درج حزب العدالة والتنمية التركي على عدم الكشف عن توجهاته وخيارته مسبقًا، وعلى ترك الأبواب مفتوحة أمام تأويلات وتخمينات المحللين والمتابعين؛ فقبل الانتخابات الرئاسية، “تلاعب” الثنائي أردوغان غول بالمحللين لأشهر طويلة فاتحين الأبواب أمام تحاليل تؤكد وجود خلاف حاد بين الرجلين وصلت إلى حد ذهاب البعض إلى الحديث عن إمكانية ترشح عبد الله غول في وجه رجب طيب أردوغان، ليغلق باب هذه التأويلات بتصريح لعبد الله غول قبل أيام من الانتخابات أكد فيه على وطادة العلاقة بينه وبين شريكه رجب طيب أردوغان وكشف من خلاله عن إخباره أردوغان منذ أشهر بأنه – أي عبد الله غول – لا يرغب ولا ينوي الترشح للرئاسة.
هل يخلف عبد الله غول أردوغان داخل الحزب والحكومة؟
والآن وبعد نجاح أردوغان في حسم انتخابات الرئاسة منذ الجولة الأولى واقتراب موعد دخوله لقصر الرئاسة، وبينما تبحث معظم التساؤلات وألحها عن أسماء خلفاء أردوغان في الحكومة والحزب وتوجهاتهم، يتبع الحزب نفس النهج الإعلامي الذي اتبعه قبل الكشف عن ترشح أردوغان للرئاسة فاتحًا الباب أمام كل التأويلات بما في ذلك تلك التي تتحدث عن أن “الحزب دفع بأردوغان للرئاسة حتى ينهي سيطرته ونفوذه داخل هياكل الحزب” وإعادتها – أي السيطرة – لصالح التيار الذي ينتمي إليه عبد الله غول.
وهذه التأويلات بدأت بعد تصريح مفاجئ لعبد الله غول قال فيه: “من الطبيعي أن أعود لحزبي بعد ان تنتهي فترة رئاستي”، مشيرًا إلى إنه سيلعب دورًا في حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي شارك في تأسيسه مع رئيس الوزراء والرئيس المنتخب رجب طيب أردوغان.
عبد الله غول أثناء إعلانه اعتزامه العودة لحزب العدالة والتنمية
وعلى عكس المتوقع وما قد يفهم من تصريحات غول، لن تؤثر هذه التصريحات على قائمة المرشحين لخلافة أردوغان في رئاسة الحزب؛ وذلك لأن الحزب أعلن رسميًا أن المؤتمر العام للحزب الذي سيتم خلاله انتخاب خليفة أردوغان في خلافة الحزب سيتم اختياره يوم 27 أغسطس الحالي، أي قبل يوم واحد من انتهاء ولاية عبد الله غول وتولية أردوغان، وهو ما سيجعله – أي عبد الله غول – خارج قائمة المرشحين لرئاسة الحزب في ذلك اليوم.
من سيخلف أردوغان داخل الحزب والحكومة؟
لأجل تجنب الاضطرابات بين الحكومة والحزب، يفترض أن يكون رئيس الوزراء التركي القادم هو نفسه رئيس حزب العدالة والتنمية القادم، وفي هذا الإطار سيكون أمام الحزب اختيار شخص واحد إما من بين القيادات البارزة داخل الحزب، أو من بين الوزراء الأكثر نجاحًا في السنوات الماضية وعلى رأسهم مهندس السياسة الخارجية الحديثة لتركيا ووزير شئونها الخارجية؛ أحمد داوود أوغلو.
وأما خيار تكليف أحد القياديين “التنظيميين” للحزب وإن كان واردًا فإنه يبقى مستبعدًا نسبيًا، وذلك لأن عقلية هذه القيادات الحزبية لا تتناسب مع عقلية الدولة التي يحتاجها منصب رئاسة الوزراء، وهو ما يرجح الكفة لصالح الوزراء الناجحين ليكون أحدهم رئيس وزراء يدعمه أردوغان، ورئيسًا عامًا للحزب يدعمه عدد من القيادات النافذة تنظيميًا داخل الحزب.
وفي ظل هذه التوقعات، يأتي مهندس السياسة الخارجية الحديثة لتركيا ووزير شئونها الخارجية، أحمد داوود أوغلو، على رأس المرشحين لخلافة أردوغان، يليه في ذلك صانع التجربة الاقتصادية التركية ووزير شئونها الاقتصادية، علي باباجان، ثم وزراء آخرون ذوو حظوظ ضعيفة مقارنة بداوود أوغلو وباباجان.
علي باباجان أثناء مشاركته في أحد المهرجانات الانتخابية لأردوغان
وفي حال انحصار الخيار بين داوود أوغلو وباباجان، يفترض أن تميل الكفة لصالح داوود أوغلو، لأن باباجان سينهي خلال أشهر من الآن فترته النيابية الثالثة، وهو ما سيجعله تحت طائلة القانون الداخلي لحزب العدالة والتنمية الذي يمنع أعضاءه من تولي أكثر من ثلاث فترات نيابية، وبالتالي يكون باباجان غير مؤهل قانونيًا لرئاسة الحكومة بعد الانتخابات التشريعية التي ستقام خلال أشهر، وهو ما لا ينطبق على داوود أوغلو الذي سيتم خلال أشهر فترته النيابية الأولى.