حاوره: طه العاني
يعم المشهد السياسي في العراق تداخلات كثيرة، تداخل بعضها في البعض الاخر، تغيرات سياسية، وطائفية، كبيرة، وكذا هو الحال في الساحة الإعلامية التي تعم المشهد العراقي، مواضيع العراق، وتطوراته بكل مخاطرها، يهتم بها الاعلام بكافة وسائله، عالميا، وعربيا، بالـمناقشات الساخنة لمواقف الفاعلين في المشهد العراقي الراهن، والمتابع للمشهد العراقي، لا يكاد يفهم تفاصيل ما يجري هناك،
ولكي تتضح معالم الصورة، نناقش ما يجري في الساحة العراقية؛ مع نائب رئيس جمهورية العراق المستقيل طارق الهاشمي، والمحكوم عليه بالإعدام من قبل حكومة نوري المالكي في العراق، في حوار خاص وحصري لنون بوست.
نون بوست: انتخب البرلمان العراقي رئيساً له من الكتلة السنية، والكتلة الكردية انتخبت فؤاد معصوم رئيساً للجمهورية، وبقي التغيير معلقاً بانتظار ترشيح بديل للمالكي فهل تتوقع حصول ذلك؟
الهاشمي: بالتأكيد، فرصة نوري المالكي معدومة والتغيير قادم لامحالة مهما ناور المالكي وهدد وتوعد.
نون بوست: لماذا في رأيك يستقتل نوري المالكي للبقاء في السلطة؟
الهاشمي: السبب الرئيسي هو الخوف من المستقبل وبات من المؤكد ان يكون نزيل المحكمة الجنائية الدولية هو وزبانيته في الدعاوى العديدة التي تنتظرهم، المنصب يوفر له حصانة والولايات المتحدة توفر له الغطاء السياسي، هذا سيتلاشى في اليوم الذي يغادر غير مأسوف عليه الى مزبلة التاريخ.
نون بوست: لكن هل تغيير الوجوه يكفي لحل أزمة العراق؟
الهاشمي: أزمة العراق باتت من التشابك والتعقيد بحيث لم يعد بالإمكان حلها لمجرد تغيير الوجوه، ولا ينبغي ان ننسى ان هناك تطورات ميدانية حاسمة جرت في العاشر من حزيران الماضي اخرجت تقريبا ست محافظات من سيطرة الحكومة المركزية، هذه التطورات لا علاقة لها من قريب او بعيد ما يجري في إطار العملية السياسية ولا اعتقد ان هناك فرصة للحل في ظل عملية سياسية فاشلة او آليات ديمقراطية عاجزة مضافا لذلك نفوذ ايراني تمدد الى كل مجالات الحياة وعلى وجه الخصوص في صناعة القرار السياسي.
نون بوست: الذي نفهمه إذاً ان الازمة مرشحة للاستمرار؟
الهاشمي: بالتأكيد.
نون بوست: وما هو الحل في تصورك؟
الهاشمي: الحل يبدأ من إيقاف العدوان العسكري البري والجوي على المحافظات المنتفضة وانسحاب الوحدات والتشكيلات العسكرية الى معسكراتها النظامية وإنذار إيران بسحب ميليشياتها من فيلق القدس وإيقاف تدخلها في الشأن الداخلي …وبعد ذلك الانطلاق برزمة من الحلول العملية والجادة تطال مختلف جوانب الحياة تتناسب وطبيعة الازمة، بمعنى ان الحلول الترقيعية للدورتين الماضيتين لم تعد مجدية بعد ان ثبت فشلها ولا ينبغي استنساخها لأنها ستقود الى الفشل ايضا.
نون بوست: هل من توضيح أكثر؟
الهاشمي: الحاجة باتت ماسة لتشخيص الخلل من خلال مراجعة منهجية لتجربة الاحد عشر سنة الماضية بهدف تصحيح المسار نحو بناء الدولة المدنية القائمة على المؤسسات والعدل، دولة تستوعب الجميع وتمثل الجميع. وهذا بحاجة الى مصارحة وإرادة حقيقية للتغيير.
نون بوست: هل يعني ذلك إنك تريد ان تبني على تجربة قائمة ولا تعمل على هدمها؟
الهاشمي: نعم بالتأكيد، لدينا تجربة سياسية اتفقنا معها او اختلفنا كلفتنا ثمنا باهظا ماديا وبشريا لا تخلو من إيجابيات حتى لو كانت محدودة في تصوري لا ينبغي التفريط بها، لدينا تجربة ديمقراطية فتية كان يمكن ان تتطور لولا الانحراف المنهجي الذي قاده نوري المالكي صوب الاستبداد. كما ينبغي الإقرار ان هناك تيارا عريضا من العراقيين يؤمن بجدوى العملية السياسية ليس من السهولة استبعاده.
