ما زال الواقع القبلي في مناطق شرق الفرات يفرض نفسه بقوة، إذ تشكل العشائر البنية الرئيسية للمجتمع في تلك المناطق، وتشكل القبائل العربية الانتشار الأوسع في جميع مناطق شرق الفرات، بين الحدود التركية شمالًا والعراقية جنوبًا، في حين أصبحت المدن الرئيسية ومراكز المناطق والحدودية التي ظهرت في الحقبة الفرنسية، بؤرًا استيطانية لخليط من مختلف الإثنيات والأديان والمجموعات السكانية في المنطقة.
نستعرض في هذا التقرير، أهم العشائر العربية في شرق الفرات ومناطق توزعها الرئيسية، مع ذكر الأدوار التي لعبتها، إن وجدت.
قبيلة طيء
قبيلة طيء من أقدم القبائل العربية في منطقة الرافدين، وثبت وجودها منذ العهد المسيحي في المنطقة، وذلك بعد انهيار مملكة النبطيين العربية (106 ميلادي).
انقسمت قبيلة طيء في موقفها من الثورة، وعلى الرغم من انضمام قسم كبير من أبنائها للثورة، فقد بقيت الغالبية من أبنائها بقيادة زعمائها مع النظام
يتركز وجود قبيلة طيء اليوم في منطقة القامشلي وريفها الشرقي والجنوبي، وقسم منهم في ناحية الشيوخ التابعة لعين العرب، وقد مارست طيء ضربًا من “نفوذ أبوي” على عشائر آليان والتشيتية الكردية المجاورة في الماضي.
تتشكل طيء من حلف قبلي يضم كل من عشائر (العساف، الحريث، اليسار، الجوالة، الراشد، بني سبعة، حرب، الغنامة، البوعاصي)، إضافة إلى فرع من المعامرة وكذلك فرع من البقارة.
انقسمت قبيلة طيء في موقفها من الثورة، وعلى الرغم من انضمام قسم كبير من أبنائها للثورة، فقد بقيت الغالبية من أبنائها بقيادة زعمائها مع النظام، وساهمت في تشكيلات الدفاع الوطني مع النظام، وانضوى قسم من أبنائها تحت الميليشيات الكردية أيضًا.
قبيلة شمر
تعد قبيلة شمر من أهم القبائل التي لعبت أدوارًا سياسةً مهمة في منطقة الجزيرة الفراتية في مراحل مختلفة منذ العهد العثماني، وهي من أواخر القبائل عهدًا بالبداوة، كنظيرتها عنزة، قبل أن تتحول كلتاهما إلى الاستقرار الزراعي منذ الثلاثينيات من القرن المنصرم، وتنحدر قبيلة شمر من هجرة قريبة من نجد في أواسط القرن السابع عشر بدءًا من سنة 1640.
تنتشر قبيلة شمر في محافظة الحسكة بشكل رئيسي، وتحديدًا مناطق ناحية اليعربية التابعة لمنطقة المالكية في أقصى الشمال الشرقي من سوريا، وقبيلة شمر اليوم قليلة التعداد مقارنة مع باقي القبائل، لكنها تتمتع بنفوذ كبير في المنطقة وخارجها، كما لا يحظى النظام بشعبية بين أفراد القبيلة، خاصة أنهم يعتبرونه المسؤول عن فقدان ملكياتهم الكبيرة من الأراضي، أما مواقفهم السياسية فهي منقسمة بين مؤيدين للثورة ومعظمهم في الخارج، وقسم آخر برئاسة شيخ القبيلة شكل فصيلاً مسلحًا باسم الصناديد انضم للقوات الكردية، وبقي على صلة بالنظام تحسبًا للمستقبل.
