قام موقع Vice الأمريكي بإنجاز فيلم وثائقي من داخل الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، الفيلم الذي جاء في 42 دقيقة تم تصويره -غالبا- بدون علم مقاتلي داعش أنه يتم لصالح وسيلة إعلام أمريكية.
تم تصوير الفيلم في الأراضي التي تسيطر عليها داعش، في سوريا وعلى الحدود العراقية. التصوير كان مع أعضاء وقيادات في داعش، بالإضافة إلى مواطنين سوريين وغير سوريين وأطفال، فيما لم يتم التصوير مع أي نساء داخل تلك المناطق. ويبدأ الفيلم من محافظة الرقة، ومن مدينة الرقة التي كانت أول مدينة كُبرى يسيطر عليها التنظيم أثناء حربه ضد النظام السوري.
وأظهر الفيلم الأعداد المتزايدة والانتشار السريع الذي تتمتع به داعش في الأراضي السورية والعراقية، كما تحدث عن انضمام أعداد كبيرة من “المهاجرين” أو من غير السوريين إلى داعش من أجل القتال، وكان أحد معدي الفيلم يتحدث بينما يظهر أمامه أحد المقاتلين يرتدي نظارة شمسية من طراز Ray Ban.
الفرقة 17 في محافظة الرقة كانت آخر معاقل النظام السوري، وأظهر الفيلم كيف يحاول أفراد الدولة اقتحام مقر الفرقة، بعد حصارها بشكل كامل، إذ لم تكن تأتي تلك الفرقة أي إمدادات سوى عن طريق المظلات كما يقول مقاتل في داعش.
قبل أن يستطيعوا اقتحامها، وقتل أكثر من 50 جنديا سوريا وقطع رؤوسهم وتعليقها على الأسوار في قلب مدينة الرقة في إشارة شديدة البلاغة أنه لا مهيمن على تلك المدينة سواهم.
وفي حديث مع أحد المقاتلين، قال الرجل إننا مرغنا أنوف الأمريكيين في العراق، وسنرفع راية لا إله إلا الله في البيت الأبيض.
وينتقل المشهد إلى داخل مسجد الفردوس في الرقة، يتحدث فيه خطيب عن البيعة، قبل أن يبدأ في الصياح بصيغة البيعة، ويردد خلفه الموجودون في المسجد بيعتهم لـ”أمير المؤمنين وخليفة المسلمين أبي بكر البغدادي الحسيني القرشي”. وعرض الفيلم لطفل في الحادية عشرة من عمره جاء من ريف حلب خصيصا ليبايع الخليفة حسب قوله.
داعش تقول إن توسعها في سوريا والعراق هو البداية فقط، وفي أحد المشاهد، يظهر نهر الفرات ضحلا، حيث إن تركيا أغلقت سد أتاتورك الذي يوصل مياه الفرات إلى سوريا والعراق، ويقول أحد “المجاهدين” “نتمنى أن تعيد هذه الحكومة “المرتدة” حساباتها، لأنها لو لم تعيدها فإننا سنعيدها بفتح اسطنبول، هذا تهديد صريح ووعيد، ونحن سنفتح المياه من اسطنبول.”
المقاتلون كثر ومن اتجاهات مختلفة، يقول مقاتل يبدو من لهجته أنه تونسي، يقول إنه عاش في أوروبا 25 عاما، وترك “المرأة الجميلة”، وحضر للدولة الإسلامية ليعيش بين المجاهدين، متابعا “نحن أفضل من يمشي على وجه الأرض بعد الأنبياء .. نحن المجاهدون”.
ويشير الفيلم إلى أوروبي آخر من أصول عربية، كان يعيش في بلجيكا، قبل أن يجيء إلى “دولة الإسلام”، ومعه ابنه، ويسأل الرجل ابنه أثناء التصوير “تحب ترجع لبلجيكا؟” ويجيب الولد “لا، هناك في بلجيكا كفار، ونحن نقتل الكفار لأنهم يقتلون المسلمين، كفار أوروبا وكل الكفار”، ويجيب الطفل على سؤال آخر يخيره فيه أباه بين أن يصبح مجاهدا أو أن ينفذ عملية استشهادية بقوله “أحب أن أكون مجاهدا”.
وفي نفس المكان على نهر الفرات يقول الرجل البلجيكي “سوف نسبي نساءكم كما سبيتم نساءنا، سوف نيتم أطفالكم كما يتمتم أطفالنا” قبل أن يتحشرج صوته بالبكاء!
ويحادث أحد المقاتلين طفلا يقول له أنه في التاسعة من عمره وأنه سيذهب “بعد شهر رمضان للتدرب على السلاح، ليحارب الأمريكيين والروس والكفار”. ويبدو أن الفيلم تم تصويره في الأسبوع الثاني من شهر رمضان الماضي. ويعلق أحد المقاتلين على ذلك قائلا إن “الأطفال قبل 16 سنة يخضعون لتعليم ديني ومعسكرات تربوية، وبعد عمر 16 سنة يمكنهم الاشتراك في المعسكرات العسكرية” ويتابع “ويمكنهم أن يشتركوا في عمليات وأن يقاتلوا ابتداء من هذا العمر”.
وفي مشهد آخر نرى أول خيمة رمضانية بعد إعلان الخلافة الإسلامية، ويظهر مقاتل مصري يتحدث مؤكدا أن “دولة الإسلام باقية” مستنصرا السوريين ومتوعدا “الدولة باقية غصب عنكم يا معشر المنافقين، يا معشر العلمانيين”.
