ينطلق “صلاح الدين ديمرتاش” المرشح الكردي في الانتخابات الرئاسية التركية، من مبدأ منطقي متمثل في رفضه كمواطن تركي من أصول كردية لأن تفرض عليه الدولة التخلي عن هويته وثقافته ولغته الكردية لصالحة الهوية والثقافة واللغة التركية، وهو ما يمكن أن يكون مبدءًا جاذبًا للناخبين الأتراك.
ولكن ديمرتاش يستخدم في المقابل تسمية “سكان غرب تركيا” للإشارة إلى سكان المنطقة الغربية من تركيا المعروفة بقلة نسب الأكراد فيها على عكس المنطقة الشرقية التي يعتبر جنوبها مركز ثقل لأكراد تركيا، مرددًا في خطاباته تهمًا لسكان غرب تركيا بأنهم مسئولون على الانقسامات التي تعيشها تركيا، قائلاً بأنهم يعتبرون كل كردي “إرهابيًا وعدوًا للوطن”.
وبالمراوحة بين هذه المبادئ والتصريحات، وعبر توجه “غير إسلامي” يسعى ديمرتاش إلى استقطاب الأكراد المتبنين للفكر الانفصالي من جهة وكذلك الأكراد المنخرطين في المجتمع التركي والرافضين لتوجهات حزب العدالة والتنمية ومرشحه في الانتخابات الرئاسية رجب طيب أردوغان، فاقدًا الأمل في كسب أصوات غير الأكراد بسبب تبنيه للقضية الكردية.
وتقدر نسبة الأكراد من إجمالي المواطنين الأتراك بحوالي 25 بالمائة، وتوجهاتهم السياسية تتراوح ما بين:
1 – متبنون للعمل المسلح طريقًا لتأسيس دولة كردستان.
2 – متبنون لفكرة تأسيس دولة كردستان (الانفصال) عبر العمل السياسي.
3 – متبنون لفكرة تأسيس إقليم كردستان في شكل فيدرالي دون الانفصال.
4 – رافضون لفكرة الانفصال وداعون للاندماج في المجتمع التركي مع المحافظة على الهوية الكردية.
5 – رافضون لفكرة الانفصال ورافضون لفكرة الحفاظ على الهوية الكردية ومتبنين للفكرة الأتاتوركية التركية بشكل كامل.
وتذهب التحليلات إلى أن أكمل الدين إحسان أوغلو، مرشح الحزبين المعارضين الرئيسيين، يعمل على استقطاب الفئة الخامسة وذلك لكونه ممثلاً لحزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك، في حين عمل أردوغان طيلة السنوات الماضية على استقطاب الفئة الرابعة عبر تبنيه المطلق لفكرة دمج الأكراد في المجتمع التركي وإعطائهم كل حقوقهم دون نقص أو استثناء وذلك مع الحفاظ على ثقافتهم وهويتهم وتمكينهم من استخدام لغتهم في كل المستويات.
وقد نجح رجب طيب أردوغان في اختراق الفئات الكردية المتبنية للفكر الانفصالي وكسب تأييد نسب كبيرة منهم عبر مفاوضات السلام الداخلي التي خاضتها حكومته مع أكبر رموز الانفصاليين وزعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، والتي انتهت إلى الإعلان عن انسحاب المسلحين الأكراد من الأراضي التركية والانخراط في مشروع السلام الداخلي الذي هندسه المستشار السابق لأردوغان والرئيس الحالي لجهاز الاستخبارات التركي، هاكان فيدان.
وبغض النظر عن نسب الأصوات الكردية التي سينجح أردوغان في استقطابها أو التي سينجح مرشح المعارضة في الحصول عليها، يبقى مؤكدًا حسابيًا ومنطقيًا أن المرشح الكردي لا يمتلك فرصة للفوز بالانتخابات، وأن تأثيره في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية سيتمثل في التقليص من نسب الأصوات الكردية التي سيحصل عليها أردوغان، وفي حال عدم نجاح أردوغان أو أكمل الدين أوغلو في حسم السباق بينهما من الجولة الأولى، سيكون لديمرتاش تأثير كبير في حسم الجولة الثانية.
وتذهب تحليلات أخرى إلى أن ديمرتاش سيكون مؤثرًا فعلاً في الجولة الثانية فقط في حال اصطف إلى جانب أردوغان كونه سيعطي شرعية ومصداقية إضافية لأردوغان ولتصوره لحل المشكلة الكردية، ولكن تأييده لأكمل الدين إحسان أوغلو لن يغير كثيرًا في توجه الأصوات الكردية، كون أكمل الدين والأحزاب الداعمة له لم يقدموا أي جديد للناخب الكردي واكتفوا بترديد شعارات “الخبز” متجاهلين أن الأكراد غير مستعدين لاستبدال هويتهم وثقافتهم ولغتهم بالخبز.