نظمت القوات العسكرية التابعة للعمال الكردستاني في سوريا نفسها ضمن تنظيم أطلقت عليه (قوات الدفاع الذاتية)، وفي 19 من يوليو/تموز 2012، أُعلن تشكيل “وحدات حماية الشعب” YPG، في بلاغ أصدرته القيادة العامة للوحدات، وقد انضوت لاحقًا تحت مسمى “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وذلك بعد التقارير الحقوقية والدولية التي أشارت إلى تورطها في عدة جرائم ومجازر وعمليات تهجير، في خطوةٍ يبدو أنها جاءت بناءً على طلب أمريكي، ليكون الغطاء الأمريكي لهذه القوات تحت شعار أنها قوات (سورية)، وبذلك تتجنب الإحراج أمام عضو مهم في الناتو (تركيا) التي تعدّ حزب العمال الكردستاني والميليشيات المرتبطة به، قوات إرهابية.
القمع ومحاولات بسط النفوذ
شهد عام 2013 بداية فعلية لعمليات القمع على أيدي الوحدات الكردية YPG، وشهدت هذه السنة أول عملية تصد يقوم بها سكان القرى العربية لهذه القوى في مناطق رميلان وتل تمر، وكانت منطقة الجزيرة في عامي 2013-2014 شاهدةً على عشرات الجرائم والانتهاكات والمجازر بحق المدنيين، في محاولة لترهيب السكان وإخضاعهم لسيطرة الأمر الواقع.
المجازر بحق المدنيين
ارتكبت القوات الكردية عددًا كبيرًا من المجازر في مناطق سيطرتها بمحافظة الحسكة بين عامي 2013-2014، وباستثناء مجزرة عامودا التي اُرتكبت في يونيو/حزيران 2013، بحق المتظاهرين الأكراد في ناحية عامودا وذهب ضحيتها 6 مدنيين، فقد كانت جميع المجازر الأخرى بحق القرى والبلدات العربية، وأهمها:
- مجزرة قرية الأغيبش العربية في ريف تل تمر وأُعدم فيها 7 من أبناء القرية، وجُرف 27 منزلًا.
- مجزرة تل براك في ريف الحسكة، وقعت في 22 من فبراير/شباط 2014 وراح ضحيتها نحو 35 مدنيًا من أبناء القبائل العربية.
- مجزرة غويران، اُرتكبت بحي غويران الثائر في محافظة الحسكة، بعد هجوم مشترك ساهم فيه النظام إلى جانب القوات الكردية، وجرت الهجمات على مرحلتين: الأولى في فبراير/شباط 2014 والثانية في شهر أغسطس/آب 2014.
- مجازر ريف القامشلي، ارتكبت بأهالي قرى (تل خليل والحاجية والمتينية)، بتاريخ 13 من سبتمبر/أيلول 2014، وراحل ضحيتها 35 مدنيًا، من عشر أسر عربية ينتمون لعشيرة واحدة.
سياسات التهجير (الأرض المحروقة)
الأرض المحروقة إحدى السياسات التي اتبعتها القوات الكردية في تهجير السكان، وكانت موجهة بشكل حصري ضدّ العرب الذين يشكلون الغالبية السكانيّة. هذه المجازر كانت مقدمة لعمليات التهجير، وبالتالي كانت قوات العمال الكردستاني تعمد إلى حرق القرى الخالية وتجريف المنازل وردم الآبار الزراعية، إضافة إلى زرع الألغام في المساحات المزروعة أو الجاهزة للزراعة، وتمنع الأهالي من العودة إلى قراهم، لدفعهم إلى النزوح لمناطق أخرى، ومن أهم عمليات الحرق والتهجير:
- حرق قرية الرحية في ريف القامشلي.
- عمليات التهجير لأكثر من 130 عائلة في رأس العين في أبريل/نيسان 2014.
- حرق قرى ريف تل حميس، وهو ما وثقته منظمة العفو الدولية ودعمت تقريرها بصور الأقمار الصناعية والزيارات الميدانية.
- تجريف 13 قرية في منطقة جنوب وادي الرد في ريف القامشلي في 3 من سبتمبر/أيلول 2014 بعد حرقها.
- تهجير سكان ناحية الهول التابعة لمحافظة الحسكة، وسكانها جميعهم من العرب، وذلك في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
- التهجير في ريف الرقة (تل أبيض وعين عيسى وسلوك) بذريعة الحملة ضدّ داعش.
قرية الحُسينية بعد أن دمرها تنظيم وحدات حماية الشعب الكردية وهجّر أهلها، صور من الأقمار الاصطناعية نشرتها منظمة العفو الدولية
الإدانات الدولية والمحلية لانتهاكات قوات الحماية الشعبية YPG
يمكننا القول إن طبيعة الانتهاكات والممارسات التي نفذتها الميليشيات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، بحسب التقارير المختلفة الدولية والمحلية، راوحت بين ارتكاب مجازر وحرق قرى وتجريفها وتهجير مدنيين ونفي أشخاص واحتلال ونهب القرى والمنازل والممتلكات، إضافة إلى قمع التظاهرات وتجنيد الأطفال ومنع نشاط جمعيات المجتمع المدني.
تقارير المنظمات والجهات الدولية
أهم التقارير والبيانات التي صدرت من منظمات دولية أو جهات سياسية دولية، تدين فيها صراحة انتهاكات القوات الكردية في سوريا، كانت كالآتي:
- تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في 7 من سبتمبر/أيلول 2015، بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التي ينفذها حزب الاتحاد الديمقراطي وميليشياته المسلحة ضد المعارضين لهم، وأنهم يستخدمون تهمة الإرهاب للمخالفين لهم، لشرعنة الاعتقالات التعسفية.
