مع دخول المظاهرات الشعبية الأخيرة في العراق أسبوعها الثاني، شهدت المحافظات الوسطى والجنوبية في البلاد تصعيدا كبيرا من المتظاهرين شمل مختلف المحافظات.
إذ دشن المتظاهرون مرحلة جديدة في تظاهراتهم تمثلت بالاعتصام السلمي في معظم مناطق العاصمة بغداد مع إضراب شامل للجامعات الحكومية والأهلية والمدارس وغالبية الدوائر الحكومية.
لكن الحدث الأبرز خلال الساعات الماضية تمثل بإقدام المتظاهرين على إحراق القنصلية الايرانية في محافظة كربلاء، التي تعد مقدسة لدى شيعة العراق، ما عده كثير من الخبراء تصعيدا كبيرا من المتظاهرين وتحديا كبيرا لإيران التي طالما عولت على شيعة العراق في نفوذها وقوتها الناعمة الداعمة لها.
إحراق القنصلية
في سابقة هي الأولى من نوعها في العراق منذ الغزو الأمريكي وما صاحبه من تعّول إيراني ببلاد الرافدين، والأولى كذلك منذ بدء المظاهرات الشعبية في العراق في الـ 25 من أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي والتي لا تزال مستمرة، أقدم متظاهرون عراقيون على محاصرة القنصلية الإيرانية في كربلاء وعمدوا إلى إحراق جزء كبير منها.
حرق السفارة الايرانية في گربلاء ✌??? pic.twitter.com/JBgSHQ5KfO
— ڜۿلﭑ آلَحً ـيّآلَيّ ڜيخۿ عربۿﭑ (@q5QYM3e0ajMRYJU) November 4, 2019
ويقول الناشط من محافظة كربلاء “حسين مظفر” في حديثه لـ “نون بوست” إنه وبعد 16 عاما من تحكم الأحزاب الشيعية الحالية بالبلاد، بات يقينا لدى العراقيين بأن هذه الأحزاب الموالية لإيران هي سبب البلاء في كل ما حصل ويحصل في البلاد.
ويضيف مظفر أن المتظاهرين وبعد موجات العنف التي شهدوها في العراق، وبعد تصريحات مرشد إيران “علي خامنئي” تجاه المتظاهرين، أقدموا على محاصرة القنصلية الإيرانية في مركز محافظة كربلاء، لإيصال رسالة واضحة له، بأن إيران لم تعد تحظى بتلك المقبولية التي كانت لها في المحافظات العراقية وخاصة في وسط وجنوب البلاد.
ويعتقد كثير من الخبراء أن ما يحدث في العراق من انتفاضة شعبية لا تزال مستمرة رغم القمع تشي بأن العراق وبعد عقد ونصف من الطائفية التي غذتها إيران بكل ما تملك طيلة السنوات الماضية لم تعد تجدي نفعا بعد أن اكتشف العراقيون مآلاتها.
تشير التطورات الميدانية في ساحات التظاهر في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية إلى أن إيران بدأت تفقد قوتها في العراق، على الأقل الناعمة منها.
وفي هذا الصدد يقول الصحفي “أسعد الخفاجي” في حديثه لـ “نون بوست” إنه وفي اليوم الذي يحتفي فيه ملالي طهران بذكرى اقتحام السفارة الأميركية في طهران في بداية ثورة الخميني، فإنه وعلى بعد مئات الكيلومترات كان العراقيون يحتفلون أيضا، لكن بإحراق القنصلية الايرانية في كربلاء التي تعد قبلة الزوار الإيرانيين وأقدس مدن الشعية.
ويضيف الخفاجي أن العراقيين أدركوا أن جميع الكوارث التي تحصل في بلادهم وأولها الطغمة الحاكمة في بغداد بالاضافة الى المخدرات بأنواعها مصدرها إيران، لذلا فإن إحراق القنصلية الايرانية في كربلاء يعد رسالة واضحة لملاي طهران مفادها بأن نفوذكم في العراق لن يعود كما كان، حسب تعبيره.