قبيلة الجبور
الجبور إحدى أكبر وأبرز القبائل الزبيدية في محافظة الحسكة، استقروا زراعيًا في وقت مبكر في منطقة الخابور، تتوزع الجبور على منطقة شاسعة تمتد من جنوب الحسكة على امتداد الخابور لتشمل الشدادي حتى الصور، وفي شمال الحسكة وشرقها، بدءًا من أم جرجان مرورًا بشمال كوكب، ثم وصولًا إلى تل براك والمنطقة الواقعة بين تل حمدي وتل بردي، وعلى خط تل براك القامشلي وصولًا إلى أطراف القامشلي.
شيخ قبيلة الجبور العربية في منزله بالحسكة 1927
مواقف القبيلة منقسمة بين مؤيد للثورة ومؤيد للنظام، وقسم منهم ينضوي تحت الميليشيات الكردية (قسد)، إلا أن العدد الأكبر من شهداء محافظة الحسكة على يد النظام كان من أبناء هذه القبيلة.
قبيلة الشرابيين
تشكل قبيلة الشرابيين ثقلًا عدديًا مهمًا، في منطقة الجزيرة السورية، ويعتبر انتشار عشائرها الأوسع جغرافيًا بين القبائل التي تتمركز عادةً في مناطق محددة، حيث تتوزع في 8 مناطق في محافظة الحسكة هي: (رأس العين، جبل عبد العزيز، تل تمر، الحسكة، القامشلي، ناحية تل حميس – الصفرة، منطقة رميلان وديريك، منطقة جنوب وادي الرد)، ولم تلعب القبيلة أدوارًا سياسية مهمة على مسرح الأحداث، كما أنها منقسمة بين أغلبية موالية للنظام وأقلية موالية للثورة، ومع تراجع سيطرة النظام في شرق الفرات، ورغم اندلاع مواجهات عنيفة بين أبناء قبيلة الشرابيين وميليشيات الحماية الكردية بين عامي 2013 – 2014 في كل من منطقة حقول الرميلان النفطية، وناحيتي تل تمر وتل حميس، نتج عنها سقوط عدد كبير من القتلى بين صفوف الميليشيات الكردية YPG، فقد انضوى الكثير من أبنائها تحت سلطة الميليشيات الكردية في نهاية المطاف، مع تنامي القوات الكردية التي كانت مدعومة من النظام، وسيطرتها على المنطقة بشكل كامل.
عشيرة الزبيد
لا تزال هناك عشيرة تحمل اسم الزبيد، الوعاء القبلي الكبير الذي تفرعت منه معظم عشائر سوريا والعراق، يرأس العشيرة الصغيرة نسبيًا في محافظة الحسكة أسرة الفارس، وقراها قرب ناحية الجوادية، ساهمت في تحريك المظاهرات الأولى في ناحية الجوادية ضد النظام، واشتبك عدد من أبنائها بمعركة دامية مع فوج لجيش النظام في بداية الأحداث أدت إلى استشهاد أكثر من 15 شابًا من أبناء القبيلة.
عشيرة المُحلميَة
المُحلمية من أقدم القبائل في طور عابدين، هاجر قسم كبير منها إلى سوريا في الحقبة الفرنسية، واستقر أبناؤها في مدينة القامشلي وبعض القرى في الريف.
ساهم أبناؤها في الحراك الثوري في حي قدور بك بالقامشلي، كما انضوى قسم منهم تحت سلطة الميليشيات الكردية، وبقي معظمهم على الحياد ملتزمًا الصمت، مع وجود لفئة صغيرة متنفعة محسوبة على النظام.
عشيرة الخواتنة
من العشائر القديمة في الجزيرة الفراتية، تنتشر بشكل خاص في ناحية الهول التابعة لمحافظة الحسكة، وقسم منها في ناحية عامودا، وهي من أولى العشائر التي شاركت في الثورة، ودفعت ثمنًا باهظًا على أيدي النظام وكذلك القوات الكردية التي هجرتها بشكل كامل، قبل أن تتمكن من العودة التدريجية إلى ناحية الهول والقرى المحيطة.
استطاعت القوات الكردية تجنيد عدد من أفرادها، وكذلك بقيت فئة متنفعة على علاقتها مع النظام.