ويظهر من الوثائقي أن داعش تتحكم في كل مجالات حياة الناس في الرقة، بداية من صلاة الجماعة ومرورا بلباس النساء وانتهاء بالمأكل والمشرب وتنظيم المرور. وهناك حسبة وهيئة أمر بالمعروف على الطريقة السعودية، ولديها دوريات تعمل طوال الوقت، 24/7.
ويصور الفيلم شخصا يُدعى أبو عبيده، وهو مسؤول الحسبة في الدولة، ويظهره الوثائقي أثناء مروره بالشوارع، فتارة يستوقف حلاقا يضع صورا أمام محل الحلاقة الخاص به وينهاه عن ذلك قائلا “هذا من حب الكفار، نحن نريد شارع إسلامي، كلنا مسلمين، لابد أن تزيلوا هذه الصور”. وتارة أخرى يستوقف رجلا يمشي مع امرأة منتقبة ترتدي السواد من رأسها لأخمص قدميها ويقول له “اجعلها تضبط نقابها، ولا تجعلها ترفع عباءتها أثناء مشيها، فيمكننا أن نرى ما الذي ترتديه أسفل تلك العباءه!” ويتابع بصوت مختلف “احفظ زوجتك وصونها يا أخي!”
وينظر أبو عبيدة لاحقا لمصور الفيلم قائلا إن “الله أمر بالحجاب، ومن لا يمتثل بالدعوة فسيمتثل بالقوة”. ويؤكد أبو عبيده إنهم يتابعون كل شيء، بداية من المفطرين في نهار رمضان وحتى الأسعار وامتلاء اسطوانات الغاز والبوتاجاز.
ويقول أحدهم معلقا “إن إحدى أهداف الخلافة الرئيسية هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
ويستوقف الناس في الشارع أبو عبيدة في أحد المشاهد مشتكين له من اعتقال صديق لهم أثناء وقوفه في الشارع لبيع عرق السوس بتهمة أنه “يسبب زحاما في الطريق”، ولم يخرج بعد أسبوع من اعتقاله. يرد أبو عبيدة قائلا إنه ليس مسؤولا، لكن هناك “ديوان المظالم” الذي يمكن للمواطنين أن يشتكوا فيه ضد تجاوزات رجال الدولة.
وينتقل الوثائقي إلى السجن، حيث تعتقل داعش المخالفين، فيظهر أفراد معتقلون، اثنان منهم تم اعتقالهما بسبب بيعهم الخمر في منزلهم، وآخرون تم اعتقالهم بتهم تعاطي المخدرات أو الإتجار فيها. والمشترك الواضح بين كل المعتقلين هو استسلامهم الكامل، بعضهم يقولون إن عليهم أن يُجلدوا، وهذا فيه كفارة لهم، وهم راضون بذلك، ويقول آخر إنه “سعيد باعتقاله لأنه يرجع لدينه بهذه الطريقة”. ويقول ثالث “ما أجمل من جلوسك في “عقر” الخلافة؟”، هذا الأخيري متهم بالإتجار في المخدرات، ويقول الفيلم إنها تهمة عقوبتها الإعدام عند داعش.
وردا على سؤال للصحفي معد الفيلم لأحد رجال الحسبة، حول تدخلهم في حياة المواطنين الشخصية، يقول “نحن نقوم بتدخل إيجابي في حياة الناس”، ويتابع أنه لم تعد هناك سرقات، وهناك عقوبات شديدة مثل قطع اليد، ويظهر المشهد حينها شوارع الرقة وفيها نساء جميعهن يتشحن بالسواد ومنتقبات بشكل كامل.
وفي مشهد آخر، ننتقل إلى قاعة المحكمة أو القضاء، وهو قضاء شرعي يحكم بالحدود، ويقول أحد القضاة “لا نهتم بالمعايير الدولة طالما نرضي الله”.
وداخل المحكمة نرى قسما لقضاء “أهل الذمة” في إشارة للمسيحيين المقيمين في المدينة، ويؤكد القاضي المسؤول إن هناك عقدا بين أهل الذمة وبين الدولة، إما أن يعتنقوا الإسلام، أو أن يدفعوا الجزية، وإلا فليس لهم “إلا القتل والقتال” حسب تعبيره.
ويقسم الرجل أن الدولة لم تهجر أحدا من منزله ولم تؤذ “النصارى من أهل الذمة”. إلا أن الواقع أن عشرات الآلاف من المسيحيين قد قاموا بترك المناطق التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية. ويظهر مشهد آخر، الكنيسة الوحيدة في الرقة وقد تم تحويلها إلى “مركز دعوي”، وفي مشهد ثالث يقول أحد المقاتلين مستنكرا “في أي مكان آخر كان النصارى يستطيعون أن يبنوا أماكن لعبادة ما يشاؤون” متفاخرا بأن داعش تمنع ذلك.
ويظهر الوثائقي لاحقا كيف يزيل التنظيم الحدود بين سوريا والعراق، ويظهر تونسي وسوري يعبران للعراق معبران عن فخرهم بأنهم يعبرون بدون جوازات السفر ولا تأشيرات.
وفي تعليق من أحد السوريين الذين شاهدوا الفيلم، يقول إنه لم ير من المقاتلين إلا سوري واحد، فيما كان معظم من ظهروا من المغرب العربي أو من مصر أو من الخليج العربي.
وفي أحاديث مع مواطنين من سوريا ومن العراق، يبدون سعداء بما تفعله الدولة، وربما هم من العشائر السنية القريبة من الحدود إذ يقول أحدهم وهو عراقي “ما الذي فعله لنا المالكي؟ لم يفعل أي شيء، الآن ديار المسلمين واحدة .. سنفتح الحدود من بغداد إلى الأهواز”.
لمشاهدة الفيلم: