تناولت الدعوى الموجهة بحق مواطنين سعوديين وأخر لبناني يحمل الجنسية الأمريكية، يوم الأربعاء 6 نوفمبر، اتهامًا بالتجسس لصالح المملكة العربية السعودية عن طريق وصولهم إلى بيانات خاصة لمعارضين سعوديين وشخصيات بارزة تعمل في مجال الإعلام يستخدمون موقع تويتر للتواصل الاجتماعي.
ضجّ الإعلام العالمي بالقصة، ونشر مكتب التحقيقات الفيدرالية تقريرًا مفصلًا يشرح فيه استنتاجات التحقيقات ومطالب المدعي العام والتهم الموجهة. من هم المتّهمون وماذا فعلوا بالضبط ومن زرعهم جواسيس في تويتر؟ نلخص لكم القصة في هذا التقرير…
أبو عمو – المتهم الأول – معتقل
“سنقضي على الشرّ”.. رسالة أرسلها المتهم الأول، أبو عمّو، للمسؤول السعودي عن ملف تجنيد ومتابعة عمل الجواسيس لصالح السعودية في تويتر.
أحمد أبو عمّو، هو لبناني-أمريكي، عمل موظفًا في مقرّ شركة تويتر في الولايات المتحدة الأمريكية في منصب مدير الشراكات الإعلامية ومسؤول عن ملف الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ نوفمبر 2013 وحتى استقالته في مايو 2015.
كما يظهر حساب أبو عمّو في “لينكدإن“، عمل أبو عمو سابقًا في عدة محطات عربية وعالمية معروفة من بينها قناة الحرة الأمريكية الناطقة بالعربية. بالإضافة إلى عمله كموظف في قناة AJ+ التابعة لشبكة الجزيرة القطرية وكان قد حصل منها على رسالة توصية منشورة في لينكد إن.
رسالة التوصية
حسابه في لينكد إن
قصة التجنيد والتجسّس
وفق تقرير مفصل نشره مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي)، استغل أبو عمو منصبه في الشركة لتقديم خدمات تجسّس للنظام الملكي السعودي، دون إبلاغ المدعي العام الأمريكي بمهمّته، في خرق للقانون الأمريكي (18. USC. 951)، كما انتهك قوانين شركة تويتر المتعلقة بسريّة المعلومات وتلقي الهدايا وحظر استخدام أو الاطلاع على بيانات المستخدمين لغير ذوي الصلاحية.
ماذا قدّم أبو عمّو للسعودية؟
بدأ الأمر بتنظيم جولة لوفد سعودي قيل إنه يضم “روّاد أعمال”، إلا أنه ضم حقيقة مسؤولًا سعوديًا مقربًا من العائلة المالكة (مدير منظمة خيرية تابعة لأمير سعودي وأشير إليه بمسؤول أجني رقم 1 في تقرير الإف بي آي)، لاحقًا زوّد أبو عمو هذا المسؤول برقم هاتفه الشخصي (13 يونيو 2014) ليبدأ تقديم طلباته.
وثّق أبو عمّو حسابات مرتبطة بالنظام السعودي، سهّل حظر حسابات أخرى بشكل مستعجل متجاوزًا قوانين الشركة، جنّد موظفين من داخل الشركة لتقديم ذات الخدمات عقب استقالته. اطّلع على بيانات مستخدمين مطلوبين من السعودية، أرقام هواتفهم، عنوان الـ “IP” الخاص بأجهزتهم وتفاصيل شخصية أخرى يحظر الإفصاح عنها لطرف ثالث.
من بين الحسابات التي وثّقت كان حساب وزير الإسكان السعودي ماجد الحقيل، ووزير التربية أحمد العيسى وحساب “إنفوغرافيك السعودية” وحساب السفير السعودي في العراق.
ومن بعد لقاء شخصي جمع أبو عمو بمسؤول رقم 1 في لندن على هامش قمة تويتر، عقد الاتفاق وبدأ أبو عمو بالتجسس على عدة حسابات لمعارضين سعوديين كانت تسعى المملكة لحظر حساباتهم في تويتر. كان أوّلها حساب معارض سعودي يتابعه أكثر من 100 ألف شخص، زار أبو عمو هذا الحساب بشكل متكرر واطّلع على بياناته كاملة.
ويضيف تقرير “الإف بي آي” أنه خلال المراسلات قام المسؤول رقم 1 بإرسال ملف لأبو عمو يوضح فيه انتهاك المستخدم المذكور لسياسات تويتر والقانون السعودي. كما دخل أبو عمو إلى إيميل حساب الملك سلمان في تويتر دون توضيح التقرير للسبب.
المقابل
منتهكًا قوانين الشركة المتعلقة بتلقي الهدايا، تلقى أبو عمّو من المسؤول السعودي المقرب من الملك أكثر من 300 ألف دولار أمريكي. من ضمنها ساعة ذهبية فاخرة قدرت قيمتها بـ 20.000 دولار تم اكتشافها خلال تحقيقيات الإف بي آي كونه حاول بيعها مدعيًا أنه اقتناها من لندن لكن التحقيقات تواصلت مع المتجر الذي ادعى أنه اشتراها منه فجاء الرد بأن عملية البيع المزعومة لم تتم.
تلقى أبو عمّو الأموال مقابل خدماته بطريقتين، الأولى عبر حساب فتحه قريب له في بيروت خصيصًا في بنك العودة وبدأ بتحويل الأموال للولايات المتحدة بالتدريج بالتزامن مع تقديم الخدمات والتواصل المستمر بينه وبين المسؤول السعودي (لم يذكر التقرير اسمه)، وذلك عام 2015. في حين تم استلام بقية المبلغ بعد استقالته من تويتر واستمرار تقديمه للخدمات عبر علاقاته داخل الشركة، حيث سجّل شركة “سيركل” في واشنطن في ديسمبر 2017، على أنها شركة استشارات، استقبل فيها 100 ألف دولار من المسؤول السعودي المذكور بعد أيام من تسجيل الشركة.
يذكر أن سياسة تويتر فيما يخص تلقي الهدايا تحتّم على كل موظف إبلاغ مديره ونائب مدير الموارد البشرية في حال تلقيهم هدايا تتجاوز قيمتها 100 دولار، قبل إرجاع الهدية إلى صاحبها.
التهم
اتهمت النيابة العامة الأمريكية أبو عمو بالتجسس لصالح جهة أجنبية – السعودية- دون إبلاغ النائب العام الأمريكي، بالإضافة لتهمة تزوير وثائق والإدلاء بتصريحات كاذبة لعرقلة التحقيقات الفيدرالية، وهي جريمة يُعاقب عليها بالسجن لمدة ثلاثين عامًا كحد أقصى. إذ أنه في 20 أكتوبر 2018 قدم بشكل مخالف للقانون وهو على دراية تامة فاتورة مزوّرة لمحقق فدرالي زاره في بيته خصيصًا لسؤاله عن الساعة الذهبية التي تلقاها من لندن وحاول بيعها بأكثر من 20 ألف دولار وعن 100 ألف دولار دخلت لحسابه في أمريكا بتحويل بنكي من المسؤول السعودي المذكور. يذكر أن المتهم قيد الاعتقال.
علي الزبارة – مطلوب – هارب
سعودي الجنسية بدأ عمله في تويتر مهندسًا للموثوقية منذ أغسطس 2013 حتى ديسمبر 2015، دخل الولايات المتحدة طالبًا مبتعثًا على حساب المملكة عام 2005، حصل خلال مكوثه فيها على شهادات عدة في علوم الحاسوب من عدة جامعات أمريكية، وسكن مع زوجته وأطفاله في كاليفورنيا حيث يعمل.
في الفترة الواقعة ما بين مايو ونوفمبر 2015 دخل علي الزبارة بشكل غير قانوني لأكثر من 6 آلاف حساب سعودي من بينهم معارضين، و33 حساب من بينها كانت السعودية قد أرسلت اعتراضات لتويتر بخصوصه، من بينها حساب لمعارض سعودي يسكن لاجئًا سياسيًا في كندا كما ذكر تقرير الإف بي آي.
اطّلع الزبارة على بيانات تفصيلية بشكل غير قانوني للمستخدمين المذكورين، من بينها أرقام الهواتف والبريد الإلكتروني ومكان وجود الشخص وعنوان جهازه ونوعه ونوع المتصفح الذي يستخدم وسجلّ تصفحه في تويتر.
حصل على ترقية في نوفمبر 2015 أرسل بعدها رسالة فرح لمسؤوله في السعودية يبلغه بأنه “سعيد بالترقية إلا أنه أسعد بأنها ستمكنه من تقديم المزيد من الخدمات”، كما أوضحت رسائل أخرى خزّنها في ملاحظات الهاتف أنه كان يطالب المسؤول السعودي بتحسين ظروفه وضمان وظيفة له لـ “تأمين مستقبله ومستقبل عائلته” وأنه يريد العمل في الفريق الذي يديره المسؤول الأول موضحًا أنه قدم “الكثير من الخدمات الجليلة”.
المواجهة والهرب
كشف أمر الزبارة في تويتر في 2 ديسمبر 2015، ادعى حينها أن دخوله للحسابات كان بدافع “الفضول”، إلا أن الإدارة أصدرت بحقه أمرًا بإيقافه عن العمل ومصادرة حاسوبه الخاص بالعمل إلى حين البت بقضيته. غادر الزبارة مبنى تويتر الساعة 16:29، وخلال 14 ساعة ونصف فقط كان على متن الطائرة برفقة عائلته هاربًا إلى السعودية، وذلك بتنسيق مع القنصل السعودي والمسؤول رقم 1.
انضم الزبارة إلى الفريق المسؤول عن ضبط ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، كما كان يطمح بالضبط، ولم يعد إلى الولايات المتحدة منذ ذلك الحين، ولن يعود بكل تأكيد بعد إصدار مذكرة اعتقال بحقّه واعتباره “مطلوبًا” للقضاء الأمريكي.
أحمد المطيري – مطلوب – هارب
أحمد المطيري أو أحمد جبرين، وهو مستشار لمواقع التواصل الاجتماعي للعائلة المالكة السعودية، وكان مسؤول زراعة جواسيس لصالح السعودية في تويتر. على علاقة مباشرة بـ “مسؤول رقم 1” ويمتلك شركة استشارات إعلامية متعاقدة مع منظمات خيرية تابعة للبلاط الملكي السعودي.
حضر إلى الولايات المتحدة عام 2014 طالبًا لتعلم اللغة الإنجليزية وهو من كان الوسيط بين ابو عمه وزبارة والمسؤولين السعوديين. ووفق تقرير الإف بي آي فقد عمل جاسوسًا للسعودية في الولايات المتحدة بين 20 نوفمبر من عام 2014 وحتى 24 مايو 2015. في كاليفورنيا الشمالية وأماكن أخرى دون إبلاغ المدعي العام الأمريكي، ليعتبر هو الآخر من منتهكي القانون الأمريكي، وعليه صدرت بحقه مذكرة اعتقال.