بعد ماراثون من التأجيل أكثر من مرة، أعلنت شركة النفط السعودية “أرامكو” عزمها بصورة رسمية طرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام، وذلك بعدما وافقت هيئة السوق المالية السعودية أمس الأحد 3 فبراير/ تشرين الأول، على طلب الشركة تسجيلها في البورصة المحلية، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السعودية “واس“.
لم تضع الشركة إطارًا زمنيًا للبيع بجانب النسبة المئوية المقرر طرحها، إلا أن التقديرات تذهب إلى أنه من المنتظر طرح ما بين 1 إلى 2 % من الأسهم في البورصة في محاولة لجمع ما بين 20-40 مليار دولار، علما بأن عملية الاكتتاب تأتي في وقت يسود فيه جدل تقييم الشركة بين طموحات ولي العهد محمد بن سلمان الذي يمنّي نفسه بقيمة بحدود تريليوني دولار، بينما يرى مصرفيون أن القيمة لن ستكون أقل من ذلك بكثير.
أمال عريضة تعقدها السلطات السعودية على هذه الخطوة لسد العجز المتواصل في الموازنة العامة للمملكة للعام الخامس على التوالي، ومحاولة إنعاش الخزانة العامة للبلاد بما يغطي النفقات المليارية التي تنفقها السعودية، إما لتوسيع نفوذ خارجي أو تثبيت أركان الحكم الداخلي.
رئيس مجلس إدارة أرامكو ياسر الرميان يعتبر أن الطرح العام الأولي للشركة الأكثر تحقيقا للأرباح في العالم “خطوة مهمة لتحقيق رؤية 2030″، وحجر الزاوية الأكثر أهمية في خطة بن سلمان الاقتصادية، والتي تأثرت بصورة كبيرة بفعل الضربات التي تلقتها المملكة على المستويات الثلاثة (الاقتصاد- السياسة- الأمن) خلال الأعوام القليلة الماضية.
يذكر أن الإعلان عن الطرح الأولي لأسهم أكبر شركات النفط العالمية للاكتتاب يأتي بينما يسجل المؤشر الرئيسي للبورصة السعودية تراجعًا حادًا أمس الأحد بنحو 2%، بفعل تكهنات ببيع مستثمرين للأسهم انتظارًا لعملية الطرح، وهو ما أثار تخوفات البعض بشأن انعكاس هذه الخطوة على المناخ الاقتصادي برمته رغم المؤشرات الإيجابية لهذا التحرك.
فشل التقييم
بحسب تصريحات رئيس مجلس إدارة الشركة خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده بمدينة الظهران، أمس، فإن تقييم أسهم أرامكو ينبغي أن يتحدد بعد الجولة الترويجية للطرح، لافتًا إلى أن عملية التقييم الأولية شابتها العديد من التساؤلات والشكوك، إذ حدد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مطلع 2016 تقييمًا للشركة يصل إلى تريليوني دولار، لكن مصرفيين ومسؤولين مقربين من الشركة يقولون إن قيمتها أقرب إلى 1.5 تريليون دولار.
وفي حال الاعتماد على التقييم الداخلي عند 1.5 تريليون دولار فإن الشركة بذلك ستظل محتفظة بقيمتها العالية مقارنة بالشركتين الأعلى في العالم، مايكروسوفت وأبل، اللتين تبلغ القيمة السوقية لكل منهما نحو تريليون دولار، إلا أنه في الوقت نفسه فإن طرح 1% فقط من الأسم سيجمع قرابة 15 مليار دولار فقط وهو أقل من الرقم القياسي الذي حققته شركة علي بابا الصينية العملاقة للتجارة الإلكترونية من طرحها الأولي وبلغ 25 مليار دولار في 2014.
في إطار مساعي تحفيز المستثمرين على المشاركة والتفاعل مع هذه الخطوة، اعلنت الشركة عن محفزات تشجيعية لهم، منها تقديم أسهم مجانية لكل سعودي يستثمر بالشركة عن بدء الطرح الأولي للاكتتاب العام
البيانات الصادرة عن مراكز التقييم تشير إلى أن الطرح بصيغته الحالية سيضع أرامكو في المرتبة الحادية عشرة لأكبر طرح أولي على الإطلاق، مشيرة إلى أن قيمة الشركة تأثرت بشكل كبير بعد الهجمات التي تعرضت لها اثنتين من منشآتها النفطية مما أثر بشدة على إنتاجها. لكن أرامكو استبعدت أن يكون لهذه الهجمات أثر ملموس على نشاطها وعملياتها ووضعها المالي. كما أن الشركة لم تحدد أي إجراءات أمنية إضافية.
