قدّمت الحكومة الأردنية استقالتها بناء على طلب رئيس مجلس الوزراء، عمر الرزاز، تمهيدًا لإجراء تعديل وزاري وشيك على حكومته خلال الأيام القليلة الماضية، في خطوة جاءت “استحقاقاً لمتطلّبات المرحلة المقبلة”، بحسب وكالة الأنباء الأردنية الرسمية “بترا“.
ويعد هذا التعديل المرتقب هو الثالث من نوعه منذ تشكيل حكومة الرزاز في يونيو 2018 على خلفية الاعتصامات والإضرابات التي شهدتها المملكة في مايو من نفس العام اعتراضًا على قانون الضريبة، ليعيد التاريخ نفسه مرة أخرى، إذ يذهب فريق إلى أن التغيير في بعض الحقائب الوزارية سيكون نتاجًا للاحتجاجات التي عمّت العاصمة عمّان وبعض المدن المجاورة خلال الفترة الماضية.
ورغم عدم الإفصاح عن ملامح التعديل إلا أن مصادر كشفت أنه من المتوقع أن يشمل وزارات النقل والزراعة بالإضافة إلى فصل التعليم العالي عن التربية والتعليم والثقافة عن الشباب، فيما استبق وزير التربية والتعليم والتعليم العالي، وليد المعاني التعديل المنتظر فقدم استقالته، التي قيل إنها جاءت على خلفية أزمة إضراب المعلمين التي شلّت العملية التربوية والتعليمية لأكثر من شهر ما بين سبتمبر وأكتوبر الماضيين.
وتبقى التحديات التي واجهت الحكومة المستقيلة حاليًا هي ذاتها التي تواجه التشكيل الجديد وإن زاد عليها تأزم الوضع الاقتصادي بصورة أكبر مما كانت عليه قبل أشهر بسبب تراجع معدلات الدعم الخارجي، هذا بجانب المستجدات السياسية والأمنية على الساحة الإقليمية.
جدير بالذكر أن آخر تعديل أجري على الحكومة كان في 9 مايو الماضي، وقد تضمّن تعيين كل من سلامة حماد وزيرًا للداخلية، والدكتور محمد العسعس وزيرًا للتخطيط والتعاون الدولي ووزير دولة للشؤون الاقتصادية، وتعيين ياسرة غوشة وزيرة لتطوير الأداء المؤسسي وتعيين المهندس وليد المصري، وزيرا للإدارة المحلية، وتعيين مثنى غرايبة، وزيرًا للاقتصاد الرقمي والريادة وكذلك تعيين سامي داوود، وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء إلى جانب تعيين نضال البطاينة، وزيرًا للعمل والدكتور سعد جابر، وزيرًا للصحة.
إضراب المعلمين.. السبب المعلن
أصيبت المملكة خلال الشهرين الماضيين، سبتمبر وأكتوبر، بحالة شلل تام في العملية التعليمية، جرّاء الإضراب الذي بدأه المعلمون على خلفية مطالبتهم بتحسين مستوى دخولهم وزيادة رواتبهم بما يتناسب مع الوضع الاقتصادي المتردي وموجات زيادة الأسعار المتتالية.
وعلى مدار عدة أسابيع فشلت كافة محاولات الحكومة لاحتواء المعلمين، حتى بعد صدور حكم قضائي بضرورة وقف الإضراب، ظلت تبعاته تخيم على الأجواء التعليمية، لتنتقل إلى ساحات وآفاق أخرى، وضعت حكومة الرزاز في مأزق حقيقي، سواء أمام الشعب أو الملك على حد سواء.
يعاني الاقتصاد الأردني خلال الفترة الأخيرة من أزمات حادة، بفعل المستجدات المحلية والإقليمية والدولية
تحوّلت الأزمة مع مرور الوقت إلى ما يشبه كرة الثلج المتدحرجة، ففيما وجهت الحكومة دعوات مكثفة للطلبة بضرورة الالتحاق بمدارسهم، محذّرة من اتخاذ عقوبات مالية وإدارية بحق المعلمين المضربين، إضافة لعقوبات تصل لحرمان الطلبة المتغيبين عن الدوام المدرسي، وإذ بردود الفعل تأتي معاكسة لما هو مأمول، حيث انضم الطلاب إلى مطالب معلّميهم في مشهد أثار حالة من الجدل لدى الشارع الأردني عامة.
ويطالب المعلمون بالحصول على علاوة تصل إلى 50% ولكن الحكومة قرّرت منحهم الحد الأعلى من العلاوة وهو 24 دينارًا (حوالي 34 دولارًا) للمعلم المساعد، و31 دينارًا (حوالى 44 دولارا) للمعلم الخبير وهو “أقصى ما تستطيع الحكومة تحمله في ظل الظروف الاقتصادية الحالية”، فيما جاء رد النقابة بالرفض قائلة: “مقدار العلاوة المطروح لا يساوي 10%، بل هو أقل مما كان يدور النقاش حوله”.
الاقتصاد.. التحد الأكبر
ربما كان العامل الظاهر لإجراء هذا التعديل هو فشل الحكومة في التعامل مع أزمة إضراب المعلمين، لكن تلك الأزمة وغيرها من الأزمات الأخرى عناوين فرعية لمانشيت أكثر وضوحًا يسمى “الاقتصاد”، هذا العنوان الأبرز الذي يجب تحته كافة العراقيل والتحديات التي أطاحت بالحكومات السابقة.
