على الرغم من ضراوة العدوان الذي تشنه إسرائيل على غزة منذ السابع من تموز (يوليو) الماضي والذي دخل شهره الثاني على التوالي إلا أن الجبهة الداخلية في القطاع ظلَّت قوية متماسكة عصية على الانكسار.
ويرى متابعون للشأن السياسي والأمني والاستراتيجي أن الجبهة الداخلية الغزية متماسكة صامدة قوية وآمنة رغم كل هذا الدمار الذي لحق بمؤسساتها، معتبرين أن وعي الفلسطينيين شكل “صمام أمان” للحفاظ عليها.
حشد الدعم
الباحث في الشأن الأمني المقدم د. إبراهيم حبيب أكدَّ نجاح قيادة الجبهة الداخلية ممثلة بالأذرع الأمنية والوزارات المساندة لها بغزة في حشد الدعم والتأييد الشعبي للمقاومة ومواجهة الشائعات التي حاولت (إسرائيل) إطلاقها خلال العدوان والتي كانت تستهدف إضعاف تلك الجبهة.
وقال حبيب : “وعي شعبنا شكل صمام أمان للحفاظ على الجبهة الداخلية والوعي الكبير الذي تميز به شعبنا استدرك الأخطاء السابقة”.
بينما أكد الكاتب والمحلل السياسي في غزة مصطفى الصواف أن المواطن في القطاع يشعر بالأمن والأمان رغم ضراوة الحرب وغدر الاحتلال.
وقال الصواف إن “اليقظة الأمنية وقيام وزارة الداخلية بكل واجباتها الأمنية وعمل كافة أجهزتها في الميدان عزز الثقة فيها مما انعكس على تماسك الجبهة الداخلية وصمودها”.
وشاركه الرأي الكاتب والمحلل السياسي فايز أبو شمالة بتأكيده أن الشعب الفلسطيني بغالبيته مع المقاومة والأجهزة الأمنية وهذا ما يعطي الجبهة الداخلية الانضباط والمصداقية.
“عيون رجال الأجهزة الأمنية لا تُفارق الساحات والمفارق، والحس الأمني العالي والراقي الذي يتمتع به معظم الفلسطينيين الذين يلتفتون لكل صغيرة وكبيرة زاد من تماسك جبهتهم الداخلية”، وفقاً للكاتب أبو شمالة.
افتقار للمعلومات
في حين، أوضح اللواء واصف عريقات الخبير في الشئون العسكرية والاستراتيجية أن الاحتلال افتقر كثيراً إلى المعلومات خلال عدوانه على غزة.
وبحسب اللواء عريقات فإن الفضل يعُود في “الفشل الأمني والاستخباراتي للاحتلال” للدور الكبير الذي لعبته الأجهزة الأمنية بغزة في تفكيك شبكات التخابر وملاحقة العملاء طيلة السنوات السابقة.
وعملت قوى الأمن الفلسطيني خلال الأعوام الماضية على ملاحقة المتخابرين لصالح المخابرات الإسرائيلية والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه تقديم معلومات لها ، حيث نفذت خلال عامي 2010 و2013 حملتين لمكافحة التخابر مع الاحتلال.
ضربات قوية
ويشير الكاتب الصواف إلى أن الدور الكبير الذي بذلته الأجهزة الأمنية في غزة طيلة السنوات الماضية من خلال توجيه ضربات قوية لشبكات التخابر مع “الشاباك” وأجهزة استخبارات الاحتلال “أغاظت العدو”، حسب تعبيره.
ولفت إلى أن مخابرات الاحتلال اعتمدت على هؤلاء العملاء في تحديد أهدافها، معتبراً أن ضربات قوى الأمن في غزة أربكت خططه.
بينما أكد المقدم حبيب أن عمل الجبهة الداخلية التي قادتها الأجهزة الأمنية والشرطية في غزة كان يسير بشكل جيد ومتناغم طيلة أيام العدوان على غزة.
وقال المختص في الشأن الأمني “كل جهاز أمني كان يعرف دوره ومهامه من خلال غرفة عمليات تقودها الداخلية وكان لكل جهاز قيمة حقيقية قدم من خلالها انجازات رائعة”.
ولفت إلى أن أجهزة الشرطة في غزة مارست عملها خلال العدوان “بنوع من الحذر” نظراً لحالة الاستهداف الإسرائيلي الذي يتعرض له شعبنا بكافة مكوناته.
تنقية مستمرة
فيما يعتقد المحلل أبو شمالة أن خلو القطاع إلى حد ما من العملاء نظراً للتنقية المستمرة والكشف المتواصل عن شبكات التجسس لصالح الاحتلال جعل العدو الإسرائيلي أعمى داخل غزة.
وعدَّ الكاتب الصحفي هذا الأمر نجاحاً كبيراً للأمن الداخلي الفلسطينية الذي مثل “غربال ضيق الفتحات، لا يسمح ببقاء أي شائبة داخل المجتمع”، مؤكداً أن كل ذلك شكل عناصر قوة للجبهة الداخلية بغزة ومثل رادعاً لكل من تسول له نفسه في إثارة أي شكل من أشكال التآمر على الوطن.
في حين، قال الخبير العسكري اللواء عريقات إن “اسرائيل تعمدت خلال عدوانها تدمير بنيتها التحتية وإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف المدنيين لكنه فشل في تحديد قدرات المقاومة أو ضرب أهدافها وذلك بفضل الجبهة الداخلية القوية”.
واتفق الكاتب السياسي مصطفى الصواف مع سابقه بقوله أن “نجاح الاحتلال يعتمد في الأساس على العملاء الذين يزودونه ببنك الاهداف وهذا له تأثير على مجريات المعركة”.
إبطال محاولات كثيرة
ويعتقد مراقبون أمنيون أن الملاحقة الأمنية في غزة للمتخابرين مع الاحتلال كانت سبباً في نزع أقدامهم من الشوارع بشكل لافت، وأبطلت محاولات كثيرة لاستهداف رجال المقاومة.
وقال المقدم حبيب إن “الأمن الداخلي اتضح نشاطه خلال الفترة السابقة من خلال محاربة العملاء وضرب بنك أهداف الاحتلال مما أفشل مخططاته في استهداف البنية التحتية للمقاومة والأجهزة الأمنية”.
وكانت وزارة الداخلية قد أكدت على الدور الذي يلعبه جهاز الأمن الداخلي في ملاحقة المشبوهين والعملاء ورصد تحركاتهم، حفاظا على الجبهة الداخلية وتماسكها.
وكتب المتحدث باسمها في غزة إياد البزم على صفحته في موقع فيسبوك في الأيام الأولى للعدوان: “نحذر المشبوهين من أي عمل جبان يستهدف الشعب الفلسطيني وجبهته الداخلية” مؤكدا احباطهم عددا من المحاولات الغادرة التي استهدفت المقاومة.
وصدرت اعترافات إسرائيلية متكررة بفشلها الاستخباراتي في عدوانها كان آخرها على لسان وزير جيشها الأسبق شاؤول موفاز بقوله “إن الجبهة الداخلية الفلسطينية لم تتضرر من عملية الجيش بالقطاع”.
وسعت قوى الأمن في غزة على مدار الأعوام المنصرمة بشكل حثيث لحماية ظهر المقاومة بكل قوة والحفاظ على الجبهة الداخلية قوية متماسكة ، ونفذت أحكام إعدام فيمن ثبت تورطه بالتخابر لصالح “إسرائيل” ضد الفلسطينيين.