هذا الجدل في التقييم سيربك بلا شك حسابات ولي العهد التي استند إليها في خطته 2030، وفي هذا الشأن يقول كريستيان أولريشسون الباحث في معهد بيكر في الولايات المتحدة لوكالة الصحافة الفرنسية “يبقى أن نرى ما إذا كانت السلطات السعودية ستتوصل إلى تسوية بين ما يريده ولي العهد وواقع تقييم أرامكو في السوق”.
الباحث يرى أن “تأجيل الطرح مرارًا وتقديمه على أنه مكون رئيسي في خطة ولي العهد لتحويل السعودية، يجعل المستثمرين الدوليين يراقبون عن كثب أداء أرامكو في السوق المحلية”، بينما تعتبر شينزيا بيانكو -الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية- أن خطوة الطرح في السوق المحلية “لا تواجه عراقيل مهمة مقارنة بالعملية ذاتها في البورصة الدولية”، وتابعت أن الخطوة المحلية “تسمح للأمير محمد بأن يظهر أنه حافظ على وعوده” بشأن الاكتتاب العام.
مراحل الاكتتاب
مع الموافقة الرسمية من قبل هيئة السوق المالية السعودية على طلب الشركة طرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام في البورصة السعودية ، قدمت أرامكو خطوات إرشادية لكيفية الاكتتاب على الأسهم، كاشفة عبر موقعها الإلكتروني أن الخطوة الأولى هي “التأكد من امتلاك حساب جار مفعل في أي من البنوك المشاركة”، وعددها 13 بنكا في المملكة.
كذلك ما سمي بـ “القرار الاستثماري” داعية إلى الاطلاع على نشرة الإصدار ومناقشة قرارك مع المستشار المالي الخاص بك، وتحديد المبلغ الذي ترغب باستثماره وفق الحد الأعلى للنطاق السعري المحدد، مشيرة إلى أنه في حال كان السعر أقل فيمكن استرداد الفائض أو شراء المزيد من الأسهم.
فيما تتعلق الخطوة الرابعة بـ “تخصيص الأسهم المطروحة”، موضحة أن المستوى الإجمالي للطلب يحدد ما إذا كنت ستحصل على كامل الأسهم التي حددتها في طلب الاكتتاب أم لا، مؤكدة على أنه سيتم إعادة فائض أموال الاكتتاب دون خصم أو استقطاعات، أما الخامسة والأخيرة فهي “الإدراج والتداول”، وأنه يمكن مراقبة سعر السهم بمجرد بدء عملية التداول.
ولم تحدد الشركة موعدا يمكن شراء الأسهم فيه، قائلة إنه “سيتم الإعلان في وقت لاحق عن آلية وكيفية الاكتتاب لمن تنطبق عليهم الشروط، كاشفة أن الحكومة هي التي تبيع الأسهم بوصفها المساهم في الشركة، وأن أسهم الشركة ستُدرج في سوق “تداول”، وهي سوق الأسهم الأساسية في المملكة العربية السعودية.
وبخصوص من يمكنه شراء الأسهم، أكدت أن ذلك حق لجميع المواطنين السعوديين، ومواطني دول مجلس التعاون الخليجي، وبعض الأجانب المقيمين في المملكة، وأن الاكتتاب على الأسهم، إما من خلال حساب مصرفي أو محفظة استثمارية لدى أحد البنوك المستلمة.
كما حددت الشركة مرحلتين للاكتتاب، تبدأ الأولى في سوق الأوراق المالية في ديسمبر/كانون الأول المقبل وبنسبة 2% من أسهم الشركة، على أن تكون المرحلة الثانية في العام 2020 في إحدى البورصات العالمية وبنسبة 3% من الأسهم، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
رغم حالة التفاؤل التي خيمت على الأجواء مع الإعلان عن طرح بعض أسهم عملاق النفط العالمية للاكتتاب منذ فترة إلا أن هناك عدد من المخاوف تسيطر على المستثمرين على خلفية المستجدات الأخيرة التي تعرضت لها الشركة
تحفيز المستثمرين
وفي إطار مساعي تحفيز المستثمرين على المشاركة والتفاعل مع هذه الخطوة، أعلنت الشركة عن محفزات تشجيعية لهم، منها تقديم أسهم مجانية لكل سعودي يستثمر بالشركة عند بدء الطرح الأولي للاكتتاب العام، وذلك ضمن نظام تحفيز للمواطنين، وذلك بشرط المحافظة على ملكية أسهمهم لمدة 180 يومًا (5 أشهر) من تاريخ الاكتتاب.
