ترجمة وتحرير نون بوست
كان صناع السياسية الأمريكيين يحلمون بخلق شرق أوسط جديد، طبقًا لإجماع المتخصصين في السياسة الخارجية – سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين، ليبراليين أو محافظين – في أعقاب هجمات سبتمبر 2001، فقد كانوا يرون أن “التطرف الإسلامي” سببه القمع واليأس، وهكذا كان للولايات المتحدة دور في الضغط لتعزيز الإصلاح الديمقراطي ودعم حقوق الإنسان الأساسية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بدلاً من موقفهم السابق بتبني سياسات تهدف إلى الحفاظ على الوضع الراهن والذي بموجبه يحكم ديكتاتوريون أو عسكريون مستبدون أو ملوك مطلقي السلطات، العالم العربي.
لكن الآن، الرؤية الأمريكية للإصلاح والديمقراطية في الشرق الأوسط تقبع تحت الرماد، فقد كان من المفترض أن تصبح الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين خطوة أولى في تنفيذ برنامج الحريات الذي تحدث عنه جورج بوش، لكن ما فعله بوش والأمريكيون كان أن أطلقوا العنان لحروب طائفية تجتاح العراق وامتدت إلى سوريا ولبنان وأدت إلى صعود تنظيم متطرف يعلن خلافة على أرض قام بالسيطرة عليها، في مشهد يجعل من النظام البعثي الوحشي الذي قاده صدام حسين يبدو في ديمقراطية جيفرسون والآباء المؤسسين للولايات المتحدة.
وبينما تستمر الحرب بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية حماس، ينبغي أن نتذكر أنه بالتزام الأمريكيين بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، وصلت حماس إلى السلطة لأول مرة في انتخابات نزيهة في يناير 2006، ضغط الفلسطينيون والإسرائيليون لاحقًا في واشنطن وفي كل مكان لتأجيل الانتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة إذ كانت تشير استطلاعات الرأي إلى احتمالات فوز حماس، رفضت كوندوليزا رايس وأصرت قائلة إن “عقد انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في 25 يناير 2006 تمثل خطوة رئيسية في عملية بناء دولة ديمقراطية في فلسطين”.
وبينما كان النموذج الذي تبناه بوش يعتمد على الفعل وتغيير الواقع حتى لو كان باستخدام التدخل العسكري، إلا أن الأمر اختلف في عهد أوباما، فالنهج الذي اعتمده الأخير مع مساعديه الليبراليين كان أكثر تكيفًا مع الواقع في العالم العربي والشرق الأوسط، لاسيما اعتماده على رد الفعل في التعامل مع الزلازل السياسية التي أشعل فتيلها الربيع العربي، بما في ذلك التحدي الأكبر بالتخلي عن الحكام المستبدين المؤيدين للولايات المتحدة في مصر وتونس.
في الواقع، لقد رحب النقاد من المحافظين الجدد ومن الليبراليين ومن وسائل الإعلام بالإطاحة بالديكتاتور المصري حسني مبارك بنفس الطريقة التي أشادت بها وسائل الإعلام تلك بسقوط صدام حسين، على اعتبار أن تلك الثورات هي النموذج الأقرب للثورات الملونة في أوروبا الشرقية أو الثورات التي أطاحت ببقايا الأنظمة الشيوعية عقب 1989، بدأ أوباما ومساعدوه في الحديث بشأن حاجة الولايات المتحدة إلى ركوب تلك الموجة من التغيير، وإلا فسيتم تجاوز الولايات المتحدة وستفقد تواجدها في الشرق.
شدد أوباما حينها قائلاً إن الولايات المتحدة بحاجة لمخاطبة الربيع العربي، والقوى المؤثرة فيه، والسؤال الآن، يقول أوباما “ما الدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة في هذه المرحلة؟”.
وعلى عكس بوش، لم يكن نهج أوباما نتيحة مذهب عقائدي شديد التطرف، لكن أوباما كان متخبطًا في معظم الوقت، كان يعطي الضوء الأخضر لإجراء انتخابات حرة في تونس، لكنه لمصالح أخرى يرفض فعل ذلك في البحرين، يستخدم القوة للإطاحة بالقذافي في ليبيا، ويرفض استخدامها في سوريا.
