تواصل حركة النهضة التونسية الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، مشاورات تشكيل الحكومة المرتقبة في البلاد، لخلافة حكومة يوسف الشاهد، غير أن الواضح إلى الآن أن هذه المفاوضات تراوح مكانها فلا مؤشرات على تحقيق أي تقدّم يذكر لإصرار كلّ طرف على فرض شروطه، وحتى وإن كانت مخالفة للدستور.
التيار ووزارات السيادة
ضمن الأحزاب السياسية التي تصرّ على شروطها للدخول في الحكومة القادمة، نجد التيار الديمقراطي الذي تحصّل وفق النتائج الأولية للانتخابات التشريعية التي أقيمت في الـ 6 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي على 22 مقعدًا.
وعلى اثر لقاء وفد من حزب التيار الديمقراطي مع حركة النهضة أمس الخميس، أفادت النهضة بأنه “ورغم إيجابية اللقاء إلا أن حزب التيار الديمقراطي تمسك بمقاربته للحكومة القائمة على رفض ترؤس حركة النهضة للحكومة بأحد قياداتها مع تمسكهم بالوزارات الثلاث.”
وكان زعيم هذا الحزب محمد عبو قد اشترط تمكين حزبه من حقائب الداخلية والعدل والإصلاح الإداري كاملة الصلاحيات إلى جانب اختيار رئيس حكومة مستقل وكفء ونزيه وقوي، ووضع برنامج حكم معلن، يراعي الأولويات الوطنية، وتتعهد جميع الأطراف بتنفيذه ” للمشاركة في الحكم إلى جانب حركة النهضة.
ترى قيادات في حركة النهضة أن تشكيل ما بات يعرف “بحكومة الرئيس”، فكرة سابقة لأوانها، وفيها قفز على محطة دستورية
يذكر أن مؤسس هذا الحزب محمد عبو قد شارك في الائتلاف الذي قادته حركة النهضة عقب انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر/تشرين الأول 2011، قبل أن يستقيل من وزارة الإصلاح الإداري التي كان يشغلها حينها، بسبب عدم استجابة الحكومة التي يرأسها حمادي الجبالي لطلبه في بعث لجنة لمراقبة الأداء الإداري ومقاومة الفساد، وفق قوله.
وترى قيادات في حركة النهضة أن موقف التيار الديمقراطي – صاحب المرتبة الثالثة في الانتخابات التشريعية- يؤكد رفض الحزب المشاركة في الحكومة بأي صيغة كانت، فرغم فتح الحركة باب التفاوض معهم فهم مصرون على تبني مطالبهم “التعجيزية”.
حركة الشعب.. حكومة الرئيس
ثاني الأحزاب التي دخلت معها حركة النهضة في مشاورات لتشكيل الحكومة، هي حركة الشعب، غير أن هذا الحزب القومي يصرّ على التزام النهضة بكامل شروطه حتى يدخل معها في الحكومة القادمة، ما تعتبر النهضة غير منطقي نظرًا لنتائج الانتخابات.
وتقترح حركة الشعب تشكيل ما سمّته “حكومة الرئيس”، أي أن يتولى رئيس الجمهورية قيس سعيّد تعيين شخصية مستقلة يثق بها على رأس الحكومة وتدعمها الأحزاب في البرلمان، كما تقترح الحركة أيضا تشكيل حكومة تكنوقراط مصغّرة تلتزم ببرنامج يضعه داعموها السياسيون.
ويؤكّد زعيم هذا الحزب زهير المغزاوي أن رؤيتهم “لحكومة الرئيس” لا تعني بالضرورة منح رئيس الجمهورية الصلاحيات المطلقة لتشكيل الحكومة، وإنما تستمد من الشرعية الانتخابية التي جاء بها بأغلبية مطلقة، كأرضية لتجميع الفرقاء السياسيين على موقف موحد والخروج من أزمة تشكيل الحكومة.
في مقابل ذلك، ترى قيادات في حركة النهضة أن تشكيل ما بات يعرف “بحكومة الرئيس”، فكرة سابقة لأوانها، وفيها قفز على محطة دستورية، تعطي صلاحية للنهضة لتشكيل الحكومة باعتبارها الحزب الفائز في الانتخابات.
تطرح حركة الشعب مقترح “حكومة الرئيس”
ينص الفصل 89 من الدستور التونسي على تكليف رئيس الجمهورية، مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي الحاصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب، في أجل أسبوع من إعلان النتائج النهائية للانتخابات، بتكوين الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة.
وبموجب الدستور التونسي الجديد الصادر في فبراير/شباط 2014، يكون رئيس الوزراء المنتمي لأكبر حزب بالبرلمان التونسي هو المهيمن على معظم السياسات الداخلية، في حين يتحمل رئيس الجمهورية المسؤولية المباشرة عن الأمور الخارجية والدفاع.
وسبق أن أكد رئيس مجلس شورى حركة النهضة، عبد الكريم الهاروني، أن رئيس الحكومة الجديدة سيكون من الحركة، وهذا خيار غير قابل للتفاوض، وأشار الهاروني إلى “حق النهضة في أن تقود الحكومة على أساس برنامج”، قائلاً: “بالنسبة للقانون الأساسي للحركة فإن رئيس الحركة هو المرشح للمناصب العليا في الدولة، تبقى هذه الفرضيات مفتوحة في رئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة”.
التنازل المشترك عن الشروط المسبقة
أمام تشبّث هذه الأحزاب، تجد حركة النهضة نفسها تدور في حلقة مفرغة، خاصة وقد سبق أن أكدت عدم التحالف مع حزبَي قلب تونس بسبب شبهات الفساد التي تلاحق زعيمه نبيل القروي، والحزب الحر الدستوري (17 مقعدا)، الذي قالت إن له ارتباطا بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي وبرامجه، مع الإشارة إلى أن كليهما رفضا مبكرا التواصل مع النهضة، وأعلنا أنهما سيكونان في المعارضة.
وتصدرت حركة النهضة نتائج الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد في السادس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بحصولها على 52 مقعدا، تلاها حزب “قلب تونس” بـ38 مقعدا، ثم التيار الديمقراطي بـ22 مقعدا، وائتلاف الكرامة المتحصل على 21 مقعدا.
تنازل حركة النهضة عن رئاسة الحكومة، ترى بعض القيادات النهضوية ضرورة أن يرافقه تنازل حركة الشعب عن فكرة الحكومة الرئاسية والتيار الديمقراطي عن بقية شروطه
تطالب النهضة بتكوين ائتلافات مع أحزاب أخرى لتتمكن من جمع 109 مقاعد (من مجموع 217)، حتى يتمكن من تشكيل الحكومة المقبلة، الأمر الذي يصعب تحقيقه الآن في ظلّ رفض معظم الأحزاب العمل في حكومة ترأسها النهضة.
وكانت حركة النهضة قد أعدت في وقت سابق ما سمتها “وثيقة للتعاقد الحكومي” القادم، تتضمن خمسة محاور تتعلق بمحاربة الفساد ودعم الحوكمة الرشيدة وتعزيز الأمن ومحاربة الفقر ودفع التنمية واستكمال المؤسسات الدستورية.
أمام هذا التصدّع، من الممكن أن تتخلى حركة النهضة عن ترأس الحكومة القادمة، وهو ما لمسناه من كلام القيادي في الحركة الإسلامية، حيث أكّد أن حركة النهضة لم تتمكّن إلى حد الآن من تحديد هويّة رئيس الحكومة الجديد، الذي قال إنه قد يكون من داخل الحركة أو من خارجها، وهو ما يعني إلى أن “النهضة” قد تتخلى عن شرط ترؤسها للحكومة المقبلة.
إعادة الانتخابات سيكون لها تكاليف باهظة مالية وسياسية
تنازل حركة النهضة عن رئاسة الحكومة، ترى بعض القيادات النهضوية ضرورة أن يرافقه تنازل حركة الشعب عن فكرة الحكومة الرئاسية والتيار الديمقراطي عن بقية شروطه، ودخولهم في مفاوضات جدية دون شروط مسبقة مع النهضة.
انتخابات مبكرة
في حال إصرار كلّ طرف على شروطه وعدم التنازل سيجد التونسيين أنفسهم أمام حتمية اجراء انتخابات سابقة لأوانها، رغم التكاليف الباهظة التي ستتكبدها البلاد، في مجالات عدة، نتيجة إعادة الانتخابات التشريعية.
ويعطي الدستور التونسي الحق لرئيس الجمهورية في حال تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه 45 يومًا وأقصاه 90 يومًا.
إعادة الانتخابات، لن يكون حلًا مرضيًا لجميع الأطراف، فمن المؤكّد أن بعض الأحزاب أو الائتلاف أو حتى الشخصيات المستقلة الفائزة بمقاعد في البرلمان الجديد لن يرضيها هذا الحل، خوفًا من خسارة مقاعدها، خاصة أولائك الذين فازوا بأكبر البقايا.