راشد الغنوشي رئيس أكبر حزب سياسي في تونس وأقدم المناضلين في تونس أمضى أكثر من سنتين قبل أن يظهر للمرة الأولى في حوار خاص على قناة نسمة التونسية المعروفة لتوجهاتها اليبرالية والمنحازة إلى صف معارضي النهضة خاصة منهم الباجي قائد السبسي رئيس حزب حركة نداء تونس والمقرب جدا من مالكي القناة الايطالي سلفيو برلسكوني والتونسي طارق بن عمار.
في حواره على نسمة، أغضب الغنوشي بدرجة أولى قواعد كبيرة من حزبه بظهوره على قناة يصنفها أبناء الحزب “عدوة للحركة” وذكره للعلاقة الجيدة بينه وبين الباجي قائد السبسي الذي يصفه أبناء النهضة بأنه “كبير الفلول” والذي زاره الغنوشي مؤخرا في باريس، ومن تكراره لموقفه وموقف النهضة القاضي بالقبول بحكومة تسيير أعمال من المستقلين تحل مكان حكومة الترويكا التي يرأسها علي العريض للتحضير للانتخابات القادمة.
وأغضب الغنوشي قواعد حزب حركة نداء تونس والذين يعتبر أكبر جامع بينهم هو العداء للنهضة وللمشروع الذي تحمله، حيث ذكر الغنوشي أن الباجي قائد السبسي بادر بإرسال باقة ورود إلى الغنوشي منذ فترة عندما أصيب الغنوشي بتوعك صحي، كما ألمح الغنوشي طيلة الحوار إلى تحسن العلاقة بين النهضة ونداء تونس الأمر فهمه معظم المعلقين على أنه اشعار بقرب حصول “توافق بين الخصمين التاريخيين”.
كما أغضب الغنوشي حليفه الأكبر المنصف المرزوقي الذي يشغل الآن منصب رئيس الجمهورية عندما قال بأنه في حال مضي البلاد في خيار حكومة تسيير أعمال يحرم المشاركون فيها من المشاركة في الانتخابات القادمة فإن هذا التوجه يجب أن يشمل كل المناصب التنفيذية في البلاد بما في ذلك رئيس الجمهورية، مفسرا بأنه في حال رغبة المرزوقي في الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة فإنه مطالب بالاستقالة منذ الآن ليصبح “مواطنا تونسيا” متساوية الحظوظ مع أي مرشح آخر.
وحزب التكتل الديمقراطي الحليف الآخر لحركة النهضة في الحكم، لم ينسى من كلام الغنوشي البارحة، حيث توجه الغنوشي إلى رئيس الحزب ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر مطالبا إياه بالرجوع عن قراره القاضي بتعليق أعمال المجلس الوطني التأسيسي إلى حين بدأ الحوار بين الفرقاء السياسيين، قائلا “لقد أجريت حوارات مكثفة جدا طيلة الأسابيع الماضية، أظن أن هذا كافي” داعيا مصطفى بن جعفر إلى إرجاع أعمال المجلس التأسيسي ليستمر الحوار في ظل عودة أعمال “مؤسسات الدولة” بشكل طبيعي.
كما أغضب الغنوشي فصيلا آخر من المعارضة يرى في حل “روابط حماية الثورة” شرطا أساسيا لأي حوار وطني ولأي حل للأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، بقوله بأنه لا مجال إلى أن يتم حل جمعية حاصلة على ترخيص قانوني من خلال قرار سياسي مصرا على أن الراغبين في حل هذه الجمعية مطالبون بالتوجه بأدلتهم إلى القضاء التونسي ليكون هو الفيصل.
وبظهوره هذا يكون الغنوشي قد خلط كل الأوراق لدى حلفاء حزبه ومعارضيه وحتى لدى قواعد حزبه، وفتح الباب لإعاداة تشكيل التحالفات السياسية القائمة، أو لإعادة تكوين تحالفات سياسية جديدة أكثر تلاؤما مع طبيعة المرحلة، ويكون كذلك قد خطى خطوة في اتجاه كسر ثنائيات الاستقطاب المجتمعي، ثوار فلول أو إسلاميين علمانيين وحتى حكومة معارضة، والتي استثمرت فيها كل الأطراف السياسية بما في ذلك حزب حركة النهضة طيلة الفترة الماضية.