ابنتي (أستاذتي وقدوتي وقرة عيني) :- عام مر على ارتقاء روحك الطاهرة إلى بارئها وسط كوكبة من الشهداء الذين ارتقوا في ذلك اليوم الشهود الذي صار في التاريخ جوار يوم أصحاب الأخدود ويوم كربلاء العظيم .. أرواح طاهرة صعدت للسماء في ثبات على الحق واستمساك به واستعلاء بالإيمان على كل صور القهر والذل والظلم والطغيان .. استعلاء يبلغ حد الاستهانة والاحتقار للظلم والظالمين ..
ابنتي الحبيبة :- منذ أيام أعلنت نتيجة الثانوية العامة ثم تنسيق الكليات وسعدت بتوفيق الله لزميلاتك (اللاتي كنتِ دوما أولهن وأسبقهن) وتمنيت أن أحل محلك في تهنئتهن ولكني والله كنت أكثر فرحاً بفضل الله عليكِ حين اختاركِ لتكوني إن شاء الله ضمن “قليل من الآخرين” أكرمهم الله فأدركوا “ثلة من الأولين” وكانوا معهم ضمن (الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) بإذن الله ..
ابنتي الحبيبة :- شوقي لوجهِك الجميل وثغرِك الباسم وحضورِك الرقيق وعقلِك الرشيد .. لا يعلمه إلا الله ولا يصبر عليه إلا الله ,لكنكِ في الوقت ذاته تعيشين بيننا ولم تفارقينا أبدا ..في إحدى زيارات امك لي بالسجن فوجئت بها تقسم بالله أن أسماء تعيش بيننا فقلت مصدقاً (نعم هم أحياء عند ربهم يرزقون) ، فقالت لي هي تعيش بيننا قولاً وعملاً وحقيقةً وتشاركنا جهادنا وحياتنا .. وقصت عليّ أنها في كل وقت تلتقي شباباً وفتيات يقصون عليها أنهم تعرضوا لمشكلات وأزمات في حياتهم وأنهم رأوا أسماء في الرؤيا تطمنهم وتبشرهم وتنصحهم وتوجههم لفعل الخير حتى مروا من أزماتهم .. فقلت في نفسي طبتِ يا حبيبتي وطاب مسعاكِ قبل وبعد الشهادة الجليلة ..
ابنتي وأستاذتي : شاءت إرادة الله أن يكون مقتلك –خصيصاً- على يد قناصة العسكر في ذلك اليوم المشهود آية وبرهان على صحة وعدالة القضية التي دافعتَ عنها وقتلتَ في سبيلها ألا وهي الرفض التام لعودة حكم العسكر بعد ثورة يناير التي ما قامت إلا لتنهي ما جره العسكر على الوطن طيلة ستين عاماً من خراب ودمار وقمع وفساد وتخلف وتبعية … كان مقتلك أنتِ تحديداً برهاناً أن اللذين خرجوا ضد الانقلاب العسكري ما خرجوا لأجل جماعة ولا لعودة شخص فأنتِ آخر من عرفت في حياتي كلها تحزباً لجماعة أو انحياز لشخص أو حزب .. بل كثيراً ما اختلفتِ وتمايزتِ عن موقف الجماعة وبخاصة تلك التي اعتبرتها تهاوناً غير مبررا تجاه العسكر وتجاه القصاص لشهداء الثورة … كما جاء قتلك وأنتِ الفتاة العزلاء التي لم تحمل سلاحاً ولا حجراً دليلاً قاطعاً على أنهم استهدفوا كل من قال لا للانقلاب ووقف في وجه الظلم والظلمات .. كما جاء مقتلكِ غدرا وخيانة وخسة بطائرة العسكر التي حلقت فوق رأسك وقناصة العسكر الذين انتشروا في الميدان دلالة الدناءة والندالة منهم ، ودلالة عدالة وصواب وحق موقف الرافضين لهذا الطغيان العسكري المغرور المتفرعن بآلياته العسكرية .. التي انفق عليها الشعب من قوته ومعايشه لأجل مواجهة الصهاينة لا لقتل أبناء الوطن البررة .. فإذا بالعسكر يستخدمونها لقتل الشعب وقهره وفرض وصايتهم وفسادهم عليه ..
ابنتي وأستاذتي وقرة عيني : رغم كل ما تعرضنا له من قتل لفلذات أكبادنا وتلفيق عشرات القضايا لنا ولأهلنا ونهب لأموالنا وعزلنا من وظائفنا العلمية وصدور أحكام بالإعدام والمؤبد من قضائهم الأعوج وحبس من بقى من أبنائنا وتلفيق القضايا لهم .. فوالله ما نسيناك طرفة عين ولا لمحة بصر (ولا إخوانك الشهداء الأطهار البررة) ولا نسينا ما ضحيتم من أجله لحظة واحدة بل والله ما حزنا على ما أصابنا ولا وهنّا ولا ضعفنا ولا استكنّا .. وها نحن على دربكم سائرون لا نرضى إلا بإحدى الحسنيين .. ووالله ما زادتنا أيام السنة الماضية وما زادنا ما ارتكبه الإنقلابيون (من غدر وقتل وقهر ونهب وحرق وما أشاعوه من صمتٍ وخوف وما مرروه من خديعة وكذب وتضليل وخيانة وما نشروه من تجويع وفجور في أنحاء الوطن) إلا يقيناً أننا على الحق وأنهم على الباطل ، وأن النصر آتٍ لا ريب فيه ..
ابنتي أستاذتي وقرة عيني :- عام مر هانت علينا الحياة فيه من بعدكم فما صار السجن ولا السجان يرهبنا ولا القتل ولا الإعدام يقلقنا فقد علمتومنا بدمائكم الزكية الطيّبة وأرواحكم الطاهرة المؤمنة كيف يكون الفداء وكيف تكون التضحية في سبيل الله إحقاقاً لقيم الحق والعدل والحرية ..
أخيراً : ندعوا الله لكِ ولإخوانك الشهداء في كل صلاة أن يرفع درجاتكم وأن يجعلكم في المقربين الأشهاد ، وندعوه لنا بالصبر والثبات حتى نلحق بكم في الصالحين على حوض النبي محمد صلى الله عليه وسلم نزاحم أصحابه فيفرحوا بنا ويعلموا أنهم قد خلفوا من بعدهم رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلا..
— الأربعاء 13 أغسطس 2014