يعاني الاقتصاد الأردني خلال الفترة الأخيرة من أزمات حادة، بفعل المستجدات المحلية والإقليمية والدولية، ومما زاد من وقع الأزمة أنه يعد من الاقتصاديات الناشئة المفتوحة على العالم الخارجي وهو ما يجعله عرضة لأي مؤثرات قادرة على إحداث الارتباك في مفاصله الرئيسية.
الخبير الأردني مالك خصاونة في تقرير له تحت عنوان “الاقتصاد الأردني: اختلالات وتحديات” استعرض واقع اقتصاد المملكة وأبرز التحديات التي تواجهه، مع وضع روشتة لكيفية الخروج من الأزمة الراهنة، أو على أقل تقدير التعاطي معها بما يحجم تمددها.
يمثل تنويع مصادر الدخل القومي للمملكة التحد الأكبر، إذ يعتمد الأردن في دخله على المساعدات الخارجية من دول الجوار الخليجي
التقرير الذي نشره معهد الجزيرة للدراسات كشف أن حجم الدين الداخلي للدولة لعام 2014 فاق الـ 14 مليار دينار، مقارنة بأكثر من 15 مليار دينار عام 2015، وبنسبة نمو بلغت 5.9%؛ أما الرصيد العام للدين العام الخارجي فقد بلغ في عام 2014 ما مقداره 8 مليار دينار تقريبًا مقارنة بـ 9 مليار دينار عام 2015، ويُشَكِّل الدين العام ما نسبته 86.2% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وذلك وفقًا لإحصائيات البنك المركزي.
كما تطرّق إلى الأثار المترتبة على سياسة فرض الضرائب الجديد والتي شملت خدمات وسلع متعددة، حيث كشف أن هذا الأمر أدى إلى انخفاض معدلات الدخول الحقيقية للأفراد والمجتمع، وبلغت الإيرادات الضريبية في عام 2014 و2015 ما مقداره 4 مليارات دينار.
الورقة المقدمة ألقت الضوء كذلك على تراجع المساعدات والمعونات الخارجية والتي كانت تمثل محورًا هامًا في اقتصاد المملكة، لافتًا إلى انخفاض حجم تلك المساعدات 1.2 مليار دينار عام 2014 إلى 866 مليون دينار تقريبًا عام 2015؛ وذلك وفقًا لإحصائيات البنك المركزي الأردني.
الخبير الأردني توقّع تلاشي تلك المساعدات في القريب العاجل، تلك المساعدات التي كان يتمُّ تقديمها بشكل سنوي من قِبَل دول الجوار الخليجية خاصة السعودية؛ فالمنحة الخليجية التي قُدِّمت على خمس سنوات وكانت تبلغ 5 مليارات دينار استنفدت، ولن تتجدَّد؛ خاصةً أن أسعار النفط العالمية قد انخفضت.
أبرز التحديات
وأمام هذا الوضع الاقتصادي الصعب باتت الحكومة الجديدة أمام حزمة من التحديات على رأسها حل مشكلتي البطالة والفقر المنتشرين في المجتمع الأردني بشكل كبير جدًّا؛ وذلك بسبب انخفاض مستويات الدخول أو الأجور، وارتفاع عدد العاطلين عن العمل، وعدم قدرة الاقتصاد الأردني على التوظيف بسبب صغر حجمه.
هذا بجانب ضرورة العمل وبشكل سريع على حلِّ مشكلة العجز في الموازنة؛ وذلك من خلال دراسة أسباب وجود هذا العجز، والعمل على الحدِّ من الإنفاق؛ خاصة الإنفاق الاستهلاكي والإنفاق الحكومي غير المبرَّر، إضافة إلى تشجيع الصادرات الوطنية، وعمليات الإنتاج المحلية.
ويمثل تنويع مصادر الدخل القومي للمملكة التحد الأكبر، إذ يعتمد الأردن في دخله على المساعدات الخارجية من دول الجوار الخليجي؛ (وبالتالي يمكن القول: إنه اقتصاد نفطي بهذا المعنى)، وهذه المساعدات لن تستمر ما دامت أسعار النفط منخفضة؛ وبالتالي فإن دول الخليج غير قادرة على الاستمرار في تقديم الدعم.
المأزق الذي وقعت فيه الحكومات السابقة كان الفشل في التعاطي مع التحديات السابقة ومن ثم اللجوء إلى فرض المزيد من الضرائب على الشعب بهدف زيادة إيراداتها؛ وذلك دون البحث عن حلول جديدة مبتكرة؛ وهو ما أجج مشاعر الرفض الشعبي لها، والذي تمخض عنه موجات احتجاجات شعبية أخذت صورًا عدة.
وفي المجمل، رغم ما تحمله الأسماء الجديدة المرشحة للحقائب الوزارية من دلالات يمكن من خلالها قراءة المشهد بصورة نسبية إلا أن أبرز ما يعني المواطن الأردني هو قدرة تلك الأسماء على التعاطي مع التحديات السابقة، على رأسها الاقتصادية كما تم ذكره، الأمر الذي يضع الحكومة الجديدة في تحد صعب مع الوقت لتقديم أوراق اعتمادها رسميًا لدى الشارع في أقرب فرصة وهو ما يترقبه الأردنيون بشغف.