بعد فصول طويلة من الحرب الكلامية بين عملاق الصين الإلكتروني شركة هواوي وواشنطن، على خلفية العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب على الشركة الصينية، قال وزير التجارة الأمريكي ويلبر روس إن تراخيص الشركات الأمريكية لبيع مكونات لشركة هواوي تكنولوجيز الصينية ستأتي “قريبًا جدًا”، في مقابلة مع موقع بلومبرغ.
وقال روس في المقابلة التي أجراها الأحد الماضي إن التراخيص “ستصدر قريبًا جدًا”، كاشفًا أن الحكومة الأمريكية تلقت 206 طلبات للحصول عليها، مؤكدًا أن الطلبات كانت أكثر مما كانوا يتوقعون، موضحًا فيما يتعلق بالتطورات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، أنه لا يوجد سبب وراء عدم توقيع التفاهم التجاري خلال الشهر الحاليّ.
يذكر أنه في شهر مايو/أيار الماضي، تلقّت شركة هواوي طعنة قوية، حين وُضعت ضمن قائمة سوداء أمريكية بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي، ومنعتها واشنطن فعليًا من شراء قطع أمريكية الصنع دون ترخيص خاص، في حين مُنعت الشركات الأمريكية من البيع إلى الشركة دون أن تحمل الشركات رخصًا خاصة.
تضمن هذا القرار حرمان العملاق الصيني من التقنيات الرئيسية على غرار الوصول إلى متجر جوجل بلاي ورقائق إنتل وكوالكوم، وحتى بنية إيه آر إم، الأمر الذي أثار مخاوف عدة وتسبب بالإضرار بالشركة الصينية ليس فقط من حيث الإنتاج (سيكفيه احتياطي قطع الغيار الأمريكية ثلاثة أشهر فقط) وإنما كذلك بصورتها عالميًا.
مساعٍ لاختراق السوق الأمريكية
تأتي هذه الخطوة ثمرة لجهود حثيثة بذلتها الشركة لاختراق السوق الأمريكية مجددًا بعد التضييق الذي مورس عليها طيلة الأشهر الماضية، ففي الـ20 من أكتوبر الماضي قال مسؤول تنفيذي بهواوي إن الشركة الصينية العملاقة في قطاع معدّات الاتصالات تجري محادثات مبكرة مع بعض شركات الاتصالات الأمريكية بشأن ترخيص تقنية شبكة الجيل الخامس لها.
وأضاف فنسنت بانغ نائب الرئيس الأول ومدير مجلس الإدارة في الشركة إن بعض الشركات أبدت اهتمامها بصفقة طويلة الأجل أو دفع رسوم لمرة واحدة، رافضًا ذكر اسم الشركات أو تحديد عددها، مضيفًا خلال زيارته لواشنطن “هناك بعض الشركات تجري محادثات معنا، لكن الأمر يستغرق رحلة طويلة لوضع اللمسات الأخيرة على كل شيء، وقد أبدوا اهتمامًا، إلا أن المحادثات لا يتجاوز عمرها أسبوعين ولا تشمل كل التفاصيل حتى الآن”.
الهاتف الذي أطلق في الأسواق الصينية بداية من الجمعة الماضية، حقق قرابة 140 مليون دولار في أول دقيقة من بيعه
وكان مؤسس الشركة ورئيسها التنفيذي رين زهانغفي قد طرح لأول مرة في مقابلات مع صحيفة “نيويورك تايمز” و”إيكونومست” الشهر الماضي فكرة دفع رسوم لمرة واحدة مقابل الحصول على براءات الاختراع والتراخيص والتعليمات البرمجية والخبرات التقنية، لكنه لم يوضح إن كان هناك أي اهتمام من الشركات الأمريكية بهذا الطرح.
وفي أول رد فعل أمريكي على هذا الطرح، أعرب مسؤول بالخارجية الأمريكية الشهر الماضي عن شكوكه في عرض رين، وقال: “ليس واقعيًا أن تأخذ شركات الاتصالات هذه المعدات ثم تدير كل البرامج والأجهزة بنفسها”. مضيفًا: “إذا كانت هناك أخطاء برمجية مضمنة في البرنامج، فلن تكون هناك طريقة لإعلامهم بوجودها ويمكن تفعيلها في أي وقت، حتى إذا أدخل مشغلو شبكات الهاتف النقال تغييرات على التعليمات البرمجية للبرنامج”.
هواوي تنتصر
في تقرير سابق لـ”نون بوست” كشف أنه في الوقت الذي تتعرض فيه شركة هواوي لقيود غير مسبوقة من الولايات المتحدة على تصدير منتجاتها الإلكترونية للشركات الأمريكية، إذ بها تحقق نمو إيرادات وصل إلى 30% في النصف الأول من هذا العام، وذلك رغم تسريحها للعاملين في بعض المراكز التابعة لها في أمريكا.
نموٌ كشف نجاح إستراتيجية العملاق الصيني في مواجهة الأزمة التي توقع الكثير أنها ستسدل الستار قريبًا على أحد رواد التكنولوجيا في العالم، إلا أن المؤشرات الصادرة عن المؤسسات المالية الكبرى جاءت عكس ذلك تمامًا، لتثبت قدرة الشركة على تخطي هذه المرحلة والانطلاق نحو آفاق جديدة.
ورغم تراجع معدل النمو في الإيرادات عن الأشهر الثلاث الأولى من هذا العام، فإنه ارتفع بشكل حاد مقارنة بعام 2008، إذ تمكنت الشركة من زيادة العائدات من خلال تأمين عقود معدات الشبكات من الجيل الخامس بقوة، وفق ما أشارت إليه مؤسسة “بلومبرغ”.
وفي إطار إستراتيجية الرد واصلت الشركة الصينية استعراضها للقوة أمام الضغوط الأمريكية، حيث كشفت في يوليو الماضي وفي مؤتمر ضخم عقد بالعاصمة بكين، طرحها لجهازين جديدين من هواتف هونر، هما هونر إكس 9 “Honor X9” وهونر إكس 9 برو “Honor X9 Pro” وبمميزات متشابهة بنسبة كبيرة.
المفاوضون الصينيون يسعون لأن تتخلى الولايات المتحدة عن رسوم جمركية بنسبة 15% على بضائع صينية تبلغ قيمتها نحو 125 مليار دولار
الهاتفان تضمنا العديد من المميزات التي من المتوقع أن تزيد معدل الإقبال على الشراء، وقد اتضح ذلك في إعلان الشركة الصينية قبل يومين عن تحقيقها أرباحًا هائلة بعد أول دقيقة من فتح عمليات الشراء لهاتفها الجديد Mate 30 5G بالأسواق في بلادها، هذا الهاتف الذي أُطلق في الأسواق الصينية بداية من الجمعة الماضية، حقق قرابة 140 مليون دولار في أول دقيقة من بيعه.
تسريع الاتفاق
تتزامن هذه الخطوة مع تحركات عدة للإسراع بالاتفاق التجاري المزمع توقيعه بين بكين وواشنطن، حيث قالت مصادر مطلعة على سير المفاوضات بين البلدين إن بكين تضغط على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإلغاء مزيد من التعريفات الجمركية التي فرضها في سبتمبر/أيلول وذلك في إطار اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين يمثل “مرحلة أولى”.
وربّما يوقع ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ على الاتفاق هذا الشهر في مكان لم يتحدد بعد، وفق ما أوضحت “رويترز”، التي أشارت إلى أن الاتفاق ربما يتضمن تعهدًا أمريكيًا بإلغاء الرسوم الجمركية المقرر فرضها في 15 من ديسمبر/كانون الأول على واردات من الصين بنحو 156 مليار دولار، تتضمن أجهزة هواتف نقالة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وألعاب أطفال.
وفي السياق نقلت الوكالة عن مسؤول أمريكي قوله إنه يجري بحث مصير تلك التعريفات الجمركية في إطار المفاوضات ورحلة محتملة لتوقيع الاتفاق قريبًا، فيما أوضح مصدر آخر أن المفاوضين الصينيين يسعون لأن تتخلى الولايات المتحدة عن رسوم جمركية بنسبة 15% على بضائع صينية تبلغ قيمتها نحو 125 مليار دولار بدأ سريانها في أول سبتمبر/أيلول، كما يسعون أيضًا لإعفائهم من رسوم جمركية بنسبة 25% فُرضت في وقت سابق على صادرات صينية لأمريكا بنحو 250 مليار دولار تتراوح بين المعدات وأشباه الموصلات وحتى قطع الأثاث.