عشيرة العدوان
تنتشر هذه العشيرة في منطقة رأس العين بشكل خاص، ولم تلعب أدوارًا سياسية في المنطقة، ما عدا شيخ العشيرة الذي انضم للثورة بداية الحراك، لكنه عاد إلى النظام لاحقًا، وتنقسم كحال باقي القبائل بين مؤيد للثورة ومؤيد للنظام، وكذلك بين مجندين مع الميليشيات الكردية.
قبيلة البقَارة
البقارة عشيرة عربية معروفة تنتشر في معظم أنحاء سوريا، وتعتبر منطقة دير الزور مركز ثقلها، وينقسم البقارة إلى قسمين أساسيين: بقارة الزور (على ضفاف الفرات من الجهة الشرقية)، وبقارة الجبل (جبل عبد العزيز في محافظة الحسكة)، وللبقارة انتشار في مناطق رأس العين وتل أبيض وتل تمر والحسكة.
كحال معظم القبائل أيد قسم من أبناء القبيلة الثورة، في حين بقي قسم كبير منهم إلى جانب النظام، ومن أبرز الشخصيات كان شيخ القبيلة نواف البشير الذي انضم إلى المعارضة، لكنه وفي ظروف غامضة عاد إلى سوريا وشكل ميليشيا انضمت إلى النظام برعاية إيرانية، كما أن قسمًا منهم انضوى كذلك تحت سلطة الميليشيات الكردية.
قبيلة العقيدات
تعتبر قبيلة العقيدات من أكبر وأهم القبائل في منطقة شرق الفرات، وهي الأكبر في محافظة دير الزور وتنتشر في جميع أرجاء منطقة دير الزور وصولًا إلى البوكمال.
لعبت القبيلة خلال الثورة أدوارًا عسكرية وسياسية مختلفة، وشكلت مجموعة كبيرة من الفصائل، انضم الكثير منها إلى الجيش الحر، كما تعرض الكثير من أبناء دير الزور لمذابح على يد داعش التي حاولت كسر شوكتهم، والعقيدات من أولى القبائل التي ثارت بوجه النظام بشكل جماعي، دون أن يعني ذلك عدم وجود جماعات موالية للنظام خاصة أن هناك عددًا كبيرًا من أفراد السلك العسكري في الدولة من أبناء هذه القبيلة، وقد تعرضت القبيلة لشتى أنواع التهجير خلال الثورة على يد النظام ثم داعش وأخيرًا قسد، كما نجح النظام وكذلك قسد باستقطاب عدد كبير منهم على خلفية المجازر التي ارتكبتها داعش بحق عشيرة الشعيطات إحدى أبرز عشائر العقيدات.
عشائر البوشعبان
البوشعبان من العشائر الزبيدية التي تنتشر مع أبناء عمومتها من العفادلة والسبخة وعدد كبير من العشائر الأخرى الأصغر حجمًا في محافظة الرقة وريفها، وكحال جميع القبائل، انقسمت القبيلة بين النظام والمعارضة والميليشيات الكردية، ودفعت ثمنًا باهظًا في إطار الحرب المعلنة ضد داعش التي أدت إلى تهجير عدد كبير منهم ودمار شبه كامل في بلداتهم وقراهم.
عشائر عربية أخرى
هناك عشائر عربية أخرى في منطقة الجزيرة، ورغم تعدد أسمائها، فإن الرابط بينها هو زعمها بالنسبة إلى آل البيت، ويطلق عليهم “السادة”، ومعظمهم يشكلون حلفًا ضمن قبائل أخرى، ومنهم: المعامرة، النعيم، الحياليين، البوسالم، آل الشيخ نامس، المشاهدة، ومعظم أفراد هذه العشائر مؤيدة للنظام، مع وجود أفراد أيضًا بشكل محدود مؤيدين للثورة، وانخراط قسم منهم مع الميليشيات الكردية.