في 6 يوليو الماضي حُكم على الناشط الحقوقي السعودي “وليد أبوالخير” بالسجن لمدة 15 عامًا من قبل المحكمة الجزائية، كان وليد قد أُدين بأنه مسئول عن تشويه صورة المملكة عبر نشر تغريدات مسيئة عن حالة حقوق الإنسان في المملكة، قررت المحكمة منع وليد أيضًا من السفر لخمسة عشر عامًا أخرى بعد اكتمال مدة عقوبته وغرامة قدرها 200 ألف ريال.
نقمت السعودية على وليد بسبب إنشائه مرصدًا لحقوق الإنسان، وبسبب حديثه العلني ضد انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة ومشاركته في الدفاع عن قضايا حقوقية عدة.
تمتلك السعودية واحدًا من أسوأ سجلات حقوق الإنسان في العالم المعاصر.
تتمسك المملكة بقوانين رجعية تُلصقها المملكة بالإسلام عن طريق التفسيرات الوهابية شديدة العنف والتطرف، وشديدة الولاء في الوقت ذاته للعائلة الحاكمة.
وعلى الرغم من تفرد السعودية في عدد المغتربين وتفردها كذلك في قوانينها التي تقرها بدون رقابة دولية، تكررت الشكاوى الموثقة من اعتداء مسئولين سعوديين على العمال من البلدان النامية في شرق أسيا وأفريقيا الذين يعملون في وظائف يرفض السعوديون القيام بها، مثل جمع القمامة أو العمل في المتاجر والأسواق.
بالإضافة إلى كل ما سبق، لدى السعودية سجل أسود في حقوق المرأة، تمنع السعودية النساء من قيادة السيارات وتعتبرهن ناقصات الأهلية بشكل عام، تمنعهن من السفر عادة على مسئوليتهن الخاصة وهو بالإضافة إلى الانتهاكات الأخرى المتعلقة بالمسيحيين مثلاً؛ مما جعل النظام السعودي واحدًا من أسوأ الأنظمة القمعية في العالم في الوقت الراهن.
ولم يمنع كل ذلك الولايات المتحدة من مد جسور العلاقات مع آل سعود، وفقًا لمذكرة سرية نشرها إدوارد سنودن، فإن وكالة الأمن القومي الأمريكية NSA تعاونت بشكل كبير للغاية مع الداخلية السعودية سيئة السمعة، وفي ذات الوقت كانت الخارجية الأمريكية توثق الانتهاكات التي تقوم بها تلك الوزارة ضد حقوق الإنسان.
بحسب المراقبين، فقد تجاهلت الولايات المتحدة الأوضاع بالغة السوء لحقوق الإنسان في السعودية، وهو ما لم تفعله مع دول مثل الصين أو روسيا، وبهذا الشكل لا يمكن اعتبار التجاهل الأمريكي أمر منهجي عام، لكنه تجاهل سياسي يعبر عن فساد في المعايير، وربما حتى فساد من نوع آخر، إذ يقول “علي الأحمد” مدير معهد شئون الخليج إن هذه الدول العربية (السعودية – البحرين) كانت قادرة على شراء صمت واشنطن”.
ورغم معرفتها اليقينية الموثقة بالانتهاكات التي تقوم بها السعودية ضد مواطنيها وضد المقيمين على أرضها، إلا أن الولايات المتحدة لم تعالج تلك الانتهاكات ولم تسع حتى إلى علاجها، بل بشكل ما كانت مسئولة عن استمرارها، فباستخدام الخبرات الأمريكية والتكنولوجيا المتقدمة للمراقبة، كانت الرياض قادرة على مراقبة السعوديين جميعًا، بل لقد كشف سنودن أن الولايات المتحدة كانت تراقب السعوديين بالتعاون مع الرياض، فقد اعترضت NSA أكثر من 7.8 مليار مكالمة هاتفية أُجريت في السعودية، وهذا لم يكن ليتم لولا تعاون الجهات السعودية.
ويقول “سيفاج كيتشيتشيان” الذي يعمل كباحث مع منظمة العفو الدولية إن “السفارة الأمريكية وقنصليتها هما الأقدر على التواصل مع النشطاء السعوديين ولديهم كافة المعلومات المتعلقة بأوضاع حقوق الإنسان في المملكة، ولذلك فإن وكالة الأمن القومي مدركة تمامًا مع من تتعامل”.
في السعودية، يخشى الجميع من انتقاد الحكومة بشكل علني، يستخدمون أسماء مستعارة على شبكات التواصل الاجتماعي، ويخشون أساسًا من استخدام تلك الوسائل، مع الإشارة إلى أن هناك نسبة كبيرة للغاية من السعوديين يستخدمون الإنترنت، وأكبر نسبة من مستخدمي تويتر مقارنة بعدد السكان هم من السعوديين، هناك محاولات دائمة من قبل الأجهزة الأمنية السعودية لمعرفة كل التفاصيل الدقيقة، وهو ما يتم عبر استجواب النشطاء، أحيانًا في استجوابات النشطاء، يجدون المحققين قد طبعوا كل تغريدة على حسابهم، إنهم يراقبون كل شيء.
