ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: دايزي نغيان وبراين ميلي
جندت الحكومة السعودية، المُحبطة من الانتقادات المتزايدة لقادتها وسياساتها على مواقع التواصل الاجتماعي، يوم الأربعاء اثنين من موظفي التويتر لجمع معلومات شخصية سرية عن آلاف الحسابات التي شملت معارضين بارزين، وذلك بحسب الادّعاء الذي تقدّم به وكلاء النيابة. وتناولت الدعوى في محكمة المقاطعة الأمريكيّة في سان فرانسيسكو تفاصيل الجهد المنسّق من قبل المسؤولين الحكوميّين السعوديّين لتوظيف الموظفين في هذه الشركة العملاقة للبحث عن البيانات الخاصّة لحسابات التويتر، بما في ذلك عناوين البريد الإلكتروني المرتبطة بالحسابات وعناوين بروتوكول الإنترنت التي يمكن أن تحدد موقع المستخدم.
وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن الحسابات المستهدفة شملت أبرز المنتقدين للحكومة السعودية الذين يتجاوز عدد متابعيهم المليون بالإضافة إلى الشخصيات الإخبارية، إلا أنه لم تُذكر أي من أسماءهم. كما زعمت الدعوى أن الموظفين المكلّفين، الذين لم تقتض وظائفهم إمكانية الوصول إلى المعلومات الخاصة بمستخدمي التويتر، تمت مكافأتهم من خلال منحهم ساعات تحمل العلامة التجارية، “ديزاينر” وبتحويل عشرات الآلاف من الدولارات إلى حساباتهم المصرفية السرية.
وفي هذا السياق، اتهم كل من المواطن الأمريكي، أحمد أبو عمو، والمواطن السعودي، علي الزبارة، بالتجسس لصالح المملكة العربية السعودية. ومن جهتها، لم تدل الحكومة السعودية بأي تعليق فوري عبر سفارتها في واشنطن، كما لم تعترف وسائل الإعلام التي تديرها الدولة بهذه الاتهامات.
كانت هذه الدعوى المرة الأولى التي تُتّهم فيها المملكة بالتجسس في الولايات المتحدة، علما وأن هناك علاقة طويلة المدى تجمع بين البلدين من خلال الاحتياطات النفطية الضخمة والحسابات الأمنية الإقليمية. وفي الواقع، قُدّمت الدعوى في العموم ضد اثنين من موظفي التويتر السابقين ورجلا ثالثا كان يدير شركة تسويق مواقع التواصل الاجتماعي عملت لصالح العائلة المالكة السعودية بعد أكثر من عام من مقتل جمال خاشقجي. ويُذكر أن كاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست” والناقد البارز للحكومة السعودية، قُتل وقُطّع داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
صرّح آدم كوغل، الباحث في قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، أن الادعاءات الجنائية تكشف عن مدى سيطرة الحكومة السعودية على تدفق المعلومات على التويتر
بالإضافة إلى ذلك، أقدمت المملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان ونجله، ولي العهد الأمير، محمد بن سلمان، البالغ من العمر 34 عامًا، على إخراس واحتجاز منتقدي الحكومة بشكل عدواني. في المقابل، سمحت المملكة للنساء بقيادة السيارات وفتحت دور السينما. وكان الأمير محمد متورطا في قضية اغتيال خاشقجي، وذلك استنادا لتقارير المسؤولين الأمريكيين فضلا عن تقرير تحقيق للأمم المتحدة. وفي هذا الإطار، صرّح الأمير أنه يتحمل المسؤولية كاملة بالنيابة عن المملكة على الرغم من أنه نفى تنفيذ عملية القتل.
من جهته، صرّح آدم كوغل، الباحث في قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، أن الادعاءات الجنائية تكشف عن مدى سيطرة الحكومة السعودية على تدفق المعلومات على التويتر. وعموما، تعتبر منصة التويتر المكان الرئيسي الذي يعبّر فيه السعوديون عن وجهات نظرهم، إلى جانب أن حوالي ثلث سكان البلاد الذين يبلغ تعدادهم ثلاثين مليون نسمة، هم مستخدمون نشطون.
في هذا الصدد، قال كوغل إن “الحرية التي توفرها منصة التويتر تشكل مصدرا رئيسيا للقلق بالنسبة للنظام الاستبدادي”. وفي الحقيقة، استخدمت الحكومة السعودية أساليب مختلفة للسيطرة على الخطابات ومنع الإصلاحيين وغيرهم من التنظيم، بما في ذلك استخدام الجيوش المتصيدة لمضايقة وتهديد المستخدمين عبر الإنترنت. كما أنها عمدت إلى اعتقال وسجن مستخدمي التويتر.
أشار كبير مستشاري ولي العهد السابق، سعود القحطاني، الذي شغل أيضا منصب مدير اتحاد الأمن الإلكتروني، إلى “القائمة السوداء” لاستهداف منتقدي الحكومة، حتى أنه غرّد في عام 2017 بأن الحكومة لديها سبل لكشف هويات المستخدمين المجهولين على التويتر.
وفقا لتقرير أصدره كوغل هذا الأسبوع، كتب القحطاني: “هل يحميك الاسم المستعار من اللائحة السوداء؟ لا لأن الدول تمتلك، أولا، طريقة لمعرفة صاحب الاسم المستعار. ويُمكنها ثانيا التعرف على عنوان بروتوكول الإنترنت. أما الأمر الثالث، فهو سر لن أبوح به”. وأضاف كوغل قائلا: “إذا دمجت ذلك مع ما نعرفه عن هذين الشخصين على الأقل، وما حدث عام 2014 وحتى عام 2015، فسيكون الأمر رائعًا”.
أوردت الشكوى أن أبا عمّو، مدير شراكة إعلامية تابعة لتويتر في الشرق الأوسط، وآل زبارة، مهندس موثوقية الموقع في التويتر، عملا مع مسؤول سعودي سرّي يقود مؤسسة خيرية تابعة لشخص يدعى “عضو العائلة المالكة 1”
عُوقب القحطاني لدوره المشتبه به في تنظيم عملية القتل الوحشي في حقّ خاشقجي. ونتيجة لذلك، عُلّق حساب التويتر الخاص به في سبتمبر/ أيلول بسبب انتهاكه لسياسة التلاعب بالمنصة. أما شركة تويتر، فقد أقرت بتعاونها في التحقيق الجنائي، وأنها قيّدت الولوج إلى معلومات الحسابات الحساسة “إلى مجموعة محدودة من الموظفين المدربين”.
بالإضافة إلى ذلك، جاء في بيان التويتر: “إننا نتفهم المخاطر الكبيرة التي يواجهها العديد من مستخدمي التويتر عند تبادل وجهات نظرهم مع العالم ومحاسبة من في السلطة. ولدينا أدوات لحماية خصوصيتهم وقدرتهم على القيام بعملهم الحيوي”. وأفاد أحد الناقدين قائلا إن “التويتر تمكنت من الانتقال من تقييد الولوج إلى المعلومات حول الأفراد إلى تقييدها لأقل عدد ممكن من الموظفين.
في هذا السياق، قال مايك تشابل، مدرس الأمن السيبراني بكلية مندوزا لإدارة الأعمال بجامعة نوتردام: “لو طبق التويتر هذا المبدأ، فلن يكون التملك غير المشروع للمعلومات ممكنا، إذ يتعين على شركات التواصل الاجتماعي فهم حساسية هذه المعلومات وتقييد قدرة الولوج إلى أقل عدد ممكن من الموظفين. فالإخفاق في القيام بذلك يعرض خصوصية مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى السلامة الجسدية، للخطر”.
من جهة أخرى، اتُهم أبو عمو بتزوير الوثائق والإدلاء بتصريحات كاذبة لعرقلة محققي مكتب التحقيقات الفيدرالي، وهي جريمة يُعاقب عليها بالسجن لمدة ثلاثين عاما كحد أقصى. وعند مثوله أمام المحكمة الفيدرالية في سياتل يوم الأربعاء، بقي أبو عمو رهن الاحتجاز ريثما تُعقد جلسة استماع يوم الجمعة. في الأثناء، رفض كل من محاميه كريستوفر بلاك وزوجة أبو عمو التعليق.
في الواقع، أوردت الشكوى أن أبا عمّو، مدير شراكة إعلامية تابعة لتويتر في الشرق الأوسط، وآل زبارة، مهندس موثوقية الموقع في التويتر، عملا مع مسؤول سعودي سرّي يقود مؤسسة خيرية تابعة لشخص يدعى “عضو العائلة المالكة 1”. وفي هذا الإطار، قال ممثلو الادعاء إن المدعى عليه الثالث، السعودي أحمد المطيري الذي يعمل مستشارًا لمواقع التواصل الاجتماعي للعائلة المالكة السعودية، كان وسيطًا مع موظفي تويتر.
علاوة على ذلك، أوضحت الشكوى أن المطيري جند آل زبارة ونقله إلى واشنطن في ربيع عام 2015 عندما زار وفد سعودي البيت الأبيض، كما أنه “خلال أسبوع واحد من العودة إلى سان فرانسيسكو، بدأ آل زبارة في الولوج إلى بيانات مستخدمي التويتر دون الحصول على تصريح خاص”. وبحسب المحققين، شملت الجهود بيانات المستخدم لأكثر من ستة آلاف مستخدم على الأقل، بما في ذلك 33 من أسماء المستخدمين التي تقدمت من أجلها المملكة العربية السعودية بطلبات الكشف الطارئ إلى التويتر. وبحسبما كشفت السلطات، أقر آل زبارة بالولوج إلى بيانات المستخدم بدافع الفضول.
في نهاية المطاف، مُنح آل زبارة في إجازة إدارية، وتم الاستيلاء على حاسوبه المحمول الخاص بالعمل، واصطُحب إلى خارج المكتب. وقال المحققون إنه سافر إلى السعودية مع زوجته وابنته، ولم يعد إلى الولايات المتحدة. وعموما، صدر أمر بالقبض عليه واعتقال المطيري كجزء من الشكوى.
المصدر: وكالة أسوشييتد بريس