كشفت المظاهرات الشعبية التي تشهدها بغداد والمدن العراقية الأخرى، وما رافقها من هجوم للمتظاهرين على القنصلية الإيرانية في كربلاء، ورد الفعل الإيراني على محاولاتهم السيطرة عليها، محاولة إيرانية لشيطنة هذه المظاهرات والربط بين عملية الهجوم واقتحام السفارة الأمريكية في طهران عام 1979، متناسية بأن محاولات المتظاهرين العراقيين الوصول إلى مقر السفارة أو القنصلية الإيرانية، هي تعبير عن رد فعل ضد السلوكيات الإيرانية في العراق، فمنذ انطلاق المظاهرات العراقية تحولت السفارة الإيرانية في بغداد وقنصليتها في كربلاء إلى أوكار للجريمة المنظمة.
إذ كشفت العديد من التقارير الأمنية سقوط العديد من المتظاهرين بين قتيل وجريح جراء عمليات القنص التي كانت تنطلق من داخل السفارة الإيرانية، كما أشارت العديد من التقارير الاستخبارية أيضًا إلى تحول القنصلية الإيرانية في كربلاء إلى قيادة عمليات لتصفية وملاحقة العديد من الناشطين في المدينة، من خلال تجييشها للعديد من العناصر المرتبطة بالاستخبارات الإيرانية، في محاولة منها لقمع هذه التظاهرات التي انطلقت منذ 1 من أكتوبر 2019.
يشهد التاريخ على كثير من حالات الاعتداء الإيراني على المقار الدبلوماسية للدول سواء داخل إيران أم خارجها، ورغم أن اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية الموقعة منذ عام 1961، تلزم الدول بحماية دبلوماسيي الدول الأخرى لديها وحماية المقار الدبلوماسية، فإن النظام السياسي في إيران، وتحديدًا منذ العام 1979، لا يعبأ بتداعيات الاعتداء على السفارات والقنصليات الأجنبية العاملة على أراضيها، وكانت أول نماذج اقتحام السفارات الأجنبية في إيران قبل نحو 40 عامًا وتحديدًا في الـ4 من نوفمبر 1979، مع بداية ثورة الخميني، إذ نشبت أزمة سياسية حادة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، إثر اقتحام مجموعة من الطلاب الإيرانيين من أتباع الخميني، مقر السفارة الأمريكية بطهران، واحتجزوا 52 رهينة أمريكية من موظفي السفارة ودبلوماسيين أمريكيين لمدة 444 يومًا، وأطلق عليها أزمة “احتجاز الرهائن الأمريكية”، وانتهت الأزمة بالتوقيع على اتفاق الجزائر يوم 19 من يناير 1981، وأفرج عن الرهائن رسميًا في اليوم التالي، بعد دقائق من أداء الرئيس الأمريكي الجديد رونالد ريجان اليمين، واحتفظت وكالة الاستخبارات الأمريكية بوثائق عن الحادث.
يعرف الإيرانيون أن من يتظاهرون أمام السفارات ليسوا أناسًا عاديين بل قوات التعبئة الشعبية، كما يطلق عليها في داخل إيران “الباسيج”، وهي قوات يشحنها رجال الدين في قم بخطابات معادية للدول التي لديها خصومات سياسية مع طهران، وتوزع عليها لافتات بعبارات مسيئة لدول الخصوم السياسية، لتتظاهر أمام السفارات على مرأى ومسمع من السلطات التي لا تتدخل ولا تحرك ساكنًا، بل وتعتبرها مظاهرات عفوية ومشاعر غاضبة.
وتضرب إيران بعرض الحائط المادة (31) من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية في الباب المتعلق بحرمة مباني القنصلية، التي تنص على أن مباني القنصلية تتمتع بالحرمة، ولا يجوز لسلطات الدولة الموفد إليها أن تدخل في الجزء المخصص من مباني القنصلية لأعمال البعثة القنصلية، إلا بموافقة رئيس البعثة القنصلية أو من ينيبه أو بموافقة رئيس البعثة الدبلوماسية للدولة الموفدة، كما تلزم الاتفاقية الدولة الموفد إليها التزام خاص باتخاذ جميع التدابير المناسبة لحماية مباني القنصلية ضد أي اقتحام أو إضرار بها، وكذا لمنع أي إضرار بأمن البعثة القنصلية أو الحد من كرامتها.
وفي هذا الإطار نوضح بعض الاعتداءات الإيرانية على السفارات الأجنبية ومن أهمها:
وبالإضافة إلى ما تقدم يمكن القول إن اقتحام السفارات الأجنبية العاملة في إيران مثل دبلوماسية غوغائية لجأت إليها إيران للهروب من الضغوط السياسية التي تتعرض لها، ورغم أن عمليات اقتحام السفارات أو الاعتداء عليها عمل مخالف للقواعد التي تحكم العلاقات بين الدول، ولا تستطيع حكومة ما الدفاع عنه أو تبريره علنًا، ولا أن تترك مرتكبيه دون محاسبة وعقاب، فإنه في الحالة الإيرانية، التي تتمتع فيها الحكومة بقوة أمنية كبيرة تمنع أعمالًا كهذه، فإن الحكومات تتواطأ مع تلك العمليات لأسباب سياسية أساسها إظهار معارضتها لسياسات ومواقف الدول التي تُقتحم سفاراتها أو يُعتدى عليها، وذلك بحجة أن ما جرى القيام به يمثل غضبًا شعبيًا يعبر عن نفسه، لكن الحقائق تؤكد أن تلك الأعمال تُنفذ بموافقة ومؤازرة رسمية وتحت رعاية الأجهزة الأمنية، بمعنى أن تلك العمليات بمنزلة موقف رسمي شبه معلن، بغض النظر عمّا يرافقها أو يعقبها من تصريحات ومواقف رسمية.