ترجمة وتحرير: نون بوست
تلقي فتاة صغيرة، ترتدي ثوبا أحمر اللون وقبعة عسكرية تضعها على رأسها، قصيدة لقوات الدعم السريع، وهي القوات شبه العسكرية السودانية سيئة السمعة، في شريط فيديو نشر كجزء من أحدث عمليات دفع العلاقات العامة في السودان. تردد الفتاة في أنشودتها التالي: “في كردفان جاء الدعم (قوات الدعم السريع)… في دارفور، جاء الدعم”، ويبدو أنها كانت تقف في أحد ميادين الخرطوم الذي استخدمته قوات الدعم السريع كقاعدة حين سيطرت على العاصمة في مطلع هذه السنة. بالإضافة إلى ذلك، ذكرت الفتاة في أنشودتها قائمة الأماكن في جميع أنحاء السودان.
أشار مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في السودان إلى أن العديد من هذه المجتمعات المحلية لا تعتبر قوات الدعم السريع أطرافًا محبة للخير تطمح إلى مساعدتهم، وإنما قوة مهدّدة نشرتها الحكومة بهدف قمعهم بوحشية. وفي صورتها الحالية، اتُّهمت قوات الدعم السريع هذه السنة بارتكاب مذابح، وبالإبادة الجماعية في شكلها السابق، وذلك مع انتشار ميليشيات الجنجاويد في دارفور.
على مواقع التواصل الاجتماعي، تعمل قوات الدعم السريع في الوقت الحالي على تعزيز صورتها لسد الفجوة في البلاد فيما يتعلّق بالخدمات الاجتماعية والصحية، إلى جانب توفير وسائل النقل العام وعقد الصفقات المذهلة مع القبائل في مختلف أنحاء البلاد. في الواقع، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي والوسائل الأخرى التقليدية على حد سواء أساسية بالنسبة للعديد من الأحزاب من أجل المشاركة في نظام تقاسم السلطة الجديد الذي أنشئ بعد نجاح المحتجون في الإطاحة بعمر البشير، الذي امتدّ حكمه لمدة ثلاثة عقود، في شهر نيسان/ أبريل.
صرّح الخبراء أن هذه الحملات تعكس توازن القوى بين الجيش والمدنيين، حيث يتطلع كل منهما إلى التواصل مع المتظاهرين الذي احتجوا بشكل شبه يومي على امتداد أشهر عديدة من أجل تغيير السودان
تنازل النظام عن بعض المساحة لصالح القادة المدنيين، بما في ذلك المجلس الذي يرأسه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، غير أن الأدوار والطموحات وتوازن القوى الداخلية غير واضحة. ففي الوقت الذي ظهر فيه الخبير الاقتصادي السابق في الأمم المتحدة حمدوك على الساحة العالمية، سعيا للحصول على دعم دولي لتغيير السياسة السودانية واقتصادها المتهاوي، قدّم الجنرال عبد الفتاح البرهان، الذي يترأس المجلس السيادي الموازي، صورة لرجل دولة رفيع المستوى يرأس مراسم أداء القسم للوزراء الجدد ومحادثات السلام مع الجماعات المتمردة.
صرّح الخبراء أن هذه الحملات تعكس توازن القوى بين الجيش والمدنيين، حيث يتطلع كل منهما إلى التواصل مع المتظاهرين الذي احتجوا بشكل شبه يومي على امتداد أشهر عديدة من أجل تغيير السودان. من جهته، قال موريثي موتيجا، وهو مدير مشروع القرن الأفريقي في مجموعة الأزمات، للمحللين في إشارة إلى فض الجيش لاعتصام باستعمال العنف، ما أدى إلى مقتل أكثر من 100 محتج والذي يعتقد على نطاق واسع أنه كان من تدبير قوات الدفاع السريع، إنه “من الواضح أن هذا التقارب كان قسريًا، نظرا لأن القوات الأمنية كانت تساند عمر البشير إلى حدود آخر لحظة”.
أضاف موتيجا: “حتى بعد الإطاحة بالرئيس، أظهرت هذه القوات رغبة محدودة للغاية في الإصلاح، ولا سيما من خلال الطريقة التي نفذت بها المذبحة في الثالث من حزيران/ يونيو. قد يمتلك المدنيون موارد محدودة، ولكنهم يتمتعون بقوة الرأي العام والدعم الشعبي الواسع والعميق. يحتاج كلا الجانبين لبعضهما البعض في الوقت الحالي”.
“نشر الأخبار المزيفة”
منذ تعيينه رئيسًا للوزراء في شهر آب / أغسطس، شارك حمدوك في هجوم دولي شمل سريعا التحقق من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي للرجل الذي كان في السابق غامضا نسبيًا، إلى جانب المنشورات المستمرة باللغتين الإنجليزية والعربية. في الوقت نفسه، نظم حمدوك اجتماعات واتفاقيات مع الزعماء الدوليين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في شهر أيلول/ سبتمبر، كما نشر مقاطع فيديو خاصة به عن حلقات نقاش تتحدث عن التغيير الديمقراطي وحرية الصحافة بعد عقود من العزلة السودانية.
في المقابل، وفي الوقت الذي انهمك فيه رئيس الوزراء الجديد في الساحة الدولية، كانت قوات الدعم السريع نشطة داخليا، حيث استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع السكان المعادين لكل من المجموعة نفسها وزعيمها محمد حمدان دقلو، المعروف أكثر باسم حميدتي. في هذا الصدد، صرّح محمد سليمان، وهو ناشط في الولايات المتحدة كان يدير الحملات لعدة أشهر من أجل حذف صفحات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لقوات الدعم السريع لميدل إيست آي، أن “الرسالة والموضوع واضحان، وهي أن قوات الدعم السريع وحميدتي قادران تماما على تغيير الحكومة، وعلى الاضطلاع بدورها في توفير الخدمات الأساسية مثل الاحتياجات الصحية والأمنية”.
اتُّهم مقاتلو قوات الدعم السريع بالاعتداء على عمال المستشفى ومهاجمة المحتجين وإلقاء مواد كيميائية خطرة في مصادر مياه بالقرب من موقع احتجاج بيئي ضد منجم ذهب يُقال إنه على ملك قوات الدعم السريع
تجدر الإشارة إلى أن الطرفان نجحا في حظر موقع المجموعة على شبكة الإنترنت وحذف حساب تويتر الخاص بهم، ولكن حسابات فيسبوك ويوتيوب وتلغرام ما زالت تروّج لرسائل حول توفير قوات الدعم السريع للنقل المجاني واللقاحات في المناطق الريفية السودانية، التي نصّب فيها حميدتي نفسه بطلا.
حتى خلال هذه الحملة، اتُّهم مقاتلو قوات الدعم السريع بالاعتداء على عمال المستشفى ومهاجمة المحتجين وإلقاء مواد كيميائية خطرة في مصادر مياه بالقرب من موقع احتجاج بيئي ضد منجم ذهب يُقال إنه على ملك قوات الدعم السريع. في الأثناء، قال محمد سليمان: “إن قوات الدعم السريع تنشر أخبارا مزيفة في محتواها على الإنترنت، بالإضافة إلى إخفاء وتشويه الحقائق الواضحة مثل مسؤولية قوات الدعم السريع في مذبحة الخرطوم”.
في المقابل، أجرى مرصد الإنترنت بجامعة ستانفورد مؤخرا استطلاع رأي حول 22 موقعا سودانيا، وتوصل إلى وجود علاقات بينها وبين شركات مرتبطة بروسيا متهمة بنشر أخبار مزيفة في الماضي. كما كشف استطلاع الرأي عن واغنر، وهو مقاول عسكري روسي له علاقات وثيقة بالجيش السوداني.
النوايا الحسنة والاقتصاد
كان تركيز الزيارات الدولية التي أداها حمدوك، بالإضافة إلى الكثير من رسائله، منصب على إحياء اقتصاد السودان المتضرر من الفساد والعقوبات والاعتماد على النفط الذي ترك البلاد على شفا الهاوية، حيث فقد السودان معظم موارده النفطية عند استقلال جنوب السودان سنة 2011. لهذا السبب، ما زال وزير المالية إبراهيم البدوي، وهو خبير اقتصادي سابق بالبنك الدولي، في الخارج يبحث عن دعم لهذا البرنامج الاقتصادي.
حسب يوسف المهدي، وهو خبير اقتصادي سوداني، فإن التزام حمدوك بالشؤون الدولية بينما يركز الجنرالات على الديناميات الإقليمية يناسب كلا الطرفين، ولكن الاقتصاد أساسي للجميع. وأوضح المهدي أن: “الاقتصاد سيدعم أو يحطم هذه الحكومة. أعتقد أن هذه الحكومة ترهن نفسها من أجل الحصول على الدعم المالي الخارجي. وأظن أن هذه لعبة خطيرة”. وأضاف المهدي أن العلاقة مع الجيش تبدو جيدة في الوقت الحالي، لكنها كانت غير متوازنة. فالاختبار الحقيقي سيتجلى في كيفية رد فعل الجنرالات على قرارات حمدوك لتقديم المزيد من التنازلات، خاصة فيما يتعلق بالإنفاق العسكري.
علاوة على ذلك، قال المهدي إن أنواع الإصلاحات الاقتصادية التي طرحتها الحكومة، مثل تخفيضات الدعم، قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إلحاق الضرر بسبل العيش وزيادة بعض المظالم التي أججت الاحتجاجات ضد البشير في أواخر السنة الماضية. وفي النهاية، يمكن أن يضر ذلك بموقف الشعب من الحكومة. وفسر المهدي أنه “إذا لم يكن هناك نوايا حسنة تجاه قوى إعلان الحرية والتغيير، فستُغير نظرتها للجيش. لا يعني هذا أنها ستستسلم له، وإنما ستعيد تقييم وجهة نظرها”.
ملء الفراغ
يتمحور الخوف الذي يتملك الكثير من مؤيدي انتفاضة السودان في أنه في حال فشل حمدوك وألقي عليه اللوم بشأن استمرار تدني مستويات المعيشة، فإن ترويج قوات الدعم السريع لنفسها كمزود للخدمات الاجتماعية وسد الفجوة التي خلفتها الدولة من شأنه تغيير علاقتها بالشعب، خاصة إذا عمّم حميدتي خلفيته التي تربطه بمجتمع الرعاة الرحل في دارفور، بدلاً من نخبة الخرطوم.
يمكن أن تكون ثروة حميدتي وسلطته ذات أهمية قصوى في المستقبل، ويعتقد الكثيرون أن حملة العلاقات العامة لقوات الدعم السريع تهدف إلى إظهار استعدادها لدعم السكان إذا فشلت الدولة
في الحقيقة، ذكرت الصحف السودانية أن هناك قبائل مستعدة للانضمام إلى قوات الدعم السريع، في حين أن القنوات الخاصة بالمجموعة تعتبر حميدتي نائبا لرئيس المجلس السيادي، مما يجعله على رأس المجلس، الذي ينقسم بين أفراد عسكريين ومدنيين، رغم أنه لا وجود لمنصب مماثل.
من جهة أخرى، قال موتيجا، المؤلف الأساسي لتقرير مجموعة الأزمات الذي نُشر مؤخرا والذي تناول مسار حكومة في تقاسم السلطة في السودان، إن “ما يمكن فهمه من الشعب هو أن قوات الدعم السريع قد اكتسبت الكثير من القوة، وأن حميدتي يتصرف كما لو كان يدير دولة داخل الدولة”، إذ يستفيد أيضًا من التمويل المتأتي من الخليج بسبب تزويد الحرب في اليمن بمقاتلي قوات الدعم السريع، كما يتحكم في حدود السودان بسبب تفويض قوات الدعم السريع في عهد البشير.
أضاف موتيجا قائلا: “كل ما فعله حميدتي خلال الأشهر القليلة الماضية هو تنصيب نفسه كبطل لريف السودان، وهو أمر مثير للسخرية خاصة وأنه متهم بقيادة ميليشيات متهمة بارتكاب فظائع في دارفور”. ويُعتقد أن حميدتي وقوات الدعم السريع يملكان ثروات هائلة، بما في ذلك مناجم الذهب التي وقع الاستيلاء عليها من زعيم الجنجويد موسى هلال سنة 2017، وكذلك في جبال النوبة، التي تعد منطقة نزاع أخرى.
يمكن أن تكون ثروة حميدتي وسلطته ذات أهمية قصوى في المستقبل، ويعتقد الكثيرون أن حملة العلاقات العامة لقوات الدعم السريع تهدف إلى إظهار استعدادها لدعم السكان إذا فشلت الدولة. وقال المهدي: “أعتقد أن حميدتي يخطط للمستقبل، فهو يمتلك أموالا أكثر بكثير من أي شخص آخر، ولديه قدرة على التوسع جغرافيا أكثر من أي شخص آخر. أعتقد أنه كان ذكيًا للغاية في محاولته لنيل دعم المجتمعات. فهو لن يفوز بالمجلس العسكري، ولن ينتصر على نخبة وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه تجاهلها واتجه مباشرة إلى المجتمعات. ومن خلال هذا التقصير في تقديم الخدمات الاجتماعية في الوقت الحالي، يلبي حميدتي حاجة المجتمعات، وسيكون لذلك تأثير دائم”.
مصدر: ميدل إيست آي