لكن ما المقابل الذي تحصل عليه الولايات المتحدة؟ المنفعة متبادلة بالتأكيد، تدفع السعودية بين 10 مليون و25 مليون دولار لمؤسسة كلينتون، يضاف إلى ذلك ما كشفته وزارة الخارجية الأمريكية من أن الملك عبد الله بن عبدالعزيز قد أعطى لهيلاري كلينتون مجوهرات تزيد قيمتها على نصف مليون دولار، ولجو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي تمثالاً نصفيًا لفتاة عارية الصدر، ورغم أن الخارجية أعلنت أن أي هدايا قيمتها تفوق 350 دولار فإنها سيتم التبرع بها أو أن تباع للجمهور، حيث إنها تحظر على الموظفين الاتحاديين قبول هدايا تفوق قيمتها ذلك الرقم، إلا أن البعض يرون أن ذلك يعبر عن التوجه السعودي في التعامل مع الولايات المتحدة، ويوفر فهمًا لبعض السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط.
أعلنت وكالة الأمن القومي مؤخرًا أنها تسعى لتوسيع علاقتها بالحكومة السعودية عبر وزارة الدفاع والاستخبارات وغيرها من أقسام الحكومة، كان الهدف الرئيسي من ذلك هو توفير أنظمة إنذار مبكر من العمليات الإرهابية ضد السعودية، وخاصة على طول الحدود السعودية اليمنية.
منذ 2004، ابتُليت اليمن بحرب أهلية ضد الحوثيين، وهم من الشيعة الذين يزعمون أنهم مضطهدون من قبل الحكومة السنية، الحكومة اليمنية تقول إنهم يسعون لإقامة دولة شيعية، وبعد عملية يمنية في 2009 أدت إلى تشريد مئات الآلاف من محافظة صعدة، عبر السعوديون الحدود واشتبكوا مع الحوثيين، وهو ما أكد التكهنات بأن العملية تمت بتمويل سعودي.
تعززت تلك الشكوك عندما نفذت الولايات المتحدة 28 غارة جوية على أهداف للحوثيين في ديسمبر 2009، ورغم أن الأمريكيين عادة ما يقصفون القاعدة في اليمن، وهم يتمركزون في الجنوب الشرقي للبلاد، إلا أن القصف الأمريكي طال الشمال الغربي، وهو ما أكد أن القصف كان لصالح السعوديين.
زعيم الحوثيين قال إن الطائرات الأمريكية ارتكبت مذبحة مروعة، وقال إن الجريمة التي ارتكبها سلاح الجو الأمريكي تظهر الوجه الحقيقي لأمريكا.
اليمن والسعودية تتهم الحوثيين بتلقي الدعم من إيران، وصرحت مصادر يمنية رسمية لاحقًا أن الحوثيين يجري تدريبهم في معسكرات لحزب الله في إريتريا.
بالإضافة إلى ذلك، اتهم السعوديون أعضاء من الحرس الثوري الإيراني بلقاء الحوثيين لتنفيذ عمليات على الحدود اليمنية السعودية، هذا كله أقنع الأمريكيين بإبقاء أعينهم على الحوثيين.
في نهاية المطاف، تغلب السياسة حقوق الإنسان.
بررت الولايات المتحدة تعاونها مع السعودية بـ “الحرب على الإرهاب”، لكن أصبح واضحًا أن السعودية تسعى لإضعاف النفوذ الشيعي في المنطقة، وأن لديها خططًا تتقاطع مع السعوديين وأن لديهم فهمًا يتوافق مع رؤية السعوديين لأمنهم القومي.
وفقًا لوزارة الخارجية، فإن التعذيب مستمر في السجون السعودية، رغم أن القانون السعودي يحظر التعذيب، ورغم أن الشريعة لا تقبل بأخذ شهادة المُكرَه.
أدانت وزارة الخارجية مؤخرًا الحكم على وليد أبوالخير، قبل وليد، كان هناك “رائف بدوي” الذي حُكم عليه بالسجن لعشر سنوات والجلد 1000 جلدة وغرامة مليون ريال، لم تفعل الولايات المتحدة شيئًا حيال الناشطين.
فبشكل عملي، بالتزام الولايات المتحدة بـ “الحرب على الإرهاب” قامت بعقد صفقة مع الشيطان، وتعاونت مع دولة تُتهم بالإرهاب المحلي بسجل أسوأ من القمع؛ للقضاء على “الإرهابيين” الآخرين، أعطت وكالة الأمن القومي الأمريكية السعوديين أجهزة تساعدهم على فك الشفرات وهو ما عزز مراقبة الحكومة لشعبها، وهو ما دفع الكثيرين للتساؤل عما إذا كانت واشنطن تمكن السعودية من انتهاك حقوق الإنسان، لكن الدوافع تبدو أكثر وضوحًا بالنظر إلى إيران والحوثيين.
المصدر: منت برس نيوز