ويرى الخفاجي أن المتظاهرين العراقيين أبدعوا وتفننوا في رفض النفوذ الإيراني، ولعل أكثر ما يثير الانتباه في الشعارات التي رفعها متظاهروا كربلاء اليافطات التي كتب عليها “إيران تصيرون أوادم لو نخليكم تزورون باليوتيوب” في إشارة إلى الزيارات الدينية التي يأتي فيها الايرانيون إلى النجف وكربلاء.
إيران تفقد شعبيتها
تشير التطورات الميدانية في ساحات التظاهر في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية إلى أن إيران بدأت تفقد قوتها في العراق، على الأقل الناعمة منها.
وفي هذا الصدد يقول الباحث العراقي ومدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة كالوب الدولية للأبحاث ومقرها واشنطن إن سر نفوذ إيران في العراق ومنذ 16 عاما لا يعتمد على قوتها الخشنة المتمثلة بالمجاميع المسلحة -رغم قوتها- بل يتجسد بقوتها الناعمة المتمثلة بالخطاب الديني الطائفي.
ويضيف داغر أن أي قوة خشنة لا يمكن أن تصمد أمام رفض الشعب لها، موضحا أن إيران بدأت تفقد قوتها الناعمة، لذا لن تصمد أي قوة لها في العراق ومن ضمنها الخشنة، وفق رأيه.
وعلى إثر إحراق القنصلية الإيرانية في كربلاء، أعلنت القنصلية وبعد ساعات على إحراق اجزاء منها تعليق عملها مؤقتا، مضيفة أن الظروف الأمنية ليست مواتية لاستقبال الزوار الإيرانيين في كربلاء.
تمسك بعبد المهدي
مع استمرار المظاهرات الشعبية في العراق وإصرار المتظاهرين على مطالبهم، قُتل 5 متظاهرين في بغداد عند محاولتهم عبور جسر الأحرار، كما فتحت قوات الأمن نيران أسلحتها تجاه المتظاهرين الذين حاولوا الاقتراب من مقر قناة العراقية الرسمية، ما يعني ارتفاع حصيلة قتلى المظاهرات الشعبية في العراق إلى أكثر من 260 شخصا إصافة الآ أكثر من 11 ألف جريح.
في الوقت ذاته، أعلنت قيادة العمليات في محافظة البصرة أنها حصلت على موافقات قضائية لاعتقال المتظاهرين الذي يتسببون في قطع الطرق عن المنشآت الحيوية للمحافظة والتي تشمل شركات ومصافي النفط والموانئ.
وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي “رياض الزبيدي” في حديثه لـ “نون بوست” إن الطبقة السياسية الحالية بما فيها الحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية تعيش حالة من التخبط غير المسبوق، إذ فشلت جميع الوعود الحكومية بامتصاص غضب المتظاهرين.
الزبيدي أوضح أنه وللمرة الأولى من انطلاق الموجة الثانية للتظاهرات في الـ 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، استخدمت قوات الأمن الرصاص الحي المباشر في قمع المتظاهرين، لافتا إلى أن الكتل السياسية مجتمعة ترفض استقالة أو اقالة رئيس الوزراء الحالي “عادل عبد المهدي” على الرغم من مطالبتها بذلك صراحة في وسائل الإعلام.
وعزا الزبيدي ذلك إلى أن المشكلة لا تكمن في استقالة عبد المهدي بل في استحالة اتفاق الكتل السياسية على بديل له، خاصة أن الصراعات السياسية بين مختلف الكتل الشيعية تشهد تصعيدا كبيرا، بحسبه.
ويعتقد الزبيدي ان الحكومة باتت تعوّل الان على عامل الوقت في تراجع المظاهرات، إذ تعمد الحكومة إلى استمرار المظاهرات بشكلها الحالي معتمدة على أمل أن تتراجع المظاهرات بفعل تعب المتظاهرين وصعوبة ديمومة الدعم الذي يحضون به الان.