرال مشرف بانتخابات مبكرة ولكن بقي لمدة تسع سنوات. كتب الجنرال السيسي ورقة بعنوان “الديمقراطية في الشرق الأوسط” خلال فترة قضاها في كلية الجيش الحربي في الولايات المتحدة في عام 2005، و انتقد في ورقته التدخل الأمريكي في المنطقة. الجيش التركي ادعى الحصول على تفويض شعبي للقيام بأعمال غير ديمقراطية.
وبدلا من ذلك، أصل الجيش نفسه في الحمض النووي لكل دولة، و حصل على الامتيازات والوظائف المربحة، و كانت سيطرته في السياسة غير جيدة. وقام جنرالات باكستان بأربعة انقلابات على مدى ال 55 سنة الماضية وقد كان لتركيا ثلاثة. وصف المحللين في كل من باكستان ومصر العسكريين بأنهم نواة “الدولة العميقة”.
تقول هالة مصطفى رئيس تحرير مجلة الديمقراطية في القاهرة “لقد كان الجيش مؤثر جدا منذ ثورة 1952”. و تضيف أيضاً: “حتى في ظل حكم مرسي كان له نفس الامتيازات والوضع كما كان على مدى العقود الستة الماضية.”
اختلفت ممارسة العسكر في طرسقة التأثير عن بعضها البعض. بينما الجنرالات الأتراك والمصريين همشوا السياسيين الإسلاميين بوحشية، في باكستان تم استيعابهم. خلال عقد الثمانينيات، استخدم الجنرال محمد ضياء الحق في باكستان الإسلاميين فيوأسلمة الهوية الوطنية الباكستانية، و لكن هذا يعتبر مصدراً للتوتر في مصر في هذا الوقت.
ويقول الدكتور نصر إنه في البلدان الثلاثة يتم النظر إلى الإسلام باعتباره بعبع الديمقراطية، “ولكن هذا غير صحيح. الصراع الحقيقي في الشرق الأوسط هو بين الحكم المدني والجيش “.
ذلك الصراع معقد جداً على أساس أنه من الصعب دمج الإسلام في السياسة. لسنزات عدة، كانت تركيا نموذج التقدم للعديد من البلدان الإسلامية. و لكن تراجع الجيش كان جزئياً بدافع الرغبة في انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي. ولكن لمعان الحكم المدني اختفى في يونيو عندما قمع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بعنف حركة احتجاج وسط اسطنبول، مما يدل على أن هناك استبداد تم استبداله من واحد لآخر. و أحدثت المحاكمة بسبب الخيانة خلال هذا الشهر انقسامات حادة بين العلمانيين والإسلاميين، مما يؤكد أن بناء الأمة التركية النموذجية ما زال تحت التطوير.
ومع ذلك فإن النموذج التركي لا يزال يمثل الأمل الأفضل: الاحتجاجات في اسطنبول ظهرت أنها تستهدف سياسات أردوغان الصعبة أكثر من نظام الحكم المدني نفسه.
بالنسبة لبعض المصريين الذين يفكرون بمستقبلهم، النتيجة الرهيبة التي يخافونها هي أن تصبح مصر مثل باكستان. ولكن هناك دروس يمكن استخلاصها. على مدى عقود تمكن جنرالات باكستان من التدخل في السياسة، و هناك حقيقة مهمة حيث فترة وجود رئيس الوزراء الحالي نواز شريف في السلطة، و التي انتهت في عام 1999 بانقلاب الجيش، كانت الأفضل على باكستان.
لكن منذ الإطاحة بالجنرال مشرف كرئيسا للبلاد في عام 2008، توحدت جهود السياسيين سيئوا السيط في باكستان من أجل تقليل فرصة المناورة أمام العسكريين، وبلغت ذروتها في انتخابات نظيفة نسبيا والتي فاز فيها السيد شريف. المحاكم أيضا أصبحت أكثر جرأة وسلطت الضوء على تلاعب في عمليات التصويت وانتهاكات حقوق الإنسان (حتى وإن لم تتم محاكمة أحد حتى الآن) وتجرأت على اتهام الجنرال مشرف الذي يواجه الآن أيضا اتهامات بالخيانة.
ينظر الباكستانيون الآن إلى أنفسهم على أنهم مثال في التحول السياسي. بعد الإطاحة بمرسي، والذي أيدها العديد من الليبراليين المصريين، سارع نظراؤهم الباكسستانيون بتقديم النصيحة لهم بأن التدخل العسكري خطير جداً. غرد الصحافي عمر القريشي على تويتر: “كنت هناك و حصل ذلك هناك- و ذلك بالتأكيد كان الخيار الخطأ.”
ومع ذلك ما يزال جنرالات باكستان أقوياء وراء الكواليس، والانتقال في باكستان لم يكتمل. يقول محللون إن محاكمة الجنرال مشرف ممكن أن تعبر عن مدى تغير الزمن و عن كم من الهيبة من الممكن أن تتلاشى.
القادة في باكستان وتركيا ومصر تدرك تماما أوجه التوازي فيما بينها. الجنرال مشرف، الذي يتحدث التركية، يتغنى بالرؤية العلمانية لمؤسس تركيا السيد أتاتورك. وقد أعرب القادة الأتراك في الآونة الأخيرة خوفهم من أن الأحداث في مصر يمكن أن تثير اضطرابات في بلدهم. “في لحظات الخطر يصبح التمسك بالمسار الديمقراطي أكثر أهمية من أي وقت،” كتب الرئيس عبد الله جول مؤخرا في صحيفة فاينانشال تايمز.
إن الدول الثلاث تتسلق السلم نحو تمكين الديمقراطية، و لكن الجهد معقد من خلال الضغوط الخارجية، والتي غالبا ما تفضل العسكر. الدعم الأمريكي لباكستان ومصر منذ فترة طويلة مبني على القيمة الجيو-استراتيجية لتلك البلدان: قرب مصر من إسرائيل و قرب باكستان إلى أفغانستان. و تركيا هي لاعب رئيسي في حلف شمال الأطلسي.
لقي السيسي وقادته في مصر دعما صريحاً لحملته الشرسة ضد جماعة الإخوان المسلمين من حكومات إسرائيل والمملكة العربية السعودية. حتى ان مبارك، خلال فترة حكمه لمدة 30 عاما، لم يجرؤ على ذلك. ولكن هنا يكمن الخطر، ربما للجنرال السيسي.
دعم المجتمع المدني المصري له يمكن أن يتبخر حيث أن الاشمئزاز ينمو و ينمو بسبب سفك دماء الإسلاميين و بسبب الحملة العسكرية ضد المعارضين. إذا فقد الدعم الغربي، فإن التمويل من الشرق الأوسط لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة. وكما أظهرت الأحداث في تركيا وباكستان، لا يمكن أن يدوم إلا بإعطاء مساحة للاعبين مدنيين أو باستخدام العنف في ضبط الأوضاع.
مترجم من النيويورك تايمز.