الشركة على موقعها الرسمي قالت: “سيحصل شريحة السعوديين الأفراد، ممن يحتفظون بملكية أسهمهم بشكلٍ مستمرٍ ودون انقطاع لمدة (180) يومًا على (1) سهمٍ مجانيٍ لكل (10) أسهم يشترونها عند الاكتتاب، بما يصل إلى (100) سهمٍ مجانيٍ”، أي أن الشرط هو بمحافظة صاحب السهم على بملكية أسهمه لمدة 180 يومًا.
وعن سعر السهم، قالت: “سيتم تحديد النطاق السعري في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، ويغطي النطاق السعري أدنى وأعلى سعر لكل سهم معروض في الطرح العام الأولي، وسيتم تحديد السعر النهائي للسهم ضمن هذا النطاق في نهاية فترة الاكتتاب”.
وكانت الشركة قد وعدت مؤخرًا بدفع توزيعات أرباح أساسية لا تقل عن 75 مليار دولار في عام 2020، وهي نسبة أعلى بكثير من مبلغ 58 مليار دولار الذي دفعته للحكومة السعودية في عام 2018، أي ما يعادل حوالي 20 دولارًا عن كل برميل تنتجه الشركة وأكثر من أرباح الأسهم التي تدفعها إكسون، ورويال داتش شل، وشيفرون مجتمعة.
مخاوف
ورغم حالة التفاؤل التي خيمت على الأجواء مع الإعلان عن طرح بعض أسهم عملاق النفط العالمية للاكتتاب منذ فترة إلا أن هناك عدد من المخاوف تسيطر على المستثمرين على خلفية المستجدات الأخيرة التي تعرضت لها الشركة بجانب ملامح التغيير التي حلت بخارطة النفط العالمية في الفترة الماضية.
في العاشر من أكتوبر الماضي نشرت “وكالة بلومبيرغ” الأمريكية تقريرًا عن مصير الشركة في ظل التطورات الأخيرة، وقالت إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان “الذي بدأ لتوه الصعود إلى الشهرة العالمية فاجأ مجتمع الأعمال العالمي في أوائل عام 2016 من خلال وعده ببيع أسهم في شركة النفط العربية السعودية أرامكو”.
الشبكة نقلت عن دانيلو أونورينو، الذي يدير مدير الصندوق دوجما كابيتال في سويسرا واستثمر في سندات أرامكو، قوله إن “أرامكو هي ببساطة أفضل أصول النفط والغاز على هذا الكوكب”، لكن هناك مشاكل تتشكل في تكلفة رأس المال في المملكة العربية السعودية مرتفعة نسبيًا، وسعر النفط ليس الذي تريده أن يكون عليه، وهناك مشاكل تتعلق بالشفافية”.
التقرير أرجع قلق المستثمرين إلى عدة أسباب من بينها حوكمة الشركات، كذلك أن الاكتتاب العام لن يجلب الاستقلال عن الدولة السعودية التي لم تقترح بيع أكثر من 5 بالمئة من الشركة، بالإضافة إلى أنه ستبقى مدفوعات وأرباح الضرائب من أرامكو أكبر مصدر للدخل الحكومي، والمملكة العربية السعودية هي أهم عضو في منظمة أوبك، لذا إن سياسة إنتاج النفط ستبقى قرارًا سياسيًا”.
ومن مصادر القلق كذلك، توقعات الطلب، حيث أوضح التقرير أن الشركة السعودية بنيت في عصر كان فيه الطلب على النفط يرتفع بشكل موثوق عامًا بعد عام، اشترى مئات الملايين السيارات وتوجهوا إلى الطريق، ولكن لقد بدأ التغيير، حيث تستثمر شركات صناعة السيارات العالمية مثل فولكس واجن إيه جي المليارات في السيارات الكهربائية، ويتوقع بعض المحللين أن يصل الطلب على البنزين إلى الذروة خلال العقد المقبل”.
وتابع التقرير: “يواجه سوق النفط تحديات أكثر إلحاحًا أيضًا، أدت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى إضعاف آفاق الطلب على الطاقة، والمخزونات الوفيرة، وترى الوكالة الدولية للطاقة عدم توافق محتمل بين العرض والطلب في أوائل العام المقبل بأكثر من مليون برميل يوميًا”.