- تقرير صادر في 13 من أكتوبر/تشرين الأول 2015 عن منظمة العفو الدولية جاء فيه أن (التهجير القسري للسكان وتدمير المنازل الذي تقوم به القوات الكردية في شمال سوريا وشمال شرقها، يشكل “جرائم حرب”).
- أصدرت منظمة (هيومن رايتس ووتش) في 19 من يونيو/حزيران 2014 تقريرًا بعنوان (تحت الحكم الكردي.. الانتهاكات بالمناطق الخاضعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي).
- في 5 من يوليو/تموز 2014، أعلنت منظمة (نداء الإنسانية) السويسرية أنها تمكنت من الحصول على التزام من أطراف كردية (قوات حماية الشعب وقوات حماية المرأة) بعدم تجنيد الأطفال، وبأنهم تعهدوا بتسريح 149 طفلًا.
- في 1 من يونيو/حزيران 2015، أصدرت صحيفة (التايمز) البريطانية تقريرًا عن حملات التطهير العرقي التي تشنها قوات الحماية الكردية ضد العرب السوريين، في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
- في 30 من مايو/أيار 2015، أثارت مجلة (فوكوس) الألمانية، وهي إحدى أبرز المجلات، قضية تجنيد القوات الكردية القاصرات في صفوفها.
- في 12 من يونيو/حزيران 2015، عبّرت الولايات المتحدة الأمريكية، على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جيف راثكي، عن قلقها من تقارير تكشف استغلال حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي السوري، للدعم الجوي لقوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم (داعش)، في تهجير أعداد كبيرة من العرب والتركمان السوريين خارج مناطقهم.
أحد عناصر المليشيات الكردية في راس العين، التايمز
تقارير منظمات حقوقية محلية
أصدرت منظمات حقوقية سورية مثل (الشبكة السورية لحقوق الإنسان واللجنة السورية لحقوق الإنسان والشبكة السورية سواسية لحقوق الإنسان ومركز توثيق الانتهاكات في سوريا والمرصد الآشوري لحقوق الإنسان) وغيرها، ما يزيد على 90 تقريرًا، يوثق انتهاكات القوات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي بحق المدنيين والصحفيين والإعلاميين، والقتل العمد للمدنيين، والمعتقلين والمغيبين قسريًا، وتحدثت تقارير عن استهداف المنشآت الحيوية والخدمية والتعليمية، واستهداف مخيمات اللاجئين، وأيضًا عن ممارسات التجنيد الإجباري والتهجير القسري والاعتداء على الأملاك والانتهاكات في القرى.
(كوردووتش) هو أحد مشاريع المركز الأوروبي للدراسات الكردية ويرصد انتهاكات حقوق الإنسان بحق الأكراد في سوريا، أصدر مئات التقارير التي تشير إلى وجود انتهاكات بحق الأكراد، على يد القوات الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني.
بيانات الإدانة التي أصدرها الائتلاف السوري لقوى المعارضة
أصدر الائتلاف لقوى الثورة السورية عشرات البيانات والتصريحات، أدان من خلالها انتهاكات قوات الحماية الشعبية YPG، واعتبر من خلالها أن الاتحاد الديمقراطي معادٍ للثورة وذراع للنظام، وأدان من خلالها مجازر وجرائم قتل، قامت بها هذه القوات، في تل براك وحي غويران والحاجية وتل خليل والمتينية، كما أدان في بيانات أخرى ممارسات هذه الميليشيات ضدَّ الأحزاب الكردية الأخرى من اعتقال وقمع، وكذلك القوانين الصادرة بشأن إدارة أموال المهاجرين وغيرها.
واحتج الائتلاف على دعم الولايات المتحدة لميليشيات PYD ضدّ الجيش الحر، وفي 5 من مارس/آذار 2016، جدد رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب اتهام ميليشيات PYD بأنها ذراع للنظام، وأن وجودها في المنطقة يدعم الجرائم المرتكبة بحق المدنيين.
في 14 من أغسطس/آب 2016، أدان الائتلاف عملية حرق سجلات الملكية العقارية في منبج على أيدي ميليشيات PYD
كما أصدر الائتلاف، في نهاية مايو/أيار 2016، بيانًا اعتبر فيه أن “أي قوّة محلية أو خارجية، تحاول استغلال شعار محاربة الإرهاب، من أجل تحقيق أهداف خاصة، هي مشروع احتلالي جديد لكسر إرادة السوريين”، محذرًا من استمرار التوجه الحاليّ الذي يحصر الدعم العسكري الفعال بميليشيا PYD المرتبطة بنظام الأسد الإرهابي وحلفائه، التي ترتكب الجرائم بحق السوريين، وصدرت بحقها تقارير دولية مستقلة تؤكد قيامها بأعمال ترقى إلى جرائم حرب.
وفي 14 من أغسطس/آب 2016، أدان الائتلاف عملية حرق سجلات الملكية العقارية في منبج على أيدي ميليشيات PYD، ومما جاء فيه: “يعتبر الائتلاف حرق الوثائق والسجلات وإتلافها عملًا خطيرًا، يتَّسق مع محاولات تهجير المواطنين من بلداتهم وقراهم، ومنعهم من العودة إليها بذرائع مختلفة، ويؤكد أن الجرائم والانتهاكات التي تنفذها ميليشيا PYD تمثل امتدادًا لجرائم تنظيم (داعش) الإرهابي، وهدفها منع كل ما يُحافظ على وحدة سوريا وتعايش أبنائها، وتكميم الأفواه وفرض سلطة الأمر الواقع، والعمل على إشاعة الفوضى والإرهاب والتفرقة”.