ترجمة وتحرير: نون بوست
قبل إجلاء ألف جندي أمريكي من شمال سوريا إلى غرب العراق، كان لدى البنتاغون ألفي جندي أمريكي في سوريا. بعد انسحاب القوات الأمريكية بسبب إصرار أردوغان على شن أنقرة هجوم بري في شمال سوريا، ما زالت الولايات المتحدة تنشر ألف جندي، معظمهم في محافظة دير الزور الشرقية الغنية بالنفط وفي قاعدة التنف العسكرية.
تقع قاعدة التنف العسكرية في موقع استراتيجي في جنوب شرق سوريا على الحدود بين سوريا والعراق والأردن وتمتد على طريق دمشق-بغداد السريع ذو الأهمية البارزة، والذي يعد بمثابة شريان حياة دمشق. احتلت واشنطن بشكل غير قانوني مساحة 55 كيلومترًا حول منطقة التنف منذ سنة 2016، ودرّبت مئات عناصر مشاة البحرية الأمريكية العديد من الجماعات المسلحة السورية هناك.
تجدر الإشارة إلى أنه عوض قتال تنظيم الدولة، يتمثل الغرض من التواجد المستمر للقوات الأمريكية في قاعدة التنف العسكرية في طمأنة مخاوف إسرائيل المتعلقة بتوسع نفوذ إيران في العراق وسوريا ولبنان. أما فيما يتعلق بمحافظة دير الزور الغنية بالنفط والغاز الطبيعي، فقد اعتادت سوريا إنتاج كميات متواضعة من النفط لتلبية الاحتياجات المحلية قبل الحرب، أي ما يعادل حوالي 400 ألف برميل يوميًا، وهي الكمية التي تصعب مقارنتها بعشرات ملايين براميل النفط التي تنتجها دول الخليج بشكل يومي.
لا يمكن لأحد إنكار حقيقة أن أنقاض مقاتلي تنظيم الدولة ما زالت موجودة في سوريا والعراق ولكن إمارتهم في المنطقة قد تفككت بالكامل كما تعد قيادتهم في حالة فرار الآن
على الرغم من تبجح دونالد ترامب بطريقة حادة، في تغريدة نشرها إثر انسحاب ألف جندي أمريكي من شمال سوريا، بأن واشنطن قد نشرت قواتها في شرق سوريا حيث يوجد النفط، إلا أن الغرض من السيطرة على النفط السوري لا يتمثل في تهريب النفط من سوريا ولا في حرمان تنظيم الدولة من مصدر دخل مهم.
في الواقع، لا يمكن لأحد إنكار حقيقة أن أنقاض مقاتلي تنظيم الدولة ما زالت موجودة في سوريا والعراق ولكن إمارتهم في المنطقة قد تفككت بالكامل كما تعد قيادتهم في حالة فرار الآن، حتى أن خليفة هذه المنظمة الإرهابية الفار قد قُتل في معقل جماعة جهادية منافسة، وهي جبهة النصرة في إدلب، على بعد مئات الكيلومترات من معاقل تنظيم الدولة في شرق سوريا.
بطريقة تماثل إلى حد كبير استراتيجية معركة “الأرض المحروقة” لأمراء الحرب في العصور الوسطى، أحرق تنظيم الدولة في مطلع السنة الحالية محاصيل المزارعين المحليين بينما تراجع عن معاقله السابقة في شرق سوريا. من خلال نشر القوات الأمريكية في حقول النفط والغاز الطبيعي في محافظة دير الزور، كانت واشنطن تهدف إلى حرمان دمشق من مصدر الدخل الثمين لمنافستها الرئيسية الأخرى في المنطقة.
بعد الدمار الذي سببته ثماني سنوات من الحرب بالوكالة، فإن الحكومة السورية في حاجة ماسة إلى عشرات المليارات من الدولارات من المساعدات الدولية لإعادة إعمار البلاد. لا تعرقل واشنطن فقط الجهود الرامية إلى تقديم المساعدات الدولية إلى هذا البلد، بل تهدر في الواقع موارد سوريا الخاصة وذلك بمساعدة حليفها الوحيد في المنطقة، وهو الأكراد.
على الرغم من ادعاء دونالد ترامب أن الفضل يعود له في مصادرة الثروة النفطية السورية، إلا أنه من المهم ذكر أن سياسة “الأرض المحروقة” ليست استراتيجية أعمال، بل هي منطق مؤسسي تعتمده الدولة العميقة. من المعروف أن الرئيس ترامب رجل أعمال ويتبع، ظاهريا على الأقل، أيديولوجية غير تدخلية. ونظرًا لكونه مبتدئًا في الدبلوماسية الدولية، فقد وقع تضليله في مناسبات عديدة من طرف البنتاغون ومؤسسة الأمن القومي بواشنطن.
بخصوص اهتمام واشنطن بدعم المستبدين في الخليج وخوض حروبهم في النزاعات الإقليمية، تجدر الإشارة إلى أنه في شهر نيسان / أبريل 2016، هدّد وزير الخارجية السعودي بأن المملكة السعودية ستبيع ما يصل إلى 750 مليار دولار من سندات الخزينة وغيرها من الأصول في حال ا أقر الكونجرس الأمريكي مشروع قانون يسمح للأمريكيين بمقاضاة الحكومة السعودية في محاكم الولايات المتحدة لدورها في الهجوم الإرهابي الذي وقع في 11 أيلول / سبتمبر 2001. وعلى الرغم من إقرار مشروع القانون في نهاية المطاف، إلا أنه لم تقع محاسبة السلطات السعودية؛ علما وأن 15 من أصل 19 خاطفا كانوا من أصول سعودية.
لا عجب في نشر 36 ألف جندي أمريكي وحاملات الطائرات في العديد من القواعد العسكرية في الخليج العربي الغني بالنفط وفقًا لمبدأ كارتر لسنة 1980
علاوة على ذلك، تقدر الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة بحوالي 750 مليار دولار فقط، ولكن إذا أضفنا إليها استثماراتها في أوروبا الغربية واستثمارات دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر في الاقتصادات الغربية، فإن المبلغ الإجمالي سيصل إلى تريليونات الدولارات من استثمارات الخليج في الشمال أمريكا وأوروبا الغربية.
بالإضافة إلى ذلك، وبهدف إبراز أهمية نفط الخليج العربي في عالم صناعي متعطش للطاقة، إليك بعض الإحصائيات المستمدة من بيانات الأوبك: تمتلك المملكة العربية السعودية أكبر احتياطيات النفط الخام في العالم التي تبلغ حوالي 265 مليار برميل كما أن إنتاجها اليومي من النفط يتجاوز 10 مليون برميل. تمتلك كل من إيران والعراق 150 مليار برميل، ولدى كل منهما القدرة على إنتاج خمسة ملايين برميل يوميًا بينما تمتلك كل من الإمارات والكويت 100 مليار برميل وتنتج كل منهما ثلاثة ملايين برميل يوميًا. وبالتالي، تمتلك جميع دول الخليج العربي 788 مليار برميل، أي أكثر من نصف احتياطي النفط المؤكد في العالم والبالغ 1477 مليار برميل.
بناء على ذلك، لا عجب في نشر 36 ألف جندي أمريكي وحاملات الطائرات في العديد من القواعد العسكرية في الخليج العربي الغني بالنفط وفقًا لمبدأ كارتر لسنة 1980، والذي ينص على ما يلي: “ليكن موقفنا واضحًا تمامًا، تعتبر محاولة أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج العربي بمثابة اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، وسيتم صد هذا الهجوم بأي وسيلة ممكنة، بما في ذلك القوة العسكرية”.
بالإضافة إلى ذلك، فيما يتعلق بمبيعات صناعة إنتاج الدفاع الغربي للأسلحة إلى دول الخليج العربية، توصل تقرير أصدره ويليام هارتونج من مركز السياسة الدولية الواقع في الولايات المتحدة إلى أن إدارة أوباما عرضت على المملكة العربية السعودية الأسلحة والمعدات العسكرية والتدريب خلال فترة مدتها ثماني سنوات بقيمة تجاوزت 115 مليار دولار.
تمثلت أهم النقاط في جدول أعمال ترامب عند زيارته الأولى إلى المملكة العربية السعودية في أيار / مايو 2017 أولاً، في مساندة فكرة “الناتو العربي” بقيادة السعودية لمواجهة تأثير إيران في المنطقة. كما أعلن ثانيا عن صفقة أسلحة غير مسبوقة للمملكة العربية السعودية، وشملت الحزمة ما بين 98 مليار دولار و 128 مليار دولار في مبيعات الأسلحة.
لذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار اعتماد الدول الغربية على دول الخليج العربي اقتصاديا، في أوقات الركود العالمي عندما لجأت معظم المصانع للصين، لم يكن من الغريب أنه حين قرر الملك ملك المملكة العربية السعودية، عبد الله بن عبد العزيز، توفير التدريب والأسلحة للجهاديين الإسلاميين في المناطق الحدودية بين تركيا والأردن ضد حكومة بشار الأسد في سوريا، لم تترك إدارة أوباما أي خيار آخر سوى الالتزام بالسياسة التدميرية لحلفائها الإقليميين في الشرق الأوسط، على الرغم من الطبيعة الطائفية للحرب بالوكالة وعواقبها المترتبة عن إنشاء جيل جديد من الجهاديين الإسلاميين الذين سيصبحون على المدى الطويل خطرا على الشرق الأوسط ولكن على الدول الغربية كذلك.
بالمثل، حين قرر خليفة الملك عبد الله، سلمان، بتشجيع من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، غزو اليمن في مارس/آذار 2015، كان على إدارة أوباما أن تستسلم لإملاءات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من خلال التنسيق الكامل بين دول الخليج، حيث قادت الحملة العسكرية في اليمن من خلال توفير الاستخبارات والتخطيط والدعم اللوجستي وبيع الأسلحة والذخيرة أيضا إلى دول الخليج العربية بمليارات الدولارات خلال الصراع.
بالنسبة لفترة “السلم الأمريكي” الذي يشكل حقيقة النظام الاستعماري المعاصر، ووفقا لمخطط نشر في شهر كانون الثاني / يناير 2017 من قبل صحيفة نيويورك تايمز، تمركز 210 ألف من العسكريين الأمريكيين في جميع أنحاء العالم
من خلال هذه العلاقة المتبادلة، توفر الولايات المتحدة الأمن للعائلات الحاكمة في دول الخليج العربية من خلال توفير الأسلحة والقوات. وبالمقابل، يساهم شيوخ النفط في الخليج في تنفيذ استثمارات ضخمة تصل قيمتها إلى مئات المليارات من الدولارات للاقتصادات الغربية.
بالنسبة لفترة “السلم الأمريكي” الذي يشكل حقيقة النظام الاستعماري المعاصر، ووفقا لمخطط نشر في شهر كانون الثاني / يناير 2017 من قبل صحيفة نيويورك تايمز، تمركز 210 ألف من العسكريين الأمريكيين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك 79 ألف في أوروبا، و45 ألف في اليابان، 28500 في كوريا الجنوبية و36 ألف في الشرق الأوسط.
استمر دونالد ترامب في مطالبة الناتو بتقاسم تكلفة نشر القوات الأمريكية، خاصة في أوروبا حيث يتمركز 47 ألف جندي أمريكي في ألمانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، و15 ألف في إيطاليا و8 آلاف في المملكة المتحدة، ولكن يعد الأمر الأهم هو أن التكلفة كانت مشتركة بالفعل بين واشنطن والدول المضيفة.
تقريبًا، تدفع الدول الأوروبية ثلث تكلفة صيانة القواعد العسكرية الأمريكية في أوروبا، بينما تدفع واشنطن الثلث المتبقي. في بلدان الشرق الأقصى، يتم مشاركة 75 بالمئة من تكلفة نشر القوات الأمريكية من قبل اليابان و25 بالمئة المتبقية من قبل واشنطن، وفي كوريا الجنوبية، يتم تقاسم 40 بالمئة من التكلفة من قبل البلد المضيف بينما تساهم الولايات المتحدة بنسبة 60 بالمئة المتبقية.
في الوقت الذي تدفع فيه دول الخليج الغنية بالنفط، وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر، ثلثي تكلفة الإبقاء على 36 ألف جندي أمريكي في الخليج العربي، حيث يوجد أكثر من نصف احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، وتساهم واشنطن بالثلث المتبقي.
المصدر: أوراسيا ريفيو