وبعد قرار أوباما التخلي عن حليفه طويل الأمد حسني مبارك، والقبول بنتائج انتخابات أتت بالإخوان المسلمين إلى السلطة، انعكس ذلك بشدة على السياسة الأمريكية وترددت أصداء فوز الإخوان في جميع أنحاء المنطقة، لقد أرعب الإسرائيليين والسعوديين أن الرئيس الأمريكي كان يؤمن بأن النموذج الإسلامي الديمقراطي على الطريقة التركية سيكون مقبولاً في شرق أوسط جديد بعد الربيع العربي.
وعلى عكس المفكرين الغربيين والنخب السياسية، لم يقتنع السعوديون والإسرائيليون أبدًا بأن المنطقة على وشك الدخول في حقبة تاريخية جديدة تتبنى فيها بلدانها مشروعًا تحديثيًا تنويريًا، لكن بدلاً من ذلك، رأى السعوديون والإسرائيليون ومن يريدون الإبقاء على الوضع القائم من الديكتاتورية والجهل الذي يضرب في أطناب المنطقة، أن ما يحدث هو صراع على السلطة بين الجماعات العرقية والدينية والقبلية والقوى الإقليمية أو العالمية التي تدعمها.
ومن ذلك المنظور رأى السعوديون والإسرائيليون في الإطاحة برئيس أكبر دولة عربية (مبارك)، وفي الانتخابات التي تلت ذلك، تهديدًا مباشرًا لمصالحهم، وفي نفس الوقت خدمة للمصالح التركية؛ ومن هنا لم يكن من المستغرب أن تشترك تلك الدول في الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين وأن ترى مصلحة الرياض وتل أبيب في عودة الجيش إلى السلطة في القاهرة.
الإسرائيليون والسعوديون لديهم تخوف من جهود أوباما كذلك لاستيعاب الإيرانيين، بالإضافة إلى التخوف المصري الإسرائيلي من حماس، وهو ما ظهر في التعاون المصري الإسرائيلي الأخير في محاولة سحق القوة العسكرية لحماس، يعتقد المراقبون أن هذا التوجه ليس توجهًا استراتيجيًا طويل الأمد، لكنه توجه تكتيكي يعتمد على المصالح المشتركة، وهو يعكس الحاجة لملء الفراغ الاستراتيجي الذي أنشأته عدم قدرة الولايات المتحدة على مواصلة الحفاظ على دورها كقوة مهيمنة في المنطقة.
بكلمات أوضح، عندما تعاملت إدارة أوباما مع الواقع الجديد من خلال محاولة استيعاب بعض اللاعبين المناهضين للأنظمة القديمة، قرر السعوديون والمصريون والإسرائيليون مقاومة النهج الأمريكي، والذي يعارض مصالحهم، وكما أظهرت سياسات تلك القوى خلال الحرب على غزة، فهم لا يتوقعون مساعدة أمريكية، هم مستعدون لاتخاذ مواقف شديدة العنف، حتى لو خالفت التوجه الأمريكي أو لم تتماش مع موقف واشنطن.
بطريقة ما، تذكر هذه الشراكة بتلك التي أقامتها تل أبيب مع أنقرة خلال الحرب الباردة رفضًا للدعم الأمريكي للمجاهدين العرب.
في النهاية، لا يمكن إعادة النظام إلى الشرق الأوسط دون إمكانية إضافة إيران والتعاون معها بالإضافة إلى توفير أشكال من الاستقلال للفلسطينيين والأكراد.
يجب على الأمريكيين أن يرحبوا بإعادة النظام والهدوء إلى الشرق الأوسط مع الاستمرار في تشجيع الإصلاحات السياسية والاقتصادية التدريجية إلى المنطقة، بدلاً من العمل مثل التبشيريين بالديمقراطية، فالفكرة الخيالية بشرق أوسط جديد تم دفنها بالفعل في الموصل وأربيل وفي غزة.
المصدر: هافنتون بوست