نون بوست: لكن المشاركين في مؤتمر عمان للمعارضة العراقية قبل أسبوعين طرحوا خيارا آخر مختلفا تماما؟
الهاشمي: هذا هو الراي الاخر وهو ايضا رأي معتبر، نحترم راي المؤمنين بإصلاح العملية السياسية المتمسكين بها والمدافعين عنها رغم فشلها ومن حق الاطراف التي لم تشارك بالعملية السياسية ان تطرح بديلا انسب منطلقة من رفضها للنتائج والاثار الكارثية التي آلت اليها اوضاع العراق بسبب العملية السياسية ذاتها. آخذين بنظر الاعتبار ان المشاركين في مؤتمر عمان لم يفرضوا رأيهم على أحد عندما دعوا الى اجتماع وطني موسع يضم الجميع.
نون بوست: وماذا يمكن ان يحقق هذا الاجتماع الموسع في تصوركم؟ بل ماهي أجندة مواضيعه المتوقعة وهل أنتم مع هذا المقترح؟
الهاشمي: اعتقد جازما ان طاولة مستديرة يلتقي حولها ممثلوا الكيانات الاجتماعية وليست السياسية برعاية دولية للاتفاق على ثلاثة مسائل جوهرية يمكن ان تحل مشكلة العراق:
شكل النظام السياسي
طبيعة المشاركة في السلطة والموارد
هوية العراق والعلاقة مع جيرانه
نون بوست: وهل تعتقد ان مؤتمرا كهذا من شأنه ان يبقي العراق موحدا؟
الهاشمي: العراق مجتمعيا وعلى ارض الواقع وبفعل السياسات الكارثية لنوري المالكي بات منقسما، واستخدام القوة العسكرية لن تؤدي الا الى تفاقم الاوضاع وزيادة حدة الكراهية والرغبة في الانتقام، وحدة الجغرافيا تبدأ من وحدة القلوب، من رغبة الناس في التعايش الأخوي وقد فقدنا ذلك مع الاسف وفي تصوري فان المؤتمر الوطني الموسع برعاية دولية يمكن ان يكون الحل المقترح.
نون بوست: وماذا عن داعش او الدولة الاسلامية؟
الهاشمي: شئنا ام أبينا باتت حقيقة موجودة على الارض ولاسيما في الموصل. رغم ان هناك فصائل عديدة اخرى الى جانب تنظيمات داعش لكن الاخيرة الأكثر تأثيرا والأفضل تنظيما.
نون بوست: هل يريحكم وجود تنظيمات داعش وإشهار الدولية الاسلامية والخلافة؟
الهاشمي: لا يريحنا ذلك بالطبع، التعصب والقسوة ورفض الاخر لا يبني دولة لكن من الضروري الانتباه الى حقيقة مفادها ان العرب السنة وبقية المكونات المضطهدة كانت على مدى سنوات تتمنى الخلاص وكانت تنتظر المنقذ الذي يخلصها من الظلم والقمع والتطهير بعد ان استباحت ميليشيات نوري المالكي النفس والعرض والمال. نعم داعش غير مرغوب فيها وممارساتها مرفوضة لكن هل البديل العودة لمظالم حكومة نوري المالكي؟؟ هذا سيكون الخيار الأسوأ بكل المقاييس. لا هذا ولا ذاك، شعب العراق ومنهم العرب السنة يتطلعون الى دولة حديثة تتناسب ومجتمع تعددي.
اما إشهار الخلافة الاسلامية فقد رافقتها شبهات شرعية الى جانب مآخذ سياسية وقانونية تم التصدي لها وتفنيدها بشكل موضوعي ويمكن الرجوع اليها.
نون بوست: لكن المجتمع الدولي كما تعلم لن يصبر طويلا على تنظيمات داعش وهي تتوسع وتتمدد غربا نحو العراق؟
الهاشمي: المجتمع الدولي منافق والدول الكبرى لا يهمها سوى مصالحها، اين كانت هذه الدول ولماذا تجاهلت الاوضاع المؤسفة للشعب العراقي ولم تتدخل لإنقاذه من حكومة وصفتها التقارير الأممية بأنها الأسوأ والأظلم والأفسد في تاريخ العراق، لماذا لم يتحرك المجتمع الدولي رغم مناشداتنا للتدخل بعد مجزرة الحويجة ومسجد سارية والمحمودية والطارمية وجرف الصخر والهجمات بالقوة العسكرية على الانبار التي توسعت اليوم لتشمل ست محافظات. لماذا لم يسع المجتمع الدولي لإنقاذ العوائل في بغداد لازالت حتى اللحظة مستباحة من قبل ميليشيات العصائب والبطاط وبدر …لماذا تجاهل البراميل المتفجرة يقصف بها طيران المالكي السكان الامني صباح مساء …كل هذه الحداث ولم يكترث لتنامي ظاهرة ارهاب هذه الميليشيات بينما هو يقلق لتنامي وجود داعش او غيرها …الارهاب هو الارهاب مهما كان انتمائه او جنسيته وكان على المجتمع الدولي ان يعتمد معيارا واحدا لا مزدوجا في تعاطيه مع هذه الظاهرة.
نون بوست: باختصار هل تؤيد ضربة عسكرية امريكية؟
الهاشمي: بالطبع كلا، أزمة العراق لا تحل بالقوة ولكن بالحكمة والسلام، بالنسبة لشعب كشعب العراق الذي يعيش اليوم بين نارين، ارهاب المالكي ومعه إيران وميليشياتها من جهة وإرهاب داعش من جهة اخرى يتطلع الى تدخل المجتمع الدولي من اجل مساعدته في إقامة دولة العدل، العدل هو الذي سيضع حدا للتطرف والغلو.
نون بوست: طيب إذا ماذا تقول بالنسبة للضربات الجوية الامريكية الاخيرة على أهداف في سنجار والموصل وعلى مشارف اربيل؟
الهاشمي: لازلت عند موقفي في رفض التدخل الأجنبي في الشأن العراقي هذه قضية مبدأ بالنسبة لي، وداعش هي المسؤولة عندما شنت عدوانا لا مبرر له على اقليم كردستان ما استدعى الإقليم ان يطلب الدعم العسكري من بغداد وواشنطن.
نون بوست: ما هو تفسيرك لهجمات داعش على اقليم كردستان؟
الهاشمي: الثورة السورية خبرت تصرفات داعش قبل العراقيين ، تصرفات مشبوهة ، لأي مكن التنبؤ بها ، هدفها زرع الفوضى بناءاً على مقتضيات أجندة خارجية ، وفي هذا الصدد اسأل من المستفيد من هجمات داعش ، لا احد غير نوري المالكي وإيران ، و المتضرر الأكبر هم العرب السنة ، الإخلاص للقضية وإكمال مهمة التغيير تقتضي تحشيد الطاقات والجهود لا تشتيتها بجبهات لا تشكل أدنى تهديد على الثورة ، اليوم بات المجتمع الدولي يتحدث عن قتال بين الإقليم وداعش ، وتراجع الحديث عن عدوان المالكي على المحافظات المنتفضة ، الحديث عن تهجير المسيحيين واليزيدين بينما العوائل المهجرة من العرب السنة تجاوزت مليون ونصف …
عدوان داعش على الأقاليم حماقة وينبغي ان لا يتكرر تحت اي ذريعة كانت، ودفاع الإقليم عن نفسه مطلوب ونحن معه.
نون بوست: وهل تتوقع تغييرا في موقف الإقليم من المالكي بعد الدعم العسكري الذي قدمه للإقليم؟
الهاشمي: نوري المالكي نهاز فرص، ولا يثق به أحد مهما فعل ورئاسة الإقليم على دراية بألاعيب المالكي وإيران وهي لن تغير موقفها منه، رفض المالكي لولاية ثالثة موضوع استراتيجي بالنسبة للإقليم لن يتغير بناءاً على تكتيكات رخيصة، الكورد يتذكروا جيدا سجل المالكي الذي لا يدعو للاطمئنان مع الإقليم عبر السنوات الثماني الماضية ولعل أبرزها عمليات دجلة. وتحرشاته التي لم تنتهي في ديالى ونينوى وكركوك وغيرها.
نون بوست: هل لك كلمة أخيرة تحب ايصالها عبر نون بوست
الهاشمي: الادارة الامريكية لم تجرا على ضرب داعش وهي الأقوى في سوريا، يبدو المطلوب ان تتوسع وتقوى على حساب الفصائل الجهادية المعتدلة، لكنها ضربتها في العراق …صحيح الهدف المعلن هو حماية الإقليم والأقليات ولكن الهدف غير المعلن هو أضعاف الجبهة المقاومة لنوري المالكي …بينما تتفرج نفس الادارة على القصف بالبراميل المتفجرة على المدنيين الأمنيين في سوريا والعراق دون ان تحرك ساكنا !!!! لهذا التدخل الامريكي لن يجلب الخير للعراقيين إطلاقا.