رغم جهود احتوائها وتجنّب المزيد من الانزلاق يبدو أن كرة الثلج الخاصة بما سمي إعلاميًا “أوكرانيا غيت” تتدحرج أكثر وأكثر يومًا تلو الآخر نحو تعزيز تحقيقات عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لا سيما بعد نشر عدد من اللجان داخل مجلس النواب شهادات حصلت عليها في إطار تحقيقاتها، فيما استدعت كبير موظفي البيت الأبيض بالإنابة ميك مولفاني للإدلاء بشهادته في هذه القضية.
ويعتقد رئيس لجنة الشؤون الخارجية إليوت إنغل، ورئيس لجنة المخابرات آدم شيف، والقائمة بأعمال رئيس لجنة الرقابة الحكومية كارولين مالوني، أن مولفاني “ربما شارك في جهود من شأنها أن تصب في المصالح السياسية الشخصية للرئيس ترامب بشكل مباشر”.
نشرت اللجان شهادة أخرى للمبعوث الأمريكي السابق لأوكرانيا السفير كيرت فولكر، وجاء فيها أنه حذر محامي الرئيس ترامب من أن ما يتردد بشأن نشاط جو بايدن ونجله في أوكرانيا مزاعم غير موثوقة
رغم استبعاد اتخاذ قرار رسمي بعزل ترامب، وهو ما أشار إليه زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ – الذي يسيطر عليه الجمهوريون – ميتش ماكونيل، في تصريحات أدلى بها للصحافيين أمس الثلاثاء، فإنها تمثل ضربة مؤلمة للرئيس الأمريكي ربما تهدد مستقبله السياسي حال عزمه الترشح لولاية ثانية.
تفاصيل الشهادات التي أدلى بها موظفون كبار في الإدارة الأمريكية تعزّز وبشكل ما الاتهامات الموجهة لترامب بحجب مساعدات أمريكية عن كييف لاستخدامها كورقة ضغط لإجراء التحقيق في أنشطة بايدن (المنافس الديمقراطي المحتمل لترامب في الانتخابات المقبلة)، وهي الانتهاكات التي ينفيها الرئيس ويصف التحقيق فيها بأنه أكبر مطاردة سياسية للرئيس في التاريخ الأمريكي.
يباشر مجلس النواب -الذي يسيطر عليه الديمقراطيون- منذ فترة تحقيقًا رسميًا قد يفضي إلى محاكمة الرئيس برلمانيًا ومن ثم عزله -حال موافقة الشيوخ وهو أمر يراه البعض مستبعدًا- على خلفية اتهامه بالضغط على نظيره الأوكراني فولودمير زيلينسكي لحثه على إجراء تحقيق في أنشطة جو بايدن ونجله في أوكرانيا.
سوندلاند يورط حليفه
الوثائق التي نشرتها اللجان البرلمانية الثلاثة تضمنت شهادة الصديق المقرب من ترامب، الملقب بـ”الحليف”، السفير الأمريكي لدى الاتحاد الأوروبي غوردن سوندلاند، التي اعترف فيها باستخدام الرئيس ورقة المساعدات المقدمة لأوكرانيا للضغط من أجل فتح تحقيق بشأن نجل جو بايدن.
الشهادة تضمنت اعترافًا بأنه أخبر مسؤولاً أوكرانيًا أن المساعدات العسكرية الأمريكية لبلاده تعتمد على فتح كييف تحقيقًا بشأن جو بايدن، لافتًا إلى أنه أبلغ مستشارًا بارزًا للرئيس الأوكراني زيلينسكي بأنه من غير المرجح منح كييف المساعدات العسكرية الأمريكية إلا بعد توضيحها أنها ستحقق مع بايدن وعلاقات ابنه مع شركة بوريسما الأوكرانية للطاقة.
وفق الجزء المسرب من الشهادة، فإن ما قالته يوفانوفيتش يتضمن العديد من المزاعم التي تزيد موقف ترامب ومعاونيه سوءًا في التحقيق الجاري
وتزامنًا مع شهادة سوندلاند، نشرت اللجان شهادة أخرى للمبعوث الأمريكي السابق لأوكرانيا السفير كيرت فولكر، وجاء فيها أنه حذر محامي الرئيس ترامب من أن ما يتردد بشأن نشاط جو بايدن ونجله في أوكرانيا مزاعم غير موثوقة، مؤكدًا أن المساعدات الأمريكية لأوكرانيا عُلقت بشكل غير عادي ولم يحصل على تفسير لهذا الأمر.
في تلك الأثناء، استدعت لجان التحقيق الثلاثة في مجلس النواب كبير موظفي البيت الأبيض بالإنابة ميك مولفاني للإدلاء بشهادته في القضية، حيث قال رؤساء اللجان إن مولفاني “ربما شارك مباشرة في جهود من شأنها أن تصب في المصالح السياسية الشخصية لترامب”.
يأتي هذا الاستدعاء استنادًا إلى ما قاله مولفاني خلال مؤتمر صحفي عقده بالبيت الأبيض في 17 من أكتوبر الماضي بشأن اعترافه بأن ترامب أوقف المساعدات الأمنية للضغط على أوكرانيا، من أجل المصالح الشخصية والسياسية له بدلاً من المصلحة الوطنية، وقد طُلب منه الحضور للإدلاء بشهادته يوم الجمعة المقبل، لكن البيت الأبيض قال مرارًا إنه لن يتعاون في ذلك التحقيق.
تهديد يوفانوفيتش
في السياق ذاته، أعربت السفيرة الأمريكية في أوكرانيا ماري يوفانوفيتش عن شعورها بالتهديد بسبب تعليقات غامضة جاءت على لسان الرئيس الأمريكي في أثناء المكالمة الهاتفية التي جرت بينه وبين نظيره الأوكراني، حيث قالت: “أنا قلقة للغاية” في إشارة إلى ذكر اسمها على لسان ترامب حين قال لزيلينكس: “حسنا، سوف تعاني (يوفانوفيتش) من بعض الأشياء”.
وقد نشر أعضاء الحزب الديمقراطي بمجلس النواب جزءًا من نص شهادة السفيرة المستدعاة لسماع أقوالها في جلسة سرية، حيث قالت في أثناء شهادتها: “لم أعرف ماذا كانت تعنيه هذه الإشارات، وكنت خائفة جدًا ولا أزال”، موضحة أنها عندما طلبت النصيحة من السفير الأمريكي لدى الاتحاد الأوروبي سوندلاند، أشار عليها بأن تدون بعض تغريدات تمتدح فيها ترامب على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، ناصحًا لها بقوله: “ينبغي أن تبذلي قصارى جهدك”، إلا أنها لم تستطع أن تأخذ بالنصيحة على حد قولها.
شهادة السفيرة تكشف بجلاء كيف أن الرئيس يستخدم حسابه على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) لإرغام العاملين في إدارته على الامتثال لإرادته
ووفق الجزء المسرب من الشهادة، فإن ما قالته يوفانوفيتش يتضمن العديد من المزاعم التي تزيد موقف ترامب ومعاونيه سوءًا في التحقيق الجاري، إذ كشفت أن المحامي الخاص للرئيس الأمريكي رودي جولياني كان يريد استجواب بايدن وابنه بهدف الحصول على معلومات “قد تضر بترشحه (بايدن) للرئاسة”.
علاوة على تجنيد جولياني للمحامي العام الأوكراني يوري لوتسينكو، من أجل “تلفيق أكاذيب عنها بهدف إلحاق الضرر بها في الولايات المتحدة”، منوهة إلى أن جولياني، سعى إلى زعزعة الثقة بها في أواخر 2018، إذ أدار الشؤون الخارجية الأمريكية في أوكرانيا بفاعلية من وراء ستار.
فرضت شهادة السفيرة الأمريكية في أوكرانيا نفسها على الإعلام الأمريكي، وكيف يتم ترهيب الموظفين العموميين لإجبارهم على الصمت، ففي مجلة أتلانتيك، قال الكاتب ديفد غراهام إن شهادة السفيرة تكشف بجلاء كيف أن الرئيس يستخدم حسابه على تويتر لإرغام العاملين في إدارته على الامتثال لإرادته.
وذكر غراهام أن يوفانوفيتش طلبت قبل إقالتها من الخارجية دعمها علنًا لخشيتها من أنها قد لا تستطيع – دون ذلك الدعم – أن تمثل حكومة الولايات المتحدة بصدق، وسارع مسؤول بالوزارة لتمرير الطلب للوزير مايك بومبيو، وجاء الرد بالرفض.
أشار الكاتب إلى أن موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، يُعد في كثير من الأحيان الأداة الأكثر فعالية في التواصل مع عامة الجمهور، إلا أن شهادة يوفانوفيتش أظهرت أن موقع التواصل المذكور قد يكون الأكثر فعالية في إجبار موظفي إدارة الرئيس على الإذعان له والامتثال لرغباته.
استقالة ماكنلي
الشهادات المنشورة تضمنت كذلك وثيقة للجنة المخابرات في المجلس تضمّنت النص المكتوب لشهادة كبير المستشارين السابق لوزير الخارجية الأمريكي، مايك ماكنلي، الذي جاء فيها أنه أوصى بإصدار بيان دعم ليوفانوفيتش بعد نشر مكالمة ترامب، لكنه أشار إلى أن مايك بومبيو قرر أنه “من الأفضل ألا يحدث ذلك في الوقت الحاليّ”.
وقبل إدلائه بشهادته أمام الكونغرس الشهر الماضي تقدم ماكنلي باستقالته من منصبه، وهي الاستقالة التي أرجعها بحسب ما أخبر به بومبيو لـ”مخاوف حيال ضلوع بعثتنا الدبلوماسية في ممارسات تستهدف الحصول على معلومات سلبية سياسية لاستغلالها في أغراض محلية”.
وأضاف مستشار بومبيو: “كان توقيت استقالتي نتيجة لعاملين أساسيين: الأول هو امتناع الخارجية الأمريكية، من وجهة نظري، عن دعم موظفيها الذين يخضعون لتحقيقات عزل ترامب، والعامل الثاني هو استغلال السفراء في تحقيق أهداف سياسية محلية”.
وفي هذا الإطار علق مراسل شبكة “BBC” في واشنطن، أنطوني زورتشر، على تلك الشهادات قائلاً: “النصان أضافا المزيد من العمق والتفاصيل للمخاوف التي يشعر بها دبلوماسيون أمريكيون رفيعو المستوى في واشنطن وكييف بسبب التحقيق في مزاعم ممارسة ضغط على الحكومة الأوكرانية بدعم من البيت الأبيض”.