ترجمة وتحرير نون بوست
بعد تلاشي الآمال في التوصل إلى هدنة دائمة، يستمر الضغط على الفلسطينيين في قطاع غزة، تعودنا على سماع الأصوات في جميع أنحاء العالم والتي تهتف ضد الصراع، لكن ربما يبدو غريبًا أن نرى دول الخليج العربي قد نأت بنفسها عن الاحتجاج ضد الحرب!
الشعور الخليجي الرسمي نحو غزة مرتبك بشدة، عندما انضممت إلى مكتب حاكم دبي في 2007، قالت لي رئيسة القسم الاستراتيجي الفلسطينية أن أبقى بعيدة عن السياسة الفلسطينية، “بالنسبة للشيخ محمد، الخطط السياسية تأتي دومًا قبل الفعل السياسي، نحن لا نضع العربة أمام الحصان، يجب أن نرتب منزلنا الداخلي قبل أن نحاول تغيير الأشياء من حولنا”.
موقفها ربما يبدو متناقضًا مع المساعدات المقدمة من الدول الأخرى، وقد تلقى الفلسطينيون العديد من المساعدات الإنسانية في شكل دعم لميزانية السلطة الفلسطينية من دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر من أي دولة أخرى، حسبما أخبرني مسئول عن إعادة الإعمار في السلطة الفلسطينية في 2010.
صحيح أنه خلال الهجمة الإسرائيلية الأخيرة، تم إرسال 18 طائرة بوينغ من دبي بوجبات غذائية وبطانيات وأدوية، السعودية – على سبيل المثال – أعلنت نيتها التبرع بـ80 مليون دولار أمريكي كمساعدات طبية، لكن حتى الآن، هذا الجهد الإنساني يتناقض بشكل صارخ مع السياسية الخارجية لدول الخليج، لقد استغرق ملك السعودية ثلاثة أسابيع مؤلمة حتى يخرج لينتقد الهجوم الإسرائيلي، وقبل ذلك كتب وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد على تويتر يشجب العدوان!
لكن كلا الدولتين لم تطالبا بإجراء عقابي واحد ضد إسرائيل، ولم يمر الصمت الخليجي (من الناحية السياسية والفكرية والاستراتيجية) مرور الكرام، لقد ترددت أصداء الصمت في الغرب، إذ فعلت إسبانيا ودول أمريكا اللاتينية أكثر كثيرًا مما فعلته الرياض والكويت وأبوظبي.
وبدلاً من اتخاذ مواقف حقيقية، تسلط دول الخليج بنادقها الدبلوماسية تجاه بعضها البعض. احتدم خلاف بين السعودية والإمارات من جهة، وقطر من جهة أخرى، وفي نفس الوقت يظهر أن هناك تحالفًا (كشف عنه الكاتب البريطاني ديفيد هيرست في المقال الذي ترجمه نون بوست هنا) بين مصر والسعودية وإسرائيل للهجوم على قطاع غزة، الإمارات نفت من ناحية أخرى أن تكون قد طبعت علاقتها مع الإسرائيليين “مثلما فعل الآخرون” في إشارة إلى العلاقة التي بنتها الدوحة مع إسرائيل في التسعينات قبل أن تنقطع (بشكل شبه كامل على خلفية مواقفها من حركة حماس ومن المشهد المصري).
لكن ما هي أسباب ذلك الوضع؟ جزئيًا، لقد أُرهقت الدول الخليجية بعد عشر سنوات من الضغط على إسرائيل من أجل قبول مبادرة السلام العربية التي قدمتها السعودية، وبلا جدوى، لكن هناك أيضًا سبب آخر يتعلق بالسياسة الداخلية والتي تلعب دورًا هامًا إذ أن الأنظمة الخليجية تبدو على حذر دائم من شعوبها.
وكما قالت د. كريستيان أولريكسين من جامعة رايس: “لقد وقعت دول الخليج في عملية توازن صعبة إذ يتعارض التزامهم بدعم القضية الفلسطينية مع حربهم ضد جماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء المنطقة”.
ربما يكون هذا هو الحال بالفعل، لكن من الصعب أن نرى ما يمكن أن تفقده دول الخليج على المدى الطويل في حال لم تستطع حل هذه الإشكالية، لو هاجموا فقط الموقف الإسرائيلي من التسوية بنفس الحماسة التي يهاجمون بها بعضهم البعض لتغير الكثير!
لقد رفعت الإمارات من مكانتها في الأمم المتحدة بشكل كبير، ومن أجل ردع إيران، لدى الإمارات الآن أكثر معدل إنفاق عسكري مقارنة بعدد السكان في العالم، بأكثر من 14 مليار دولار سنويًا، في حين تفوق السعودية الإمارات في واردات الأسلحة. حان الوقت لوضع صيغة لتدخل الخليج العربي مدعومًا بمصداقيته الدبلوماسية والعسكرية.
المساعدات التي يقدمها الخليجيون هي غير ذات جدوى إذا كانت مواد إعادة الإعمار يُمنع دخولها إلى غزة بالأساس، يجب أن يعمل الخليج على إنهاء الحصار، بالتعاون مع جيمي كارتر وماري روبنسون اللذان قدما اقتراحًا (ترجمه نون بوست هنا) لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة يستطيعان دفع الثمن لذلك، إما عن طريق إرسال قوات حفظ سلام أو دعم إرسال قوات، وتوجد سابقة في أفغانستان لذلك الأمر.
حتى الآن لم يتم التفكير في قبة حديدية بتمويل إماراتي لحماية سكان غزة من القصف الإسرائيلي، لكن هذه الفكرة يجب أن توضع في الاعتبار.
تقول الولايات المتحدة إنها “ستعارض بقوة” الضغط الفلسطيني من أجل إجراء تحقيق من قبل المحكمة الجنائية الدولية في الانتهاكات الإسرائيلية، من ناحية أخرى تتأخر أي خطة عربية ذات مصداقية لدعم جهود المحكمة الجنائية الدولية، إذ يجب ألا يخوض الفلسطينيون تلك المعركة وحدهم.
يجب أن توضع العلاقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج تحت ضغط بسبب الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه واشنطن لإسرائيل، يجب أن تكون صادرات النفط ورقة على طاولة المفاوضات.
هذه اللحظة يمكنها أن تكون لحظة استعمال القوى الذكية في الخليج، يجب أن تستخدم دول الخليج نفوذها في الوقت الذي يكون فيه الفلسطينيون في أمس الحاجة للمساعدة، الآن.
المصدر: الغارديان