لم يكن “حيدر العبادي” القيادي في حزب الدعوة الذي يتزعمه رئيس الحكومة العراقية المنتهية ولايته “نوري المالكي” من بين الأسماء المرشحة لخلافة المالكي خلال فترة الجدل بين الأطراف السياسية بشأن من سيشكل الحكومة العراقية المقبلة..
ولعل سطوع نجم العبادي بين ليلة وضحاها ربما لا يعود إلى أنه يمتلك قدرات خارقة لتصحيح ما أفسده المالكي على مدى ثماني سنوات من توليه رئاسة الحكومة في البلاد، بل لأنه تحدى زعيم حزبه ليكون بديلاً عنه على رأس الحكومة المقبلة، وهو ما يعتبر خطوة جريئة منه يستهل بها مشواره الشاق لتشكيل حكومة تحظى برضى كافة الأطراف المتناحرة والمنقسمة.
ولهذا سارع كل من السنة والأكراد والأطراف الشيعية في العراق – ما عدا المالكي وبعض حلفائه – إلى مباركة تكليف رئيس الجمهورية “فؤاد معصوم” للعبادي واعتبروها خطوة نحو ردم الفجوة العميقة بين مكونات الشعب العراقي.
أما على الصعيد الدولي فلاقى تكليف العبادي بتشكيل الحكومة ترحيباً عربياً وغربياً واسعاً، وكان من أوائل المرحبين الولايات المتحدة الأمريكية التي اشترطت لدعم العراق عسكريا لمواجهة الأزمة التي يمر بها تنحي المالكي وتشكيل حكومة ذات قاعدة جماهيرية عريضة من مختلف الأطراف، في حين رحبت إيران داعمة المالكي الرئيسية بشكل شبه رسمي بـ”العملية القانونية” التي أفضت لاختيار العبادي بتشكيل الحكومة، بحسب مسؤولين إيرانيين.
والترحيب الواسع بتكليف العبادي لا شك بأنه يعود في جزء منه إلى تمكنه من إزاحة المالكي، إلا أن ذلك لا يعني بأي شكل من الأشكال بأن الرجل غير قادر على إدارة المرحلة المقبلة رغم وعورة الطريق والملفات الشائكة التي سيخلفها المالكي على طاولة رئاسة الحكومة.
ولعل دعم الولايات المتحدة الأمريكية لنوري المالكي في الدورتين الانتخابيتين الماضيين لجملة أسباب من ضمنها الاستناد إلى تقرير وكالة الاستخبارات الأمريكية التي أوصت بدعم المالكي ووصفته بأنه “شخص نظيف”.
كما أن المالكي نال الرضى الأمريكي في الدورة الأولى من حكمه بعد أن ضرب الميليشيات الشيعية والسنية على حد سواء وأرسى الاستقرار النسبي في معظم أرجاء البلاد بعد الأحداث الطائفية الدامية التي اندلعت عام 2006.
إلا أن الدورة الثانية لم تكن كسابقتها حيث عمد المالكي إلى التنصل عن اتفاقات تقاسم السلطة بين الشيعة والسنة والأكراد، وكان التطور الأخطر ملاحقة خصومه السياسيين بتهم “قيادة فرق الموت” بعد خروج القوات الأمريكية من البلاد أواخر 2011.
كما أنه همش الميليشيات العشائرية التي تعرف باسم “الصحوات” والتي شكلها الأمريكيين لقتال القاعدة عام 2006، وواجه المالكي اتهامات باستهداف السنة والتعامل معهم على نحو غير عادل عبر قوانين مكافحة واجتثاث البعث ما أثار استياء واسعا لدى السنة ودفع بالكثير منهم للقتال في صفوف التنظيمات المسلحة المناوئة للحكومة.
لا يمكن التنبؤ بما سيفعله العبادي المكلف بتشكيل الحكومة دون النظر إلى تاريخه على اعتبار أنه دُفع به للواجهة على نحو مفاجئ على غرار الدفع بالمالكي نفسه بعد انتخابات 2006.
من هو العبادي ؟
والعبادي من مواليد بغداد عام 1952، ونشأ وسط عائلة ذات أصول من جنوب العراق، وعرفت العائلة التي كانت تقطن في منطقة الكرادة الشرقية بالعاصمة بالتجارة ومحال العطارة، وتلقى التعليم في مراحله الدراسية الأولى في بغداد، ونال البكالوريوس من الجامعة التكنولوجية فيها قسم الهندسة الكهربائية عام 1975.
هاجر من العراق بداية السبعينات لاكمال دراسته في بريطانيا، وحصل على الماجستير عام 1977، ثم الدكتوراه عام 1980 من جامعة مانشستر البريطانية، في تخصص الهندسة الكهربائية، وبقي في لندن منذ ذلك الحين، حتى عام 2003 الذي عاد فيه إلى العراق.
أصدر كتاباً يشرح فيه مسيرته “الجهادية” مع حزب الدعوة الإسلامية، ضمن حملته للدعاية الانتخابية الحزبية، ذكر فيه أنه انتمى إلى حزب الدعوة عام 1967، وكان عمره آنذاك خمسة عشر عامًا، واختير مسؤولًا لتنظيمات الحزب في بريطانيا عام 1977، وحصل على عضوية القيادة التنفيذية للحزب عام 1979.
عانى الكثير من الممارسات القمعية لنظام حزب البعث الحاكم سابقاً في العراق، حيث سحب منه جواز سفره في الثمانينيات من القرن الماضي، كما أن عدد من أشقائه تعرضوا للسجن لسنوات عديدة خلال هذه المرحلة، ولكنه في عام 1980 اختير مسؤولًا لمكتب الشرق الأوسط لحزب الدعوة، الذي كان مقره في بيروت، إلا أنه بقي يدير المكتب من لندن، ما ولد إشكالات داخل الحزب أدت إلى استبداله، وسمى حزب الدعوة لاحقاً العبادي متحدثًا باسمه، لكنه لم يظهر إلى الإعلام خلال الفترة الماضية بشكل كبير.
وخلال مسيرته في العراق منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، تسلم منصب وزير الاتصالات في الحكومة الانتقالية التي ترأسها إياد علاوي، ثم نائبًا في البرلمان عام 2006 وحتى اليوم، كما ترأس لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية في برلمان 2005، واللجنة المالية في برلمان 2010، وواجه صراعات سياسية عديدة بخصوص موازنة البلاد المالية لعام 2013.
ونال العبادي، النائب عن ائتلاف دولة القانون، ثقة البرلمان المنتخب 30 يونيو الماضي، ليشغل منصب النائب الأول لرئيسه.
وتنتظر العبادي مهمة صعبة على مستوى الخلافات السياسية القائمة بين القوى العراقية، ومسؤولية تشكيل جبهة واحدة ومتماسكة تمتلك القوة اللازمة لمواجهة خطر توسع تنظيم “الدولة الإسلامية” مؤخراً في محافظات شمالي وغربي البلاد.
يصف البعض العبادي بأنه “رجل التوازنات”، وربما يعود ذلك لتناوله للأشياء بصيغة متوازنة، نظرًا لخلفيته ودراسته الأكاديمية، وهو ما جعل عليه إجماعاً من مختلف المكونات السياسية.
وإذا كان المالكي لم يخرج من محيط حزبه في العراق وسوريا وإيران في السنوات التي قضاها في معارضة نظام الرئيس الراحل صدان حسين، فإن العبادي يتفوق عليه بتلقيه التعليم من جامعة أجنبية مرموقة وهو ما يمكن أن يعود على البلاد بفائدة أكبر فيما إذا سعى إلى حشد الدعم الغربي لمساعدة بلده في صد هجوم تنظيم “الدولة الإسلامية”.
كما ان العبادي يعتبر أقل استقطابا للانقسامات السياسية والطائفية قياسا بالمالكي الذي تحول إلى شخصية شبه منبوذة على مستوى الأطراف الداخلية وكذلك الدولية بسبب هذا الأمر.
ويستطيع العبادي العمل على ردم الفجوة العميقة بين السنة والشيعة في الدرجة الأولى، وكذلك طمأنة الاكراد بأنهم شركاء حقيقيون في قيادة البلاد على خلاف المالكي الذي نصب المقربين منهم في المناصب المهمة وهمش الأطراف الأخرى وحاول السيطرة على المؤسسات والهيئات المستقلة والتأثير على قرارات السلطة القضائية.
ستكون إعادة الثقة بين مكونات العراق المهمة الأصعب والاهم بالنسبة للعبادي، وإصلاح ما أفسده المالكي في مجال فقدان غالبية العراقيين الثقة في حكومتهم وامتعاضهم من السياسات الطائفية التي اتبعتها خلال الفترة الماضية، ما دفع إلى تكوين حاضنة شعبية لتنظيم “الدولة الإسلامية” تحت قاعدة “بديل الشيطان”.
ويتطلب كسب ثقة السنة إعطاء ضمانات حقيقية لهم واتخاذ خطوات فعلية من قبيل إعادة المفصولين من وظائفهم الحكومية وتخفيف قوانين مكافحة الإرهاب والإفراج عن آلاف المعتقلين دون محاكمة، وحتى إصدار عفو عام.
أما فيما يخص الأكراد فإن الخطوة الاولى لإعادة ثقتهم بالحكومة الاتحادية تتطلب إعادة صرف حصة لإقليم شمال العراق من ميزانية الدولة وإمداد القوات الكردية “البيشمركة” بالأسلحة لمحاربة “الدولة الإسلامية”، والبحث جديا عن اتفاق فيما يخص إدارة الثروة النفطية والمناطق المتنازع عليها بين حكومتي أربيل وبغداد منذ سنوات.
وفي حال تمكن العبادي من كسب ثقة السنة والأكراد فإن التغلب على “الدولة الإسلامية” سيبدو في ذلك الوقت ممكنا عبر محاصرة التنظيم وتجفيف منابع حاضنته الشعبية.
وبعد كل هذا فإن العبادي تنتظره خطوة صعبة، وهي إعادة الثقة إلى المؤسسة العسكرية العراقية أي الجيش الوطني ولجم الميليشيات المشكلة على أساس طائفي والتي ترتكب انتهاكات متكررة، وذلك لسد الطريق أمام أي احتمال لاندلاع نزاع طائفي وطمأنة السنة وجميع مكونات الشعب العراقي بأن الجيش مؤسسة وطنية تدافع عن جميع أبناء